طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎أطلقت «الجمهور» في فترة قياسية واخترت لها شعار «متعة القراءة»
‎ملابسات طبع صحيفة «النشرة» الناطقة باسم «الشبيبة الاتحادية» في مطابع «الشرق الأوسط» في الرباط
نشر في المساء يوم 23 - 09 - 2010


الحلقة 38 :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]
‎ الآن ننتقل إلى الحديث عن صحيفة «الجمهور»، التي أسستها رفقة عبد الكريم بنعتيق، الرئيس الحالي للحزب العمالي. هل تأسيس هذه الصحيفة كان موجها ضد الصحيفة التي غادرتها، أي «الصباح»؟- أرجو ألا يحدث هذا الخلط في أذهان البعض لسببين، إذ كنت وما زلت أعتقد أن تأسيس صحيفة لمنافسة صحيفة قائمة فكرة بئيسة، والمفترض أن يكون هدف أي صحيفة جديدة توسيع قاعدة القراء وألا تراهن على سحب قراء من الصحف الأخرى. السبب الثاني، أن فكرة إطلاق صحيفة «الجمهور» هي فكرة عبد الكريم بنعتيق وليست فكرتي. صحيح أنني اخترت الاسم والطاقم وأنجزت التبويب والماكيط وأشرفت على شراء التجهيزات والمعدات وكل شيء، لكن يجب أن تنسب الأمور إلى أهلها، وإذا كانت ستحدث بيننا قطيعة فيما بعد، فإن ذلك لا يبرر مطلقا لي عنق الحقيقة. وكيف تعرفت على عبد الكريم بنعتيق؟- أرجح أن ذلك كان في بداية التسعينيات، حيث كان يعمل وقتها إطارا في «البنك المغربي للتجارة والصناعة» في شارع محمد الخامس بالرباط. تعرفت عليه عن طريق الأخ محمد فرتات المحامي، وهما معا ينتميان للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كان بنعتيق آنذاك عضوا في المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية. كان من بين مهام بنعتيق في البنك في ذلك الوقت استقطاب زبناء جدد، وبناء عليه اقترح علي نقل حسابات الشركة الناشرة ل«الشرق الأوسط» إلى البنك الذي يعمل معه، وفعلا اقتنعت الشركة بأنها ستجد خدمات أفضل، ونقلت حساباتها إلى هذا البنك. وخلال تلك الفترة، تم تمويل شراء بقعة أرض شاسعة قرب المحطة الطرقية في الرباط، وكان الهدف هو تشييد مطابع عصرية على تللك البقعة. معنى هذا أن علاقتك مع بنعتيق بدأت على أساس علاقة بنكية؟- حتى أكون دقيقا، لنقل إنها بدأت هكذا، لكن بعد ذلك راحت تتوطد. ولم تعد علاقة عادية، بل تحولت إلى صداقة حقيقية. كان بنعتيق يشغل مهمة الكاتب العام ل«النقابة الوطنية للأبناك»، وكنت ألتقيه كثيرا رفقة الصديق عبد الحق الريكي، والكثير من الأمور المتعلقة بتلك النقابة كانت تنجز في مكتبي الشخصي بأكدال. وما هو الانطباع الذي تكون لديك وقتها وأنت تتعرف على شاب اسمه بنعتيق؟ - لا أخفي أني وجدت فيه شابا طموحا بمؤهلات سياسية ملفتة، كان ديناميا وله طاقة عمل كبيرة، كما أن له قدرة على الخطابة وملكة على الإقناع. أقول بصدق إن الزمن كان جميلا في تلك الفترة وتقاسمنا معا حلاوة الزمان. وبعد أن توطدت العلاقة وتحولت إلى صداقة، اقترح علي طباعة «النشرة»، صحيفة الشبيبة الاتحادية، في «الشركة المغربية للطباعة والنشر»، التي كانت تمتلكها «الشرق الأوسط». لكن لماذا لم يتم طبع «النشرة» في دار النشر المغربية التي يملكها الحزب؟