عبّو، الذي هو أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. شاركت في كل المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والجلسات، وانخرطت في أحزاب وجمعيات وتحدثت في السياسة والفلسفة وهتفت ورفعت الشعارات وأنزلتها، لكن في النهاية أعود إلى نقطة الصفر. من الصفر البدء وإليه المنتهى. عندما وصلت إلى الفندق حيث سيتم اختيار الكومبارس، وهي عملية يطلق عليها اسم الكاستينغ، أصبت بإحباط جديد. لم أكد أنسى الطابور الطويل أمام البريد حتى وجدت طابورا أطول أمام الفندق. اعتقدت أن كل المغاربة يريدون التمثيل، لكنني عندما أرى تلك السيارات الفارهة التي تمر أمام الفنادق وينظر أصحابها إلى الواقفين في الطابور بكثير من الاستغراب، عرفت أن الفقراء والعاطلين وحدهم يقفون في مثل هذه الطوابير الذليلة. الأغنياء عندهم أدوار بطولة يمثلونها في الحياة الواقعية، وليسوا محتاجين أبدا إلى أدوار كومبارس. من المثير للضحك أن الفقراء يمثلون أدوار الكومبارس في الواقع وفي الأفلام. في الواقع يعيشون على هامش الحياة ويؤدون أدوارا ثانوية، وفي الأفلام يقفون في الطوابير في انتظار قبولهم لأداء أدوار ثانوية. لا فرق بين الواقع والخيال في حياة الفقراء. وقفت في آخر الطابور بعد تفكير ملي. كنت على وشك العودة إلى منزلي، لكنني تذكرت أن الحصول على 500 درهم في يوم واحد سيجعلني أعيش لأسبوع كامل مثل أي بورجوازي. كانت عيوني منتفخة بشكل مثير للضحك لأنني لم أنم أكثر من ساعة، كما أن الحلم الغريب الذي رأيت فيه نفسي إمبراطورا رومانيا أصابني بقدر غير قليل من الاكتئاب. من الصعب أن يحلم الإنسان ويرى نفسه إمبراطورا ثم يصحو ويجد نفسه عاطلا. حلمت نفسي في مرات سابقة كثيرة قايد ومقدم ورئيس مقاطعة وشرطيا وعميد أمن ولص مال عام، لكنني لم أحلم أبدا بدرجة إمبراطور. يبدو أن الأحلام بدورها تسخر مني.. عاطل بئيس يتحول في الحلم إلى إمبراطور، هذا منتهى العبث. في الطابور يقف خلق كثير من نساء ورجال. رأيت شيخا تجاوز الستين يقف في الصف وهو يحمل صورته. رأيت نساء ما بين الخامسة عشرة والخمسين من العمر. رأيت شبانا أكثر وسامة من جيمس دين وجون ترافولتا وهم يقفون في الطابور. قلت مع نفسي وأنا أتحسس وجهي المنتفخ: هل هذا الوجه البئيس يستحق الظهور في السينما حتى ولو في دور كومبارس؟ في جناح خاص بالفندق، كان أجانب ينظرون إلى الناس كأنهم ينظرون إلى كائنات هربت من أقفاص. اختيارهم سريع.. هذا نعم وهذا لا.. عندما وصل دوري طلب مني أحد الأجانب أن أتنحى جانبا وهو ينظر إلي باهتمام، ثم قال لي إنني سألعب دور كومبارس في مجلس الشيوخ الروماني. أصبت بنوع من الخلعة لأنني لا أعرف كيف سألعب دور عضو في مجلس الشيوخ، لكن الأمر سهل كما فسر لي المخرج بعد ذلك. بما أن أوداجي منتفخة بسبب قلة النوم، وعيوني حمراء كأنني لم أنم سنة كاملة، فإن دوري هو أن ألبس تلك العباءة البيضاء التي كان يلبسها أعضاء الكونغرس الروماني، وأن أجلس في مكاني عندما يكون الإمبراطور يلقي خطابا، وأن أتظاهر بالنوم لأنني سألعب دور عضو «برلماني» سكير وفاسد يقضي الليل في اللهو والعربدة، وفي النهار ينام في البرلمان، أقصد في مجلس الشيوخ. يا إلهي.. لماذا إذن تنتقد الصحافة أعضاء برلماننا الموقر حين ينامون. النوم في البرلمان كان منذ عهد الرومان.