عبّو، الذي هو أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. اللقاء الحزبي سيعقد في السادسة، وأعرف جيدا أن السادسة في لغة الأحزاب عادة ما تصبح السابعة، أي أن الأحزاب أو كل المواعيد المغربية بشكل عام تزيد ساعة من عندها من دون الحاجة إلى الزيادة رسميا ساعة في توقيت المغاربة. الساعة تشير الآن إلى الخامسة والربع، والحافلة لن تأتي قبل الخامسة والنصف، وتحتاج إلى نصف ساعة كاملة في الطريق، وإذا لم تصب بعطب فيمكن أن تصل إلى المحطة النهائية في السادسة و45 دقيقة. هذا توقيت محترم حسب ما يبدو لي، رغم أن الناس يمكن أن يسافروا من مدينة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر في 45 دقيقة، لكن الوقت في هذه البلاد لا يهم. ماذا سيفعل الناس بالوقت وأعمارهم وأعمار أجدادهم ذهبت هباء، وأعمار أحفادهم ستكون بحول الله وقوّته على نفس المنوال. في المحطة حافلات كثيرة تأتي وتذهب كأنها حيوانات جائعة تلتهم البشر وتهرب بهم إلى مكان بعيد. ليست الحافلات وحدها الجائعة، بل أعرف هنا ثلاثة أو أربعة أشخاص على درجة كبيرة من الجوع، لكنه جوع من نوع آخر، إنهم يصعدون الحافلات باستمرار من أجل الالتصاق بالنساء كما لو أنهم حشرات البق. لعنة الله عليهم وعلى من فكر في جعل النساء والرجال يزدحمون في حافلات تشبه صناديق القمامة. البرغوث، إنه ليس حشرة، بل هو لقب شخص نحيل مثل قصبة صيد يعرفه كل من يرتاد محطة الحافلات بالمدينة لأنه يلتصق بالنساء مثل البرغوث، ولذلك فإن كل امرأة تصعد الحافلة باستمرار لا بد أن تعرفه وتحاول أن تتجنبه بكل ما أوتيت من قوة. يترصد البرغوث ضحيته قبل الصعود إلى الحافلة. إنه يفضل المرأة الوحيدة والمكتنزة، أو التي تبدو على وجهها علامات الخجل لأنها ستخاف من الصراخ في الحافلة لفضحه، لكن في كثير من المرات أمسكت به نسوة واقتدنه إلى مركز الشرطة. لكن القانون المغربي لا يجرّم الالتصاق بمؤخرات النساء في الحافلات العمومية لأن هذا يتعارض مع الحداثة ومع سير المغرب في طريق العولمة، ولأن هذا الزمن زمن البراغيث. إذا بدأ المغرب يعاقب براغيث الحافلات والأسواق فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستعتبر ذلك تراجعا نحو الوراء وانحسارا للديمقراطية ورضوخا لمطالب الأصوليين المتطرفين وضربة موجعة للحداثة، لذلك يجب ترك البراغيث أحرارا في الحافلات والأسواق المزدحمة. مرة انتفضت امرأة ضد البرغوث وعضت أذنه حتى كادت تبترها فاشتكاها البرغوث وحكمت المحكمة ضد المرأة بشهر سجنا مع وقف التنفيذ. ألم أقل لكم إن هذا زمن البراغيث؟؟