أكتب هذا المقال بصفتي المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية. تم تعييني في البداية من طرف كوفي عنان في شهر غشت من سنة 2005، وقد انتهت مدة تعييني نصف السنوية الخامسة في شهر غشت الجاري. السبب الأول الذي جعلني أكتب اليوم هو أنني أود أن أغتنم هذا الفاصل القصير بين الفترة التي كان علي فيها ألا أعرب عن آرائي الشخصية لاعتباري المبعوث الشخصي للأمين العام والآن، وبعد وقت قصير، فإن آرائي الشخصية لن تهم أي شخص، لأنني لم أعد المبعوث الشخصي للأمين العام. وبالنظر إلى مرور 33 عاما، وهي مدة نزاع الصحراء الغربية، فإنني أحيانا أقع في إغراء التفكير بألا أكون قد وفقت في إيجاد حل له لأنه مشكلة مستعصية. وإذا كنت أرفض الإغراء فذلك يعود إلى كوني مازلت أعتقد بأنه مع الإرادة السياسية يمكن التوصل إلى حل له. تحليلي لم يتغير منذ تقديمي تقريرا شفويا إلى مجلس الأمن في يناير من سنة 2006. واعتقدت أن اثنين من العناصر الرئيسية التي تعرقل التوصل إلى حل تعود إلى القرار الذي اتخذه المغرب في أبريل 2004، هو عدم قبول أي استفتاء من الممكن أن يؤدي إلى الاستقلال، والاقتناع الثابت لمجلس الأمن، والذي يقول إن مشكلة الصحراء الغربية ينبغي أن تحل من خلال التوصل إلى حل توافقي. أنا شخصيا ركزت على العنصر الأخير لأنه، كما أشرت حينها، إذا كان المجلس قد أعد لفرض حل، فإن تحليلي كان قد يكون مختلفا جدا. وفي الواقع ، فإن الحاجة في التوصل إلى حل توافقي كان من المقرر أن تكون نقطة البداية والانطلاق في صياغة أي تحليل. هذا ما دفعني إلى الاستنتاج بأن هناك خيارين لا ثالث لهما: أن يتم تمديد المأزق الحالي أو أن تبدأ المفاوضات المباشرة بين الطرفين، مفاوضات دون أية شروط مسبقة. وأنا أعترف بأن التوقعات الأكثر واقعيه هو أنه في الوقت الذي يحتل فيه المغرب جزءا كبيرا من الأراضي ومجلس الأمن لم يكن بدوره مستعدا للضغط، فإن النتيجة لا يمكن أن تصل إلى مستوى صحراء غربية مستقلة. وقد كان ذلك الاستنتاج موضع انتقاد من طرف الذين يعتقدون أنه ليس من الأخلاقي الانتظار حتى يقبل البوليساريو بالواقع السياسي، وذلك ببساطة لأن المغرب ومجلس الأمن لم يحترما الشرعية الدولية التي أعرب عنها في القرار 1514 (حول تصفية الاستعمار وتقرير المصير)، والذي أقره مجلس الأمن الدولي في سنة 1960، والقرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية سنة 1975، حول «عدم وجود روابط الاستعمار بين المغرب والصحراء الغربية والتي يمكن أن تؤثر على تنفيذ هذا القرار». لم يكن ممكنا تجاهل هذه الانتقادات ببساطة من طرف وسيط أممي، ولكن كان لدي شعور بأنه من الضروري جعلها متوازنة مع احتمال منح الآمال الكاذبة لجبهة البوليساريو، تشجع على تجاهل ما لا جدال فيه وهو أنه منذ بداية النزاع في عام 1975، فإن مجلس الأمن كان دائما يوضح فقط أنه يمكن أن يتسامح مع الحل التوافقي. وللأسف، فإن ما حظي به مؤيدو البوليساريو بسخاء هو بالضبط هذا النوع من التشجيع. وأصروا على أنه آجلا أم عاجلا فإن المجلس سيعترف بأنه عليه احترام ذلك وهو السبب الذي جعلني لا أعتقد أن هذا ما سيحصل، لأن الشرعية الدولية ليست هي القانون الدولي. ومن الواضح أن على مجلس الأمن أن يلتزم بالقانون الدولي، ولكن يجب أيضا أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي. سواء