يمكن القول إن العلماء المعاصرين انقسموا إلى جمهور يحكم بإسلام أهل القبلة، فكل موحد مسلم، والإمامية طائفة مسلمة، لها ما لسائر المسلمين، وعليها ما عليهم.. وإلى أقلية من العلماء تُكفر الشيعة القائلين بتحريف القرآن، وتفسيق أكثر الصحابة، وردّ دواوين الحديث النبوي الوارد من طريق أهل السنة، والقول بعقائد البداء والتقية وعصمة الأئمة وولايتهم التكوينية.. فتاوى الشيخ ابن جبرين الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين من علماء السعودية، وعضو سابق بهيئة كبار علمائها، ومجلسها في الإفتاء. وهو ممن يرى كفر الإمامية، وفتاواه مشهورة، خاصة الفتوى الأخيرة في ذبيحة الإمامي، وهي التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة حين صدورها. جاء فيها: «لا يحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبيحته، فإن الرافضة غالبا مشركون، حيث يدعون عليا بن أبي طالب دائما في الشدة والرخاء، حتى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مرارا. وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها. كما هم يغلون في وصف علي (ض)، ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله، كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون، حيث جعلوه ربا وخالقا ومتصرفا في الكون ويعلم الغيب ويملك الضر والنفع ونحو ذلك. كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم ويزعمون أن الصحابة حرفوه وحذفوا منه أشياء كثيرة تتعلق بأهل البيت وأعدائهم، فلا يقتدون به ولا يرونه دليلا. كما أنهم أيضا يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلاثة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين ومشاهير الصحابة، كأنس وجابر وأبي هريرة ونحوهم، فلا يقبلون أحاديثهم لأنهم كفار في زعمهم. ولا يعملون بأحاديث الصحيحين إلا ما كان عن أهل البيت، ويتعلقون بأحاديث مكذوبة أو لا دليل فيها على ما يقولونه. ولكنهم مع ذلك ينافقون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لكم، ويقولون من لا تقية له فلا دين له، فلا تقبل دعواهم في الأخوة ومحبة الشرع.. فالنفاق عقيدة عندهم، كفى الله شرهم». فتوى مشرقية وكأن الشيخ القرضاوي يرد على هذه الفتاوى وأمثالها حين كتب ما يلي: «أ- الشيعة جميعا يؤمنون بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المحفوظ المعجز الملزم للأمة. ولهذا يحفظون هذا القرآن، ويتعبدون بتلاوته، ويحتجون به في مسائل العقيدة وفروع الأحكام. وهذا مجمع عليه عندهم. ولم نجد لهم مصحفا يخالف مصحفنا، والمصحف الذي يطبع في إيران هو نفس المصحف الذي يطبع في مصر والسعودية. وأما دعوى أن هناك أجزاء ناقصة من القرآن، فليسوا متفقين عليها، بل ينكرها محققوهم.. ب- وأما السنة فهم يؤمنون بها مصدرا ثانيا للأحكام، ولكنهم لا يأخذونها إلا من طريق رواتهم خاصة. وهذه لا تقتضي تكفيرا مخرجا من الملة، قد تقتضي الحكم بالبدعة، لا بالكفر. ج- وأما سب الصحابة -وإن كان أمرا جللا- فلهم فيه شبهة وتأويل، يبعدهم عن الكفر الكامل، وقد يدخلون في فسق التأويل. د- وأما دعوى عصمة الأئمة، فنحن نخطئهم في ذلك، ولا نرى في هذا كفرا بواحا، فإن ما جاء عن أئمتهم من أقوال: إما أنها عندنا أحاديث نبوية، وإما أنها آراء اجتهادية، ككثير مما روي عن فقهاء المدينة السبعة، وأمثالهم من فقهاء الحجاز والعراق واليمن والشام ومصر.. ه- وأما مسألة التوحيد والشرك، وما وقع فيه الشيعة من شرك العوام، فهو أشبه بما وقع فيه غالب أصحاب الطرق الصوفية