عبّو، الذي هو أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. شاركت في كل المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والجلسات، وانخرطت في أحزاب وجمعيات وتحدثت في السياسة والفلسفة وهتفت ورفعت الشعارات وأنزلتها، لكن في النهاية أعود إلى نقطة الصفر. من الصفر البدء وإليه المنتهى. وصل عبّو إلى الشاطئ وهو يتصبب عرقا. ومن هناك، أي من تلك الربوة المرتفعة المطلة على المحيط رأى الشاطئ. يا له من منظر رومانسي، بل يا له من مشهد سريالي. الناس مثل الذباب، نصفهم على الرمل ونصفهم داخل الماء. كان منظر هؤلاء المصطافين مثيرا للشفقة. إنهم يعتقدون أنهم يقضون عطلة الصيف على الشاطئ ويستمتعون بالبحر، وفي الحقيقة هم يثيرون الحزن لأنهم لا يعرفون أنهم في هذه اللحظات التي يزدحمون فيها على الرمال والماء الملوث المليء بالبراز والبول، فإن مسؤوليهم الذين يحكمونهم بالزرواطة والفهلوة يستمتعون بصيفهم في أجمل الشواطئ والمنتجعات داخل البلاد وخارجها. هناك كثيرون من لصوص المال العام الذين يستمتعون الآن بالسباحة في مسابح خاصة في فيلاتهم وقصورهم الأنيقة. ظل عبّو واقفا ينظر إلى جحافل البشر الفقراء وهم يتزاحمون على قطعة صغيرة من الرمل والماء، وهو يفكر لماذا يستمتع السارقون ويعاني المسروقون، لماذا يعيش اللصوص حياتهم الرغيدة أمام أعين الجميع بينما هذه الطبقات المسحوقة تعيش حياتها وكأنها مجموعة حشرات بلا معنى. فكر عبّو قليلا وقرر بعد تردد أن ينزل بدوره إلى هذا الشاطئ، وما هو بشاطئ. كان الناس قربه يهرولون كأنهم يتسابقون من أجل الحصول قبل غيرهم على مكان فوق الرمل. لم يكن عبّو مهتما بذلك لأنه لا يريد أن يقضي في هذا المكان أكثر من ساعة. يريد أن يغطس في الماء، ويا له من ماء، ثم يأخذ قسطا من أشعة الشمس، ويا لها من شمس باهتة، ثم يعود من حيث أتى. عندما وصل عبّو إلى الشاطئ، كانت رياح البحر الخفيفة والباردة المصحوبة برائحة غريبة تلفح وجهه الذي لم يحلقه لمدة أسبوع. وبما أنه إنسان مثقف، وعاطل أيضا، وهذه صفات النخبة البرولتارية الجديدة، فإنه ظل يتأمل خلق الله الممددين مثل حيتان ميتة ألقت بها الأمواج على الرمل. كانت امرأة بدينة تقطع دلاّحة بحقد كأنها تذبح زوجها السكير الذي يدخل إلى المنزل نتنا كل صباح وهو يشتمها. كان أولادها الخمسة قربها ينظرون إلى الدلاّحة الباردة كأنهم ينظرون إلى خروف مشوي يوم العيد. الأم تشتمهم وتصفهم بالجوعى وأولاد الحرام وتطلب منهم الجلوس. بعد أكل هذه الدلاحة ستنشأ مزبلة صغيرة قربهم على الرمل، وسيأتي الكثير من الذباب والحشرات. أسوأ ما في الفقراء هو أنهم ينتقمون من الطبيعة بسبب ما يتعرضون له في حياتهم. قرب المرأة صاحبة الدلاحة كان رجل يطفئ سيجارته الرديئة في الرمل ويبصق، وعلى مقربة منه امرأة أخرجت بوطاغاز صغيرا لكي تطبخ عليه وجبة الغداء، ومراهق شرب ما تبقى من ماء في علبة بلاستيكية ثم قذفها نحو البحر كأنه يقذف كرة. وقربه أب يعد ابنه بأنه سيحمله إلى البحر ليتبول. «يا لنا من شعب غريب الأطوار»، هذا ما قاله عبّو مع نفسه، وتذكر أيام كان الملك الراحل الحسن الثاني يقول لشعبه العزيز إن المغرب سيدخل السوق الأوروبية المشتركة. ضحك عبّو ثم أخفى ضحكته بكفه حتى لا يعتقد الناس أنه مجنون.