عبّو، الذي هو أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. شاركت في كل المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والجلسات، وانخرطت في أحزاب وجمعيات وتحدثت في السياسة والفلسفة وهتفت ورفعت الشعارات وأنزلتها، لكن في النهاية أعود إلى نقطة الصفر. من الصفر البدء وإليه المنتهى. استيقظت هذا الصباح كما أستيقظ دائما، أي في الحادية عشرة صباحا. منذ أشهر لم أعد أشتري الذهب، أي أنني لم أعد أعمل بالمقولة الشهيرة «الفياق بكري بالذهب مشري»، وذلك عندما أوقفتني دورية للأمن في السادسة صباحا وسألني الشرطي ماذا أفعل في تلك الساعة المبكرة في الشارع الرئيسي. قلت لهم إنني أبحث عن فرصة عمل، فأركبوني السطافيط وذهبوا بي إلى الكوميسارية. اتهموني بالحمق لأنني أبحث عن عمل في السادسة صباحا في بلد اسمه المغرب، ومنذ ذلك اليوم قررت أن أستيقظ سبع ساعات بعد استيقاظ الديك، أي قبل منتصف النهار بقليل. منذ عدة أسابيع ووالدتي تسألني لماذا صرت أستيقظ متأخرا. إنها تكرر على مسامعي باستمرار «مقولة الفياق بكري بالذهب مشري»، فأجيبها فورا بحكمة أخرى تقول «الفياق بكري بالسطافيط مشري». في النهاية فهمت الوالدة الطيبة مقصدي، وأصبحت تعد لي الفطور في الحادية عشرة والنصف من كل صباح، أي حوالي نصف ساعة قبل استيقاظي. بعد أن أتناول فطوري أفعل كل ما أفعله كل صباح. أتوجه إلى مقهى الحاج المشري لكي أتناول قهوة سوداء مثلما يفعل المثقفون، وأملأ الكلمات المتقاطعة بالعربية والفرنسية، لا أملؤها دائما طبعا، لكنني تعودت على تلك الألغاز التي توجد كل يوم في كل الكلمات المتقاطعة. أمس كان هناك لغز جميل في الكلمات المتقاطعة يقول «عرينه في دمشق»، عرفت فورا أن الأمر يتعلق برئيس سوريا. أحيانا أجد نفسي جامدا أمام ألغاز كثيرة، فأستشير النادل شبه الأمي الذي أصبح اختصاصيا في فك كل الألغاز المتقاطعة. أمس وجدت عبارة تقول «حمل غير شرعي»، من أربع كلمات، فاعتقدت أن الأمر يتعلق بانتخابات 7 سبتمبر الماضي، التي حملت وولدت حكومة عباس. ثم وجدت عبارة تقول «أداة تصفية»، فتذكرت العسكر في سيدي إفني. لا يهم. جوابي لم يكن صحيحا. بعد الانتهاء من حل الكلمات المتقاطعة، أقرأ ما أراه مهما من أخبار وتحليلات، وبين الفينة والأخرى أسرح بنظري في الشارع لكي أطرد ما تبقى من النوم عبر تتبع قدود وجمال العابرات اللواتي يتنافسن في التصريح بممتلكاتهن كل يوم في الشارع. أحيانا أحك وجهي بطريقة لا إرادية كما يفعل السياسيون، وأفكر في مطاردة فتاة تبدو لي سهلة الاصطياد، لكني أتذكر أن ما في جيبي يكفيني بالكاد لقهوة سوداء أخرى مساء. أعرف أن أية فتاة لن تكتفي بطلب أقل من عصير الباناتشي، لذلك أكتفي من الغنيمة بالنظر وألعن مكتشف الباناتشي وعصير الرمان، ثم أدفن رأسي من جديد في صفحات الجريدة. أحيانا أبتسم وأحيانا أتجهم. هذه هي أخبار الجرائد في المغرب، بل في كل جرائد العالم، تضحك وتبكي.