عانت «بيتي باتول»، البلجيكية من أصل مغربي آلاما كثيرة منذ طفولتها، وصادفت حياتها العديد من الصعاب منذ أن كانت نطفة في بطن أمها، التي سعت بشتى الوسائل كي تجهضها فأصرت «الباتول بن الحول»، البالغة حاليا من العمر 45 سنة، على القدوم إلى هذا العالم. عاشت طفولة صعبة في كنف أسرة تنقلت كثيرا بين المغرب وبلجيكا، تعرضت لاعتداءات جنسية متكررة منذ أن كانت تبلغ من العمر أربع سنوات، اعتداءات وعنف ذاقت مرارته منذ الطفولة إلى حين البلوغ، لجأت إلى شرب الخمر لعلها تنسى آثار ما تعرضت له لكن ذلك ضاعف من معاناتها، حاولت الانتحار لكن لم يكن الطريق سهلا، حتى التقت برجل ساهم في تغيير مجرى حياتها فأصبحت إيجابية، درست وعملت وتزوجت وأنجبت أربعة أطفال. اختارت أن تدون سيرتها الذاتية في كتاب تحت عنوان «شقائق النعمان في الشتاء؟ لم لا..»، لعله ينير درب مثيلاتها ويشعر الجميع بمعاناة من يتعرضون للاعتداء الجنسي والعنف، ننشره على حلقات مع بعض التصرف الذي يقتضيه الاختصار. بعد سنة من استئناف حانة تحمل اسم «باري بار»، أصبح أبي يتاجر في الكسكس بالقرب من مقر عمل أمي، لكنه لم ينجح في تجارته، أما الأموال التي كان يحصلها فكانت غالبا من أرباحه في لعبة «البوكير»، وفي الأيام التي كان ينهب فيها الجيوب غير أنه في حالة ما إذا قام رجال الأمن بالمراقبة فإن أبي يعود خالي الوفاض. بعد ذلك قام أبي بفتح مطعم ليلي أطلق عليه اسم «إنشاء الله» ب«ليكسيل» بزنقة «بيرجير»، وهو مطعم متخصص في الكسكس والمشاوي، وفي وسطه كان هناك موقد وكان الزبناء يعاينون مباشرة عملية الطبخ ويستمتعون بالروائح الشهية، واستمر والدي في هذه التجارة لمدة خمس سنوات. أقمنا نحن الثلاثة مع أمي ب«واتيرلو» وكان أبي يعود في آخر الليل وأحيانا نسمعه عندما يعود بسبب شجاره مع أمي...زيارته النادرة كانت كافية لتكتشف أمي أنها كانت حاملا، وسيؤخذ نفس القرار «المعقول» لا يمكن الاحتفاظ بهذا الجنين، وهذه المرة كل شيء سيمر كما كان متوقعا، لن يكون هناك طفل. ذهبنا بضعة أيام عند جارتنا حتى تستعيد أمي عافيتها، ورغم أننا لا نمضي وقتا أكبر مع والدينا، فإن السنوات التي قضيناها ب«واتيرلو» تركت ذكريات جميلة في مخيلتي. كانت لدينا حديقة كبيرة وغالبا تتحول إلى مجمع للألعاب يتردد عليه أصدقاء الحي، وعوض أن نجد الحنان من العائلة فإننا نبحث عن لحظات سعيدة في الخارج أو مع الحيوانات التي كنا نملكها مثل كلب وقطة وأرنب أبيض. وبدأنا نحاول تقويم الحول الذي بعيني، بمساعدة غطاء ناوبت نظري بعين ثم الأخرى لتعمل عضلات عيني بهدف إيقاف الحول. كنت لا مبالية حتى هذا اليوم الذي عرفت فيه كطفلة صغيرة وحشية الرجال. نلمح من الحانة الحديقة والحفل الذي أغرى زبونا والذي يقول لأمي ما أجمل شرب «الشمبانيا» برفقتها والنظر إلى أطفالها وهم يلعبون مع أطفال آخرين، هذا المنظر الذي به شيء من الغرابة ولكن أيضا به إثارة. في يوم آخر طلب هذا الزبون رؤيتنا ليسلم علينا كان يعمل بمحل لملابس الأطفال، ويعرف جيدا هذا المجال...