سُرِّبت، في الأيام الأخيرة، أرقام نِسَب المتابعة المتعلقة بشهر رمضان. و«نُسِبت» هذه الأرقام إلى شركة «ماروك ميتري».. وبصرف النظر عن مناقشة الشق القانوني في المسألة، الذي يفترض مصادقة المركز البين -مهني لاحتساب نِسَب المتابعة على التقارير، قبل الإعلان أو «تسريب» أي أرقام أو الأخذ بها، حسب ما ينص على ذلك -بشكل صريح- دفتر تحملات الشركة الذي صادقت عليه الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري، وبصرف النظر، بدرجة ثانية، عن «القراءات» الخاصة لهذه الأرقام التي تحتاج إلى وقفة تأمل كبيرة، تشكل الأرقام المسرَّبة فرصة مهمة لمناقشة مدى إمكانية قراءة كل هذه الأرقام وفق صيغ البث ومعطياته، في ارتباط بمفهوم الجهوية، الحتمي.. في البدء، لا بد من التذكير بأن تكريس مفهوم التعدد وترسيخ المجتمع الإعلامي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك قبل مدة، يتأسس على عدة مفاهيم حيوية وبانية، لعل أبرزَها مفهوم «الجهوية الطبيعية»، الذي يتجاوز الطابعَ الترابي للجهوية الإدارية المؤسَّسة على تقسيم إداري صرف وجامد يُغيِّب معطى التعدد الإثني واللغوي والتفاعلية المجتمعية. وتفعيلا لمبدأ «الجهوية الطبيعية» في المجال السمعي -البصري، وانسجاما مع المشروع الوطني الواعد حول الجهوية، يفترض الأمر وضع مخطَّط (تصميم) تهيئة تدريجي، آني ومستقبلي، في مجال تدبير الأطياف الذبذبات، وفق المعطيات الدولية والوطنية. وهنا، نستحضر أن الاتحاد الدولي للمواصلات، في إطار تدبير الأمن الدولي، عمد، عبر اتفاقيات دولية، إلى تقنين اشتغال وتوزيع الأطياف الذبذبات بناء على تقسيم جهوي (أوربا، إفريقيا، آسيا...) يوازن بين جدلية الحرية والحق في الاستفادة من الذبذبات الدولية وبين أهمية ونجاعة حماية المجال الدولي من تداخل الذبذبات المرخَّص لها وحدوث «فوضى» صعبة النتائج والاحتواء.. وقد فرض هذا الهاجس الاستباقي في التعاطي مع البث الدولي وضعَ استراتيجية وطنية لتدبير معطى «الأطياف» ضمن المجال الترابي الداخلي، وهذا ما يفسره تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، التي عُهِد إليها بتدبير ملف توزيع الذبذبات على المستوى الوطني والجهوي بين مختلف الشركاء المرتبطين، في تواصلهم، بالأطياف، بما فيها القنوات والمحطات الإذاعية ووزارة الداخلية وشركات الاتصال... مع التذكير بأن قرار منح تراخيص الذبذبات أو تغييرها في الفضاء السمعي -البصري هو من اختصاص الهيأة العليا للاتصال. وتمنح الوكالة كل مستعمل، بصفة عامة، وفق ما وزع له، الحق في الاستفادة من البنية التحتية للبث في مختلف الجهات. وبحكم أن أي حديث عن تفعيل حقيقي للجهوية في الفضاء السمعي -البصري الوطني يتم، بالضرورة، عبر تطوير وتقوية أجهزة الدفع على مستوى البث الأرضي والفضائي، فهذا يفترض حتما -ودون حلول وسطى- وضعَ تصميم أو تهيئة جهوية لشبكة البث في المغرب. وتقوم هذه التهيئة الواعدة على أسس الجهوية الطبيعية، إذ يفترض الأمر تخصيصَ ذبذبات على المستوى الجهوي أو المحلي (داخل المدينة) مزودة بأجهزة دفع كافية إذا تواصل الرهان على البث التناظري. ويأخذ هذا التصميم النظري، إذا توفرت الإرادة، خطة عمل على المستوى البعيد (20 سنة مثلا) تنطلق من الآن لتخصيص الأطياف الكفيلة بضمان تكريس الجهوية الفعلية والبحث عن صيغ الاستثمارات الممكنة في المجال ودعم التجهيز التقني للبث (تجديد أجهزة الدفع وتعميم البث الرقمي)، وتحصيل ذلك إمكانية الحديث عن مشروع فعلي للجهوية الإعلامية، منسجم مع الجهوية الطبيعية، التي تجسد شكلا حيويا من أشكال التعدد ونموذجا للمجتمع الإعلامي. كما أن تطوير مفهوم الجهوية الطبيعية للبث يمنح صورة واضحة وشفافة عن النِّسَب الحقيقية لمتابعة المغاربة لقنواتهم، على اعتبار أن ذلك سيضمن تحقيقَ شروط موحَّدة لتلقي المغاربة، على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم وثقافاتهم، الفعلَ التلفزيوني.