- بصراحة لا أعرف الملابسات. ربما أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية في ذلك الوقت هم الأجدر لتوضيح هذه القضية. ما سمعته من بنعتيق أن لديهم مشاكل في طباعة الصحيفة. طبعا رحبت بالفكرة، ووعدته بأن تعطى لهم أفضلية، إذ كنت آنذاك أجمع بين ثلاثة مناصب، مسؤول تحرير «الشرق الأوسط» ومدير مكتب الصحيفة والمسير الفعلي للشركة المغربية للطباعة والنشر. وبالفعل، بدأت النشرة تطبع في «الشركة المغربية للطباعة والنشر» في عام 1995. وكيف كانت تتم هذه العملية؟- أتذكر أنه كان يأتي إلى المطبعة مجموعة من الشباب لإعداد وتصحيح وتركيب المواد الخاصة ب«النشرة». وأذكر من هؤلاء الشباب محمد الساسي، الذي كان وقتها رئيس الشبيبة الاتحادية ومحمد حفيظ وعزيز أزغاي وأحمد البوز والحنوشي وأحمد وايحمان. وسأتعرف في تلك الفترة أيضا على جمال أغماني، الوزير الحالي للشغل, وعبد العالي مستور. كانوا جميعا من قياديي الشبيبة الاتحادية، وكان معهم في المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية حسن نجمي، لكنني كنت تعرفت عليه قبل ذلك باعتباره صحافيا وشاعرا. كانوا يأتون إلى مقر «الشركة المغربية للطباعة والنشر» في الطابق الثالث في عمارة 43 شارع أبوفارس المريني بالرباط لمراجعة مواد الصحيفة وتركيبها وأحياناً حتى تحرير مواد. هل كنت تطلع على مواد «النشرة» قبل طبعها؟- أبدا، لم أكن أطلع على الصحيفة إلا حينما تنشر وتنزل إلى الأكشاك، وهؤلاء الذين ذكرتهم قبل قليل يشهدون على ذلك. كنت حريصا ألا يقال إننا ربما نستفيد من بعض الأخبار والمواد التي تنشر في «النشرة»، خاصة أنها كانت أسبوعية ولا تنقصها الحيوية والجرأة، لكن من المؤكد أنني ساعدتهم في إعادة النظر في الماكيط وراقتهم التغييرات التي أدخلت عليها. كانت ظروفهم المالية متعسرة، وبالتالي كان أداء الفواتير متعثرا، لكن توجيهاتي للإدارة المالية في الشركة، هي أن تتساهل معهم الى أقصى الحدود، حتى يستطيعوا تحقيق توازنهم المالي. وبصراحة، من بين الديون، التي طلب مني تسديدها للإفراج عن مستحقاتي عندما استغنت عني «الشرق الأوسط» في أبريل 1996، مبلغ في مديونية «النشرة»، لكنهم سددوه في وقت لاحق. راج أنك طلبت طبع «النشرة» في مطبعة «الشرق الأوسط» لأن بعض «الجهات» طلبت منك ذلك حتى تكون على علم بمضامينها قبل نزولها إلى الأكشاك؟- هذا هراء. أتذكر أن أحد الأعضاء القياديين في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نبه أولئك الشباب التزام الحذر في التعامل معي، على أساس أن لدي «ارتباطات مشبوهة» مع بعض الجهات، ويبدو أن المقصود هنا وزارة الداخلية، حيث كان سهلا في ذلك الوقت، في إطار ما يعرف ب«اغتيال الشخصية»، أن يقال إن لك ارتباطات مع وزارة الداخلية، علما أن أي صحافي يفترض أن تكون له علاقات قوية بمصادر الأخبار. وماذا يضير إذا كانت هذه المصادر في وزارة الداخلية؟ أتحدث هنا بالطبع عن علاقة مهنية. وعلى أي حال لا أود أن أعود إلى هذا الموضوع الذي أشبعناه تفصيلا في حلقات سابقة. من هو القيادي في الاتحاد الاشتراكي الذي طلب من الشبيبة الاتحادية أن يتعاملوا معك بحذر؟ - التعميم له مزالقه، لذلك لابد من الاحتراس. لا أستطيع أن أشير إلى اسم القيادي الذي حذر «الشبيبة الاتحادية» مني، لكن أحد القياديين في الشبيبة نقل لي هذا الكلام. وأذكر أني سألته: «هل لاحظتم أنني أطلع على مواد الصحيفة قبل نشرها»؟