لم أعرف إن ذهبت أختاي ولكنني أنا ذهبت كنت أبلغ من العمر أربع أو خمس سنوات، أجلسني الزبون بجانبه على المنضدة «الكونتوار» وكانت الأضواء خافتة وكانت أمي تتحدث مع زبون آخر خلف «الكونتوار»، عندما كنت أحاول فهم أين أوجد، بدأ الزبون الذي يجلس بجانبي يهمس في أذني ببضع كلمات بصوت خافت، وبعدها مرر يده تحت كسوتي وصعد بها ببطء على طول ظهري وكان يتوقف عند كل كرة صغيرة من عمودي الفقري، لم أعرف ماذا أفعل، لكن المؤكد أنني كنت أحس بضيق لم أتحمله، ولكن لم أستطع أن أتحرك، وتسمرت على هذا الكرسي الملعون أريده أن يتوقف ولكن يظهر أنه يأخذ شهوته ويتابع استكشاف جسدي مع الهمس بكلمات أرفض الاستماع إليها، فالتقت نظرتي المتوسلة بنظرة أمي التي اقتربت بعد ذلك، توقفت اللمسات والرجل يظهر متضايقا، انصرفت وأنا متسخة وجسدي يؤلمني. بعد سنوات، فهمت أن هذا الجو خاص ويدل على نوع الزبناء الذين يترددون على هذه المؤسسات، وأن ذلك الرجل الذي كنت بجانبه لا يشبع رغباته الراشدون، نواياه تجاه الأطفال كانت أكثر «شذوذا»، رغم طلباته المتكررة بأن أعود إلى الحانة، أمي كانت ترفض ذلك دائما. إنه من الحمق أن يكون لحدث استمر لبضع دقائق تداعيات من بعد لسنوات، ولحدود اليوم لا زلت أشعر بالألم كلما رغبت في الاسترخاء أثناء تدليك ظهري ولا أتحمل أن أجلس في المنضدة لم أكن أعرف في ذلك الوقت أن جزءا من حياتي سيسرق. بعد وقت قليل من الحدث تطور فتق إربي بيميني وأختي الكبرى «مريزا» هي التي اكتشفت كرة صغيرة ذات مساء عندما كانت تغسل لي، ولما التحقت بنا أمي تعجبت وضحكت قائلة: انظري أختك الصغيرة أصبحت ولدا، فذلك ما أرادت من غير وعي، ومن أجل أن أهرب من قدر طفلة قليلة الحظ وكي أرضي الذي يريد أن يكون له ولد، كنت أتبول وأنا واقفة كالأولاد حتى سن البلوغ. ببروكسيل المطاعم الشرقية قليلة والتي تقدم المشويات أقل، ومؤسسة أبي كانت تخدم شخصيات ومشاهير في علبة ليلية مشهورة «بلاك أند وايت» في شارع «ستاسارت»، من بين هؤلاء الزبناء هناك «جوني هاليداي» الذي قدم له والدي المشوي ذات مساء. نجح والدي في مشاريعه لكنه يحن إلى المغرب، وانطلقت الأسفار، أول الأمر ذهب والداي لوحدهما ونحن ذهبنا إلى مستعمرة «تيهانج»، وفي الصيف الموالي سافرنا جميعا بالسيارة عند عائلة أبي بكرسيف وعلى وجه الخصوص عند شقيقته عائشة واستغل والدي العطلة ليتزوجا على الطريقة المغربية. عند وصولي إلى المغرب اكتشفت عالما جديدا، للناس لون بشرة آخر وملابس ولغة أخرى، ولأول مرة أسمع أبي يتحدث بالعربية، وهذا مثير للإعجاب، يظهر أن الزمن توقف هنا، فالناس لا يسرعون وقليلو الغضب. فضجيج حركة مرور بروكسيل بعيد وفي وسط السيارات هناك أشخاص يتنقلون على الحمير والبغال، وفي بعض الأحيان يجرون عربة تظهر أنها من القرون الوسطى، وشعرت بالراحة مع هذه الشمس التي أدفأت جلدي وملأت قلبي بنكهة عطرة. تعتبر وجبات الأكل من لحظات السعادة الخالصة: الجميع يجلسون حول مائدة بها طبق أكل وشرائح خبز صغيرة وأصابعنا «تغمس» في المرق ونأكل، هذا يبهجني. هذه المذاقات مختلفة عما اعتدته. فالناس لطفاء ويفعلون كل شيء من أجل راحتنا، لم أعرف أبدا هذا النوع من المواقف ...ويظهر أن هذا يسمى ب«الضيافة المغربية» ومع الأطفال هناك اختلاف كبير، لم أفهم لماذا عندما أخرج ينظرون إلي كوحش غريب.... لم أشعر بغرابة رغم أنني لا أتحدث لغتهم وحولاء ولست لا بيضاء ولا سمراء. ولكن أتعطش للتواصل غير أن هذا صعب جدا، كيف أستطيع أن أقول لهم إنني منكم، بالعكس ولكن لا يسخرون مني رغم أن اسمي ليس شائعا في المغرب لكنه معروف وينطق صحيحا .