بعد أسبوع من انتهاء «البرمجة» الرمضانية، أعلنت شركة «ماروك ميتيري» عن أرقامها «الرسمية» الخاصة بنِسب المتابعة خلال الشهر الفضيل، وأعادت إلى الواجهة، عبر تفاصيلها، إمكانيةَ مناقشة خصوصية هذه البرمجة في علاقتها بطقوس الشهر الرمضاني ومدى انسجامها مع الوظائف المفترَضة للتلفزيون العمومي. وبعيدا عن «شخصنة» الأرقام ومحاولة نسبة «نجاح مزعوم» إلى أسماء في البرمجة لقناة وضرب أسماء في قناة أخرى، دون مسوغ صحافي مهني!.. تكشف أرقام «ماروك ميتري» عن ملاحظات عدة، أولها تكثيف الإنتاج الدرامي والكوميدي بالمقارنة مع باقي الأجناس التلفزيونية الأخرى.. وثاني الملاحظات هي الاستمرار في المراهنة على الإنتاجات التي يمكن أن نُطلق عليها –تجاوزا- اسم «كوميديا» إلى الدرجة التي أُخضع فيها مسلسل «الحْرّاز» لعملية «قيصرية» ليصير عملا «هزليا»، على الرغم من البون الشاسع بين النص المكتوب وملامح الشخصيات التي أطلّتْ على المُشاهد المغربي في شهر رمضان. ولفهم «معنى» ما يحدث في التلفزيون المغربي، وجب التذكير بأن البرمجة العادية في أغلب التلفزيونات العالمية، باستثناء التلفزيونات العربية، تنطلق في شهر شتنبر وتنتهي في شهر يونيو، الذي يتزامن مع العطلة الصيفية، إذ بعد تقديم مواعيد قارة مع المُشاهد، ينتقل التلفزيون إلى الوتيرة الصيفية التي تعتمد بدرجة كبرى على إعادة البرامج أو إنتاج برامجَ تنسجم وطبيعة هذا الفصل، وهذا يعني أن البرمجة طيلة السنة تأخذ طابعا عاديا وآخر صيفيا. ويبقى هذا الشكل في التعاطي مع البرمجة -بشكل ظاهري- معتمَدا في القنوات الوطنية، مع استثناءات تتعلق ببرمجة برامج، ك«حوار» و«مباشرة معكم»، التي تبرمَج أو تلغى حلقاتهما دون سابق إشعار.. مع التأكيد على خصوصية التلفزيون المغربي والعربي في خلقه شبكةً رمضانية تنضاف إلى الصيغتين السابقتين للبرمجة، تستند وتتأسس في وجودها، نظريا، على خصوصية الشهر الرمضاني ورمزيته الروحية وطقوسه الثقافية والمجتمعية. وبالعودة إلى الشبكة الرمضانية الوطنية، يمكن تسجيل برمجة أعمال في القناتين، بالتزامن مع توقيت أداء طقوس رمضانية، مما يعني أن الشريحة الأهم المفترضَة لاستقبال المنتوج، في ذلك التوقيت، هي «خارج التغطية»، مما يؤدي -بشكل مباشر- إلى بث أعمال جديدة ومُكلِّفة، أحيانا، في أوقات غير دقيقة تضيع عنها حق المتابعة في وقت الذروة، في شهر رمضان أو في شهور أخرى، وتطرح السؤال حول أحقية إنتاجها في الأصل، في ظل غياب جمهور مفترَض لها... يفترض هذا «الخلل»، الذي تكرَّر في السنوات الأخيرة، أن تستند البرمجة في القناتين، بالأساس، إلى دراسة سوسيولوجية تأخذ بعين الاعتبار العاداتِ والتقاليدَ والطقوس المرتبطةَ بالشهر الرمضاني، فضلا -بطبيعة الحال- على ضمان سلامة وسلاسة كل مراحل العملية الإنتاجية وخضوعها لمعايير الشفافية والمهنية والخلْق والإبداع.. دراسة تحاول أن تقف على كيفية تفعيل التنوع الحقيقي في الأجناس الإبداعية أو الإخبارية، بشكل مختلف عن التنوع المتمثِّل في الجنس الواحد (الكوميديا). ويقوم هذا التنوع على تكريس وتفعيل وظائف التثقيف والإخبار والترفيه وعدم جعل الوظيفة الأخيرة (الترفيه) لصيقةً بالشهر الرمضاني وإغفال الدور المجتمعي والدور «المواطِن» للتلفزيون، بعيدا عن اللغة «التنافسية» بين مكونات القطب العمومي الذي يجب، في الأصل، أن يقوم على تحقيق تكامل بين هذه المكونات، في تعاطيه مع وظائف التلفزيون المفترَضة، وليس أن يدخل في دوامة تنافس مع ذاته، كي نسمح لأنفسنا، في نهاية المطاف، بالحديث عن قطب عمومي فعلي..