خول الميثاق الأممي مكانة بارزة ومتميزة لمجلس الأمن ضمن الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، وأعطاه اختصاصات وسلطات واسعة في سبيل تحقيق السلم والأمن الدوليين، ومنذ بروز قضية الصحراء؛ قام هذا الجهاز بمجموعة من المبادرات والإجراءات التي توخى من خلالها إيجاد حل سلمي لهذا النزاع. وهكذا انخرط منذ فترة تاريخية مبكرة في تدبير هذه القضية؛ ففي ظل تزايد مطالب المغرب باسترجاع أقاليمه الجنوبية في سنوات السبعينيات؛ أصدر هذا الجهاز قراره رقم 380 الذي أكد فيه على أهمية التفاوض بين الأطراف المعنية لتسوية النزاع طبقا للفصل 33 من ميثاق الأممالمتحدة. كما أنه أحدث في 29 أبريل من سنة 1991 بعثة الأممالمتحدة للسلام في الصحراء (المينورسو)؛ بموجب قراره رقم 690؛ وذلك للإشراف على وقف إطلاق النار في المنطقة وإعداد الأجواء للاستفتاء؛ وبلغ عدد أفراد هيئتها العاملة إلى حدود سنة 2005 حوالي 223 عسكريا و6 من الشرطة المدنية و128 مدنيا دوليا و97 مدنيا محليا؛ وقد أسهمت هذه القوات بشكل ملحوظ في الحد من مظاهر التوتر والمواجهة من جهة؛ كما أتاحت الشروط الموضوعية للبحث عن سبل ودية وسلمية كفيلة بإيجاد حل عادل ونهائي للقضية من جهة أخرى؛ خاصة وأن المجلس سار في اتجاه المصادقة المنتظمة على قرارات يتم بموجبها تمديد هذه المهمة لمدة تتراوح بين ثلاثة أو ستة أشهر. وأمام الوضعية المأزومة والحرجة التي وصل إليها الملف؛ نتيجة استحالة تطبيق خيار الاستفتاء؛ وازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين (المغرب والبوليساريو)؛ قام المغرب بطرح مبادرة الحكم الذاتي، كاقتراح يستلهم صورا من تجارب دولية عديدة، أعطى من خلالها إشارات إيجابية للطرف الآخر وللأمم المتحدة وللقوى الدولية بجدية جهوده لإيجاد تسوية ملائمة وواقعية للمسألة؛ مما أعاد الأمل من جديد بإمكانية التوصل إلى حل يرضي الطرفين، وخلف ردود فعل دولية إيجابية. وقد جاء قرار مجلس الأمن 1754 الذي اتخذ بتاريخ 30 أبريل 2007، ليعكس الاهتمام الدولي المتزايد بالمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي، والتي تعبر في مضمونها عن رغبة وإرادة حقيقيتين لطي هذا الملف، خاصة وأنها تقترح صيغة تحاول المواءمة بين مختلف المصالح (الانفصال والوحدة). فقد جاء في حيثيات هذا القرار أن المجلس «يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية». وهذا الترحيب ينضاف إلى الاستحسان الكبير الذي لقيته المبادرة من قبل مجموعة من دول العالم؛ بما فيها القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.. وهو استحسان يترجم الشعور بواقعية وموضوعية هذه المبادرة؛ خاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعيا واقتناعا بأهمية وضرورة حسم هذا المشكل الذي أضحى من بين أقدم النزاعات التي خلفتها مرحلة الحرب الباردة، وكلف شعوب المنطقة والمنتظم الدولي الكثير. ومن جهة أخرى؛ حث القرار الطرفين على الدخول في مفاوضات ثنائية «دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع أخذ التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة في الحسبان؛ من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية الحق في تقرير مصيره»، وهو بذلك يدشن لمقاربة دينامية للملف؛ تعتمد البحث عن حل سياسي تفاوضي يرضي الطرفين؛ بعيدا عن أي إكراه؛ ويقر بصعوبة تنفيذ الاستفتاء أو تقرير المصير بالشكل الذي تطرحه الجزائر وجبهة البوليساريو؛ كما أنه يعتبر بمثابة إشارة غير مباشرة إلى أن مقترح الحكم الذاتي يمكن أن يشكل امتدادا لتقرير المصير؛ إذا ما مورس في إطار ديمقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة. ويجد هذا الرأي أساسه في كون العديد من المبادئ التي أقرها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة.. