عبّو، الذي هو أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. شاركت في كل المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والجلسات، وانخرطت في أحزاب وجمعيات وتحدثت في السياسة والفلسفة وهتفت ورفعت الشعارات وأنزلتها، لكن في النهاية أعود إلى نقطة الصفر. من الصفر البدء وإليه المنتهى. بعد أن تمر ساعة ونصف على جلوسي في المقهى، وبعد أن يتيبّس كأس قهوتي ويصبح كأنه تحفة من التاريخ، أنهض وأحمل ظرفا به أوراق كثيرة ونسخ من سيرتي الذاتية، وأبدأ الطواف على الإدارات والمؤسسات التي تعتمد التوقيت المستمر. منذ خمس سنوات وأنا أضع طلبات عمل في كل الوزارات والمصانع والإدارات. في العاشرة من هذا الصباح، جاءني ميساج من صديق يخبرني بأن اجتماعا حاشدا لحزب جديد سيعقد في ملعب كرة السلة بالمدينة. مر اليوم ثقيلا لأني كنت أنتظر هذا الاجتماع بفارغ الصبر. الناس كلهم يقولون إن هذا الحزب الجديد سينتقي شبابا مثلي في صفوفه، يعني الشباب من ذوي الجيوب الفارغة الذين يملؤهم الحماس. قلت مع نفسي إنها فرصة لا تعوض لكي أنخرط لأول مرة في حزب سياسي تتفق مبادئه مع مبادئي المهنية، أي أنني أريد الحصول على مهنة، وإذا انخرطت في الحزب وظهر لقيادته أني رجل كل المهام فسأحصل على أكثر من العمل، ربما أحصل على رخصة نقل أو كشك لبيع الدخان. لقد باعوا لنا دخان الأوهام طويلا، وأحلم أن أحصل على كشك لبيع دخان حقيقي، يعني سجائر، وليس دخان الوعود. دائما أضحك حين أسمع النصائح الطبية التي تدعو إلى وقف التدخين. كنت أقول مع نفسي إن هذه الإعلانات الحمقاء تحذر الناس من الإصابة بداء السرطان الذي يسببه الدخان. لكن دخان الوعود الزائفة، الذي يستهلكه المغاربة جميعا، يسبب أكثر من السرطان. إنه يسبب الإحباط القاتل الذي يدفع الناس إلى الانتحار بمختلف الطرق، بما فيها الهجرة السرية أو إشعال العافية في الجسد. على أي حال هذا ليس وقت النظريات. أنا إنسان ناضج اليوم بعد أن نفضت عني كل أوهام الماضي. صحيح أنني أصبحت شخصا من دون كبرياء ولا كرامة، لكني أتوقع أن أصبح إنسانا مهما في وقت من الأوقات. أحيانا أضحك على نفسي وأنا أتخيل نفسي وزيرا وعندي سكرتيرة جميلة تنام معي يوم السبت وحتى صباح الأحد. هراء.. لكن هذا ما يفعله الكثير من الناس المهمين مع سكرتيراتهم الجميلات. عندما يأتي المساء، سأكون على موعد مع تجربة أخرى في حياتي، وهي الانضمام إلى حزب سياسي.