، وكان جوابه «هذا ما شرحناه لقيادة الحزب، بأننا نعمل في أجواء صحية». هل كان عضوا في المكتب السياسي؟- نعم، لكن بالتأكيد ليس هو عبد الرحمن اليوسفي، الذي ارتبطت معه، ومنذ سنوات، بمودة واحترام حتى يوم الناس هذا، سواء عندما كان يتولى قيادة الاتحاد الاشتراكي أو بعد أن أصبح وزيرا أول. بحكم أن الشبيبة الاتحادية كانت لها علاقة قوية مع نوبير الأموي، هل يمكن التخمين أن الذي حذر من التعامل معك هو الأموي؟- ليس الأموي، هو أيضا عرفني عن قرب، والذي عرفني به هو بنعتيق كما أشرت إلى ذلك من قبل. لكن لماذا هذا التحفظ في الإشارة إلى هذا الاسم؟- دعني أقول لك شيئا.أنا أتحفظ على ذكر الأسماء في مثل هذه الوقائع لسببين اثنين، أولهما أنه من المحتمل ألا يكون هذا الكلام قد قيل أصلا، لكنه يدخل في ما يعرف في السياسة بعمليات «جس النبض»، ويريدون أن يعرفوا ماذا سيكون رد فعلي إذا ما سمعت هذه الترهات. والسبب الثاني، بما أن الكلام قيل لي في إطار مبدأ «المجالس بالأمانات» لا يمكنني الحديث عن أسماء، إذ أقصى ما يمكن أن يقال هو ذكر الواقعة. هل المقصود ب«الجهات» هنا إدريس البصري؟ - أظن أن موضوع إدريس البصري تحدثنا عنه بما فيه الكفاية، لكن الرسالة كما فهمت كانت تعني وزارة الداخلية بصفة عامة. مجدداً دعني أقول لك شيئا بشأن واقعة «النشرة» التي تعود إلى منتصف التسعينيات، ذلك أن كثيرا من الكلام يلقى على عواهنه دون تمحيص، إما لأن بعض الناس يريدون الإيحاء بأنهم يتوفرون على معلومات حتى يقال إن لهم أهمية، وفي تقديري أن الذي يملك معلومات بالفعل لا يتباهى بها في المجالس، أو أن البعض يقول كلاما فقط في إطار قاعدة «الاستلطاف أو عدم الاستلطاف». حين سمعت ذلك التحذير، ابتسمت، واكتفيت بالقول لهم «على أي حال أنتم أدرى، أنتم تأتون بموادكم ويتم رقنها وتركيبها وتسحب، وتقوم بذلك مجموعة من الكاتبات في الشركة وليس أنا». ولم يحدث إطلاقا أن طلبت الاطلاع على هذه المواد أو الصفحات بعد تركيبها، لكن في كل الأحوال هذه ليست صحيفة سرية. إذن ما هي هذه المعلومات الخطيرة التي يمكن أخذها من صحيفة أسبوعية توجد في الأكشاك. لكن الآن وبعد سنوات طويلة سأقول لك الحقيقة. بصراحة، كنت سعيدا بأن تطبع «النشرة» ثم الملحق الثقافي لجريدة «العلم» في «الشركة المغربية للطباعة والنشر» واعتبرت ذلك مكسبا، في إطار المساعي التي كنت أبذلها لامتصاص حالة الغضب ضد «الشرق الأوسط» في المغرب بسبب حرب الخليج الثانية، حيث كدنا نتحول إلى صحيفة منبوذة، لكن الأمور عادت إلى سابق عهدها، واستعادت الصحيفة ثقة القراء المغاربة. ولا ننسى وقتها أن الشبيبة الاتحادية كانت هي التيار الأكثر راديكالية في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وربما كان هذا التيار الأكثر تشددا في موضوع حرب الخليج. كنت قد تحدثت مع إدارة «الشرق الأوسط» حول هذا الجانب، إذ قلت لهم: «ولو أن هناك تعثرا في أداء الفواتير يجب أن ننظر إلى الربح المعنوي»، ثم إن «الشرق الأوسط» لم تكن تقدم لهم مساعدة، ولا هم طلبوا ذلك، كانوا يطبعون الصحيفة من مواردهم المالية الشحيحة، وكانت العلاقة «تحت الشمس»، كما يقال. المهم أني اكتسبت ثقة أولئك الشباب من الاتحاديين، وهي ثقة مستمرة حتى اليوم، على الرغم من أن دروب السياسة ومنعرجاتها فرقت بينهم. لنعد إلى قصة «الجمهور»..