من طرف الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وهي الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة. كما أنه ليس هناك تسلسل هرمي يحكمها، بل لكل منهما صلاحياته على النحو المبين في ميثاق الأممالمتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ففي المادة 24 من الميثاق فإن الدول الأعضاء تمنح مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ومن أجل العمل بذلك، فإن المجلس لا يملك خيارا آخر سوى أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي. وإذا ما قام بذلك، فإنه يعمل ضمن حدود سلطاته لتحديد ميثاق الأممالمتحدة ويمتثل لذلك، أي إلى القانون الدولي. المجلس لا يناقش عادة العوامل السياسية التي تأخذ في الاعتبار كل دولة من الدول الأعضاء، بحيث إن الوزن النسبي في صياغة أي قرار لا يعرف أبدا، بل لا يعرفه حتى أعضاء المجلس أنفسهم. العوامل السياسية المحتملة يمكن أن تشمل، على سبيل المثال، الخوف من حدوث أثر مزعزع للاستقرار. إن الأمن يتحدد في إصلاح ظلم دام 33 عاما ويمكن أن يسفر عن ظلم جديد، أو الإحجام عن المساهمة في إمكانية إنشاء دولة فاشلة أخرى. فعندما تواجه نزاعا شائكا، فإن المجلس يقرر لنفسه ما إذا كان الامتثال للفصل السادس (تسوية سلمية للنزاعات) أو الفصل السابع (إمكانية استخدام القوة في حال تهديد السلام أو الأعمال العدوانية)، وقراراته لا يمكن تجاوزها من قبل أية هيئة أخرى. وليس هناك شيء في القانون الدولي يجبر مجلس الأمن على استخدام جميع الصلاحيات التي تحت تصرفه لتنفيذ قرارات الجمعية العامة أو حكم لمحكمة العدل الدولية. إن انتقاد مجلس الأمن الدولي، وعدم احترام القانون الدولي كان دائما ضعيفا جدا في نتائجه. فمن بين الدول الأعضاء في المجلس، الذين يصرون على أن التوصل إلى حل توافقي لمشكلة الصحراء الغربية، لم أقابل أبدا أحدا يقول إن ذلك يعتبر انتهاكا للقانون الدولي. كل هذا لا يعني أن المجلس لا يحس بالقلق من وصول هذا النزاع إلى مرحلة التوقف والجمود، ومن تزايد الشعور بأن البوليساريو مصرة على الاستقلال التام للصحراء الغربية وهي نتيجة غير مقصودة لتفاقم الحصار والانغلاق واستمرار الوضع الراهن. هناك مخرج للنزاع، إلا أنه شاق جدا، وينطوي على الحفاظ على مفاوضات حقيقية وصعبة. وإذا كانت البوليساريو تفكر في حل عن طريق التفاوض غير الاستقلال التام، وعلى الفور مع أغلب الدعم الدولي لإصراره على منطق ترجمة الضمانات القوية، بدعم دولي، فإن المستقبل ليس هو الإلغاء أو التسوية الدستورية المتفق عليها، بل أن يكون تدريجيا يحفظ الحقوق المدنية مثل حرية التعبير. وإذا كانت البوليساريو على استعداد في المستقبل لدراسة هذا الاحتمال، فإني آمل ألا يقتصر ذلك على إدخال تعديلات على الاقتراح المغربي، بل عليها أن تقدم اقتراحا شاملا للحكم الذاتي. ولا أتوقع أن البوليساريو من شأنها أن تقدم على هذه الخطوة في المستقبل المنظور. فلن يتغير أي شيء في الملف: البوليساريو ستواصل مطلبها حول إجراء استفتاء لرفع خيار الاستقلال، والمغرب سيواصل رفضه، ومجلس الأمن سوف يصر على التوصل إلى حل توافقي. وفي غضون ذلك، يواصل المجتمع الدولي تعوده على الوضع الراهن. * دبلوماسي هولندي وكان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية. ترجمة: جمال وهبي عن إلباييس