إذا كانت أرقام نسبة المتابعة التي أصدرتها شركة «ماروك ميتري» الخاصة بشهر رمضان قد كشفت عن خصوصية البرمجة الرمضانية، بالمقارنة مع البرمجة العادية أو الصيفية في ارتباط بانتظارات المُشاهد المغربي، فإن الأرقام ذاتَها تمنح المتتبعَ الحق في التساؤل حول وظيفة هذه الشبكة وصيغ اشتغالها. بصرف النظر عن الخدمة العمومية (التتقيف, الإخبار, الترفيه) التي ينص عليها دفتر التحملات، تتأسس وظيفة الشبكة البرامجية على مبدأ الوفاء لانتظارات المُشاهد وخلق علاقة تواصلية ثابتة معه تقوم على النظر إلى الشبكة ك«مواعد وفاء», ولتحقيق انتظارات المُشاهد عبر برامجَ متنوعةٍ وتستهدف شرائح من الجمهور المفترَض، يفترض الأمر أن تستند البرمجة على مواعد قارة تتقاطع على مدار السنة، أخذا بعين الاعتبار الخصوصية الرمضانية والصيفية. على هذا الأساس، يخصص للبرامج الوثائقية مختلفة المصادر مثلا توقيت معيّن (العاشرة مساء مثلا) في أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، على أن تمنح الدراما المغربية أو العربية موعدا قارا مع الجمهور المغربي, وتخصص للجمعة «برامج دينية» وللسبت «منوعات» وللأحد «فيلم».. برمجة تنسجم مع الطابع المميز لهذه الأيام، تراعي مختلف الأذواق والشرائح المستهدفة. ويفترض «الوفاء» للجمهور الناشئ الوفاء بالموعد بتخصيص برامج ذات خصوصية طفولية (رسوم متحركة)، فضلا على تخصيص برامج في فترة ما بعد الزوال للمجلات والبرامج ذات البعد التربوي، النسائي والعائلي. تحصيل ما سبق أن نجاح الشبكة البرامجية يستند، بشكل أساسي، على تحديد واختيار وتنويع الأجناس التلفزيونية، بشكل يمنح برمجة يوم معيَّن صفة «الاختلاف» عن يوم آخر ومعرفة الشرائح المستهدَفة في الزمان وتحقيق مبدأ الوفاء للموعد الذي يبقى أساسيا في منح العلاقة التواصلية القوةَ والاستمرارية. وبإطلالة سريعة وعابرة على الشبكة للقنوات الوطنية، يتضح أنها تخرق هذا المبدأ (الوفاء للمشاهد)، إذ تغيب في هذه الشبكة البرامج المستمرة في الزمان، كما هو حاضر في أغلب القنوات الفرنسية، مثلا، باستثناء الحرص على توقيت النشرات، إذ بمجرد ما ينطلق برنامج معين، يتوقف لسنة أو سنتين على أبعد تقدير، دون العودة إلى استقراءات للرأي تحدد مكامن القوة والضعف المتعلقة بالبرنامج والوقوف على مدى قوة التصور وقدرته على التجدد والاستمرار في الزمان قبل إنتاجه، فضلا على عدم دعم البرامج ذات القيمة المجتمعية أو الثقافية. في ظل غياب هذا المبدأ الحيوي، يُطرح السؤال حول المبادىء الحقيقية التي تقوم عليها البرمجة في قنواتنا: هل تقوم الشبكة البرامجية على خلق مواعد قارة ووظيفية مستندة على احترام العيِّنة المستهدفة في الزمان أم إن الرهان هو إرضاء شركات الإنتاج على حساب الشبكة البرامجية؟ والشبكة التي يُفترَض أن تكون مؤسَّسة على منطلقات دفتر التحملات الذي ينص على أن وظيفة القنوات العمومية تقوم على تكريس وتفعيل قيم المواطنة والتعدد والاختلاف، زيادة على ضرورة الحرص على احترام مبدأ «الوفاء للمُشاهد» لمنح العلاقة بين المتلقي والتلفزيون الحقَّ في البقاء والتطور...