- عقب خروجي من «الصباح»، التقيت بالمستشار الملكي أندري أزولاي، وكان ذلك في يناير عام 2001، وشرحت له ملابسات الاستغناء عني من طرف مسؤولي هذه الصحيفة، كما ذهبت إلى عبد الهادي بوطالب، رحمه الله، في الدار البيضاء، وأوضحت له أيضا ما حدث، على الرغم من أن بوطالب كان وقتها خارج المواقع الرسمية. من حسن الحظ أن هناك مسؤولين كبارا يأخذون الروايات من أصحابها. سمعت تلميحا من أزولاي باستعداده أن يتحدث مع عثمان بنجلون، الذي كان يملك وقتها مجموعة «ماروك سوار»، لكي أعمل مع المجموعة. لم أقل شيئا ولم أبد حماسا ولم أرفض. تركت الموضوع معلقا، وبقيت الأمور عند هذه النقطة. وهل انتهى نقاشك مع أزولاي عند هذا الحد؟- نعم انتهى عند ذلك الحد. لكن عندما طرح علي عبد الكريم بنعتيق فكرة إصدار يومية مستقلة وأن أكون مساهما فيها، ذهبنا إلى أزولاي لبحث إمكانية أن يتدخل حتى تطبع الصحيفة في مطابع «ماروك سوار» بسعر معقول، إذا كان ذلك متاحا. وفعلا استقبلنا أزولاي في منزله بالهرهورة، في ضواحي الرباط، في إشارة إلى أن اللقاء يكتسي طابعا وديا وليس له أي بعد آخر. وفهمت من ذلك اللقاء أنه غير متحمس لمسألة التدخل لدى بن جلون، وهو أمر مفهوم، وهو رجل دولة ولا بد أن يحسب خطواته بدقة. إذ ربما لو تدخل لقال الناس إن له علاقة بالمشروع، والحقيقة أنه لم تكن لديه أي علاقة من قريب ولا من بعيد بالفكرة. وأتذكر أنه قال لنا بلباقته المعهودة «إذا تدخلت في الموضوع ربما يكون رد مجموعة «ماروك سوار» ولماذا لا يلتحق بنا طلحة جبريل»؟. وفي نهاية الأمر طبعت الصحيفة في مطابع «إمبريال» التي يملكها حزب «الحركة الشعبية». وكيف انطلق مشروع «الجمهور» إذن؟- انضم للمشروع الأخ عبد اللطيف وهبي، الذي سيتولى منصب المدير المسؤول، في حين تولى بنعتيق منصب مدير النشر، وتوليت أنا رئاسة التحرير. واستقطب الأخ وهبي للمشروع الأخ ناصر السنتيسي، وهو رجل أعمال تربطه علاقة مصاهرة بالسياسي الراحل عبد الله إبراهيم. كان بنعتيق قد وعد باستقطاب موارد مالية للصحيفة، كما أشار إلى أن له اتفاقا خاصا مع «مركز الدراسات الديبلوماسية والاستراتيجية في باريس»، وربما تستفيد الصحيفة من هذا الاتفاق على شكل دراسات تنشر في الصحيفة أو إشهار وما شابه ذلك، وهذا الأمر لم يكن سرا, إذ عندما صدرت الصحيفة كانت هناك إشارة إلى هذا الاتفاق في الجنريك. لكن هذا يعني أن «الجمهور» كانت ستوظف أموالا أجنبية في رأسمالها؟- من هو أجدر بالإجابة عن هذا السؤال هو بنعتيق. المهم بالنسبة إلي أن الصحيفة انطلقت بمبلغ مليون درهم، حيث وضع السنتيسي شيكا على الطاولة منذ البداية بهذا المبلغ. ثم كان هناك مبلغ مليون درهم آخر أخذ بضمانته من البنك. وقرر الشركاء، أي السنتيسي وبنعتيق