عند أهل السنة. فما عند الشيعة من دعاء واستغاثة بأئمتهم: موجود عند أهل السنة بالنسبة إلى الأولياء المقربين عندهم، وبعضهم من آل البيت مثل الحسين والسيدة زينب وغيرهما، وبعضهم من غيرهم. ومن رأى ما يفعله عوام أهل السنة عند قبور الأولياء المشاهير.. علم بأن الداء مشترك بين الجميع، مع اختلاف في الدرجة في بعض الأحيان. وإن كانت هناك ميزة للسنة على الشيعة في هذا الجانب، فهي أن كثيرا من أهل العلم ينكرون هذه البدع ويشنعون عليها، ويدعون الناس إلى التوحيد الخالص. ولا نجد مثل هذا واضحا عند الشيعة». وفي الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية: «مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه»، ولم يذكروا كفرا. فتوى مغربية أما في الغرب الإسلامي، ففي ما كتبه الشيخ محمد الحاج ناصر -عالم مالكي معاصر- بيان شاف في الموضوع، حيث قال في الجواب عن سؤال وُجه إليه حول مسألة إسلام الفرق الإسلامية، ومنها فرق الشيعة: «الروافض على فرق، وليس منها ما يجوز شرعا الحكم بالردة وتطبيق أحكام الإسلام في المشركين عليها إلا فرقتان: أشنعهما التي تقول بحلول الألوهية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ض)، ثم تلك التي تقول إن النبوة إنما أنزلت على علي، ولشدة الشبه بينه وبين رسول الله (ص) أخطأ جبريل عليه السلام فبلغها إلى رسول الله (ض) وهو يحسب أنه علي. ولا نظن أنه بقي من هاتين الفرقتين غير النصيرية والدروز من فرق الإسماعيلية والباطنية. أما غير هاتين الفرقتين من الروافض فلا يقولون بهاتين المقولتين اللتين يكفر القائل بهما بالإجماع. وما عدا هاتين الفرقتين الضالتين من الروافض، لا يجوز الحكم عليها بالكفر، بمعنى الشرك، بإجماع الأمة الإسلامية. ومهما يكن رأي بعضها في الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر، أو في عثمان أيضا، الخليفة الراشد الثالث، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومهما يبلغ قول هذه الفرق من النكارة لدى أهل السنة وجمهور الأمة الإسلامية، فإنه لا يبلغ بقائليه دركة الخروج من الإسلام، والذين حكموا بأحكام -بعضها مسرف في أصحاب هذه المقولات- لم يقولوا بإخراجهم من الأمة الإسلامية، إذ ليس لأحد أن يدّعي الشرك في من يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.. لذلك فوصم فرق الروافض غير الفرقتين المذكورتين آنفا بالنفاق، فضلا عن الشرك ومعاملة أتباعها بغير معاملة سائر المسلمين، مخالف للشريعة الإسلامية نصا وروحا، فضلا عما قد يفرزه من إيقاد نار الفتنة بين المسلمين في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التقريب بين آرائنا والتوفيق بين مناهجنا ومقاصدنا.. حاجة يجب أن تحكم جميع أقوالنا وأفعالنا في المجالات العامة وأن ترتفع بها عن أي اعتبار آخر». وقد أصدر كثير من علمائنا المعاصرين فتوى الحكم بإسلام الإمامية، أذكر منهم الشيوخ: جاد الحق علي جاد الحق ومحمد سيد طنطاوي، شيخي الأزهر، وعلي جمعة، مفتي مصر، وأحمد كفتارو، مفتي سوريا سابقا، ومحمد الحبيب الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، وسعيد الحجاوي، مفتي الأردن، وعبد الله بن بيه، باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمجلس الأعلى للشؤون الدينية التركي.. وغيرهم كثير. النتيجة المطلوب اليوم هو إنجاز دراسات أوسع في الموضوع، والتأكيد على أن الطائفة الإمامية مسلمة معصومة الدم والمال، ولها حقوقها التي لأهل السنة، ومحاصرة الرأي المكفر لها. هذا واجبنا نحن أهل السنة. يتبع...