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة؛ اللتين كانت عليهما في السابق؛ نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقود الثلاثة الأخيرة. فالقرار أكد على أهمية الخيار التفاوضي ضمن سياق الوسائل السلمية لتسوية المنازعات؛ وركز على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار، كما كلف الأمين العام الأممي برعاية هذه المفاوضات، وطلب من أعضاء الأممالمتحدة تقديم الدعم الملائم لهذه المحادثات، وهذا أمر إيجابي وفي صالح القضية. وفي أعقاب جولتين من المفاوضات أجراها الطرفان في «مانهاتن» بالولايات المتحدةالأمريكية؛ أصدر المجلس قراره 1783؛ بتاريخ 31 أكتوبر 2007 بالإجماع؛ رحب فيه بما أحرزه الطرفان من تقدم في المفاوضات تحت إشراف الأممالمتحدة، وأهاب «بالطرفين مواصلة إظهار الإرادة السياسية والعمل في بيئة مواتية للحوار من أجل مفاوضات موضوعية بما يكفل تنفيذ القرار 1745 ونجاح المفاوضات.. ومواصلة إجرائها تحت رعاية الأممالمتحدة..»؛ كما قرر تمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) حتى أبريل 2008. ويكتسي هذا القرار أهمية كبرى؛ على اعتبار أنه سار في اتجاه مضمون القرار السابق كما ذكرنا؛ من حيث تركيزه على ضرورة بلورة حل يحظى بقبول الطرفين. كما أن القرار 1813 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 5884 المعقودة في 30 أبريل 2008؛ وبعد ترحيبه «بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية»؛ صادق على التوصية الواردة في تقرير مبعوث الأممالمتحدة للصحراء «بيتر فان فاسلوم» بدعوة الطرفين إلى التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية، لما لذلك من أهمية جوهرية في الاحتفاظ بزخم عملية المفاوضات». ومما لاشك فيه أن المجلس في قراراته الأخيرة المرتبطة بقضية الصحراء؛ بدأ يستوعب مدى جدية وأهمية الاقتراح المغربي، فتأكيده على أهميته يجد أساسه في التجاوب الدولي الذي لقيته المبادرة على امتداد أرجاء مختلفة من العالم والاقتناع الدولي المتزايد بعدم واقعية تطبيق خيار الاستقلال بالصيغة التي تطرحها البوليساريو والجزائر، فالمبعوث الأممي إلى الصحراء الذي تابع تطورات الملف ووقف على خلفياته لأكثر من ثلاث سنوات؛ عبر عن عدم واقعية خيار الاستقلال؛ وهو الموقف الذي عبرت عنه أيضا مجموعة من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية. ومن هذا المنطلق؛ ينبغي على المغرب بذل المزيد من الجهود باتجاه الترويج لمبادرة الحكم الذاتي على نطاق دولي واسع؛ لأن تزايد رد الفعل الإيجابي نحوها واستيعاب نجاعتها؛ سيدفع حتما بالمجلس إلى إيصاء الأطراف باعتمادها وتبنيها باعتبارها لقيت قبولا ورضى من لدن المجتمع الدولي. ونشير ضمن هذا السياق إلى التقرير الصادر عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات سنة 2007، الذي اعتبر أن مجلس الأمن بتبنيه لقراره رقم 1754 الداعي إلى مفاوضات بين الأطراف المعنية؛ يبدو وكأنه نبذ نهائيا خيار تقرير المصير من خلال الاستفتاء، واعتمد مقترح الحكم الذاتي؛ المقدمين إلى الأممالمتحدة؛ واعتبر من جهة أخرى أن المجلس إذا أبدى في المستقبل ميلا إلى أي من الاقتراحين، فلن تكون النتيجة إلا «حلا» مفروضا. والأكيد أن إمكانية سير المجلس باتجاه فرض حل واقعي للقضية بموجب الفصل السابع من الميثاق؛ تجد أساسها في تلويح البوليساريو بوقف مسار المفاوضات والعودة إلى خيار العمل المسلح؛ وما يفرضه ذلك من مسؤوليات أمام الأممالمتحدة لاحتواء مظاهر التوتر وحسمها؛ وبخاصة أن استمرار النزاع سيغذي عددا من المخاطر المهددة للسلم والأمن الدوليين في المنطقة (تهريب الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية وانتشار بعض الحركات المتطرفة في المناطق الحدودية مع الجزائر وموريتانيا أمام ضعف التنسيق الأمني في هذه المناطق...)؛ وبالتالي فهذا الخيار تدعمه أيضا رغبة المغرب في طي هذا المشكل؛ ويشكل فرصة سانحة للأمم المتحدة من أجل حسم نزاع مزمن؛ مما سيعزز حتما مصداقيتها ويعيد ثقة الدول في قدراتها وفعاليتها.