ووهبي، أن أصبح شريكا بنسبة 10 بالمائة, وحددوا لي راتبا في مبلغ 40 ألف درهم شهريا، هكذا انطلق المشروع. وما هو السقف المالي الذي دفعته أنت في رأسمال الصحيفة مقابل نسبة 10 في الأسهم؟- لم أدفع ولا سنتيما واحدا. وكم دفع بنعتيق؟- ما أعرفه أن الذي دفع أموالا عند انطلاقة المشروع هو ناصر السنتيسي، وبعد أن صدرت الصحيفة لم تكن لدي أدنى فكرة عن ماليتها. المهم استأجرنا مكاتب للصحيفة في حي حسان بالرباط، وشرعنا في تجهيزه بأحدث الأجهزة والمعدات، ثم وضعت تصميما للماكيط والتبويب، على أساس أن تصدر الصحيفة في 12 صفحة. وما هو المنصب الذي أسند إلى السنتيسي في الصحيفة؟- عندما تأسست شركة «جمهور ميديا»، كنت شخصيا قد ابتعدت عن الأمور الإدارية أيضا، لكن أعتقد أن السنتيسي كان يملك أغلبية الأسهم في الشركة، ربما حوالي 50 بالمائة، لست متيقنا. وكان يفترض أن تصدر الصحيفة على أساس أن يكون المدير المسؤول هو عبد اللطيف وهبي، لكن بنعتيق غير فيما بعد رأيه وقال إنه يريد أن يصبح هو مدير النشر وعبد اللطيف وهبي المدير المسؤول. وكان لكل واحد منهما الحق في التوقيع على المعاملات البنكية، المهم أنني ابتعدت تماما عن هذا الجانب. لكن لماذا غير بنعتيق رأيه؟- بصراحة لا أعرف، كان وقتها كاتب دولة في التجارة الخارجية، وربما كانت له حساباته الخاصة في هذا الجانب. وكيف بدأ العمل لإطلاق الصحيفة؟- كانت البداية هي إعداد التبويب والماكيط، واستعنت، كما حدث مع «الصباح»، بمخرج صحافي في لندن، وفي فترة قياسية أنجزنا المطلوب، إذ استغرقت عملية إطلاق الصحيفة أقل من شهر، حيث بدأنا في يناير وصدر أول عدد في فاتح فبراير 2002. واخترت شعارا للصحيفة يقول «الجمهور متعة القراءة». بكل موضوعية كان ماكيط «الجمهور» أنيقا جدا، ومن وجهة نظري كان أفضل ماكيط ليومية تصدر في المغرب، لأنني استفدت وقتها من تجاربي السابقة. استعملنا أحدث التجهيزات في الجانب التقني. حرصت تحريرياً أن يكون لدينا خط تحريري مستقل تماما، لكني لم أنجح في ذلك كثيرا.كما أني ولأول مرة ابتعدت تماما عن «مدرسة كولومبيا» في الصحافة المكتوبة، التي لا تزال، للأسف، سائدة في الصحافة المغربية. بالنسبة إلى تركيبة الطاقم، بدأنا العمل بعدد صغير من المحررين لم يتجاوز 12 محررا. لكن قبل الدخول في موضوع الطاقم، لماذا لم تنجح في الحفاظ على استقلالية الخط التحريري للصحيفة؟- اعتقد عبد الكريم بنعتيق أن من حقه التدخل في العمل اليومي باعتباره مديرا للنشر، ومن هنا ستتصادم رؤانا في هذا الجانب. كان يعتقد مثلا أن الصحيفة لابد أن تبرز أي نشاط يقوم به كوزير، ولم أكن بالطبع موافقا على هذه الرؤية لأنها تمس مبدأ «الاستقلالية», في حين ابتعد كل من السنتيسي ووهبي عن التدخل في الأمور التحريرية، إذ اكتفى وهبي بكتابة عموده وكان يصدر بعنوان «دفاتر»، على الرغم من أن الصحيفة سترتكب خطأ فادحا في حق الأخ وهبي، وكنت أنا مسؤولا عن ذلك الخطأ. أقول ذلك للتاريخ وبكل موضوعية. ما هو هذا الخطأ؟- دعني أتحدث أولا عن الطاقم، ثم سأشرح لك الخطأ الذي ارتكب. أكرر من جديد، كنت دائما أحبذ ألا تستعين أي صحيفة جديدة بمحررين من صحف أخرى، لذلك اتبعت الأسلوب نفسه في «الجمهور»، بيد أنه كانت هناك ثلاث حالات استثنائية تتعلق بكل من عمر جاري وعبد الله الدامون وأحمد جلالي. كان هؤلاء الثلاثة جميعا يعملون، وقتها، مع «الصباح»، لكن، كما سبق أن أشرت إلى ذلك من قبل، كان قد عقد اجتماع بين كل من عبد المنعم دلمي وخالد بليزيد مع المحررين في نوفمبر 2001 في فندق «رويال منصور» بالدارالبيضاء بعد إقالتي. في ذلك الاجتماع حدث شيء أشبه ما يكون بالمواجهة بين المحررين ودلمي، حيث احتج بعض المحررين على قرار إقالتي من رئاسة التحرير، كما عبروا عن رفضهم تولي عبد الله دجاج وعبد الرشيد الزبيري قيادة التحرير. الأول عين في منصب «رئيس تحرير» والثاني في منصب «سكرتير تحرير». وقالوا إنهم لن يوقعوا موادهم احتجاجا. لا أعرف كيف عالج مسؤولو «الصباح» تلك المسألة، لكن ما حدث أن كل من جاري والدامون وجلالي لم تكن لهم رغبة في الاستمرار مع «الصباح» بعد الذي حدث، وكان من الطبيعي أن يكونوا ضمن طاقم «الجمهور»، أي أني لم أسحبهم من هناك، بل كانت تلك رغبتهم في عدم الاستمرار مع «الصباح». وهم محررون أكفاء، لذلك عينت كل واحد منه رئيسا لقسم.جلالي سبق أن تحدثت عنه، وبالنسبة لكل من عمر جاري والدامون، تعرفت عليهما عن قرب عندما عملا معي في «الحركة». عمر جاري محرر جيد، وله دراية بالوضع على الساحة السياسية المغربية، ولغته الصحافية ممتازة، أعتقد أنه يصلح كثيرا للتغطيات الميدانية، على الرغم من أنه بعد ذلك، وفي تجارب مختلفة، سيختار «المطبخ»، وهذا في ظني لا يتناسب مع تكوينه المهني. وبقيت علاقتنا يطبعها الاحترام والمودة. بالنسبة إلى الدامون، أعتقد أنه «فنان» مع كل الحمولة التي تحملها دلالات هذه الكلمة. وكيف تعرفت على الدامون أول مرة؟- أتذكر أني تلقيت منه في يوم من الأيام، وكان وقتها في طنجة، قصة خبرية حول صبي مغربي هاجر سرا إلى البرتغال، وشغلت القصة وقتها جميع البرتغاليين. كتب الدامون تلك القصة بأسلوب رشيق وممتع. ومن حسن الحظ كتب رقم هاتفه، اتصلت به وقلت له من هذه اللحظة «أنت مراسل الصحيفة في طنجة والشمال». أنا دائما، أميل إلى السرعة في اتخاذ القرارات. في بعض الأحيان تكون هذه ميزة، وفي بعض الأحيان تصبح كارثة. وفعلا شرع الدامون في مراسلة «الحركة» من طنجة، وعندما انتقلت إلى «المنعطف» حاول أن يكتب هناك، لكنه بصراحة لم يكن متحمسا، وعندما أسند إلي مشروع إطلاق «الصباح»، اتصلت به وقلت له: «عليك أن تترك طنجة وتأتي إلى الدار البيضاء», على الرغم من أنه يحب طنجة جدا، لأنه «كائن طنجاوي». لذلك سألني «لا أعرف هل أستطيع؟» وكان جوابي «نعم تستطيع وعليك ألا تتهيب التجربة». أعتقد أنه سكن تلك الفترة في المحمدية. والدامون قارئ ممتاز جدا، وأعتقد جازما أن أي قارئ ممتاز يمكن أن يصبح صحافيا 
ممتازا.الدامون يقرأ باللغتين العربية والإسبانية، عربيته ممتازة جدا، تستطيع أن تقول إنه فعلا صحافي مثقف، وهو متعدد الاهتمامات. يفهم في السينما والتشكيل والرياضة والسياسة، وعندما عمل معي في «إيلاف» كان له أداء مبهر عندما غطى نهائيات كأس إفريقيا في تونس، وهي النهائيات التي كاد فيها الثنائي الزاكي بادو وعبد الغني الناصري أن يحصلا على كأس إفريقيا. وهو كاتب ساخر جدا. في سخريته نوع من التأمل كأنه كاتب سيناريو. أيضا هادئ جدا، ولا يتحدث كثيرا، لكنه يبتسم، لديه ابتسامة عميقة جدا تعبر الى حد ما عن نوع من السخرية، مزاجي الطبع، إذا استطعت أن تفهم مزاجيته يمكن أن تأخذ أفضل ما عنده. كان عندما يخرج من قاعة التحرير ليدخن، يفرش أمامه صحيفة بالعربية أو بالإسبانية ويشرع في قراءتها بعمق شديد.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.