"اللباس الوطني" في افتتاح الملك للبرلمان    الراشدي: الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا والنتائح المحققة في محاربته غير مرضية    أمير إمارة موناكو من طنجة: تجاهل حماية البحار يهدد مستقبل كوكب الأرض    إيطاليا: إسرائيل ترتكب جرائم حرب محتملة    كرة المضرب.. رافايل نادال يعلن الاعتزال بعد كأس ديفيس    مؤسسات التعليم العالي استقبلت أزيد من 344 ألفا طالب جديد    بوروندي تجدد التأكيد على دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية (فيديو)    وزير الشؤون الخارجية البوروندي يشيد بمبادرات الملك محمد السادس بشأن منطقة الساحل والأطلسي    الحكومة تطلع على تعديل اتفاق رخص السياقة بين المغرب وإسبانيا    بوعياش تجدد التزام مجلس حقوق الإنسان بالترافع من أجل إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب    إطلاق نار بالقرب من سفارة إسرائيل في السويد    رهان على "العروض الخاصة" في افتتاح معرض السيارات المستعملة بالبيضاء    تقارير تبعد مزراوي عن الملاعب لأسابيع    وكالة "فيتش" تصنف المغرب عند "بي بي+"    المغرب يحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية    الحكومة تصادق على سجل الوكالات المتعلقة بالحقوق العينية والسجل الوطني الإلكتروني للوكالات    وسط تطلعات للحفاظ على الألقاب…البرتغالي ريكاردو سابينطو مدربًا جديدًا للرجاء    إعصار ميلتون يضرب ساحل فلوريدا الأمريكية    الزفزافي يلتحق بكلية الحقوق بطنجة    أكادير.. الوالي أمزازي يترأس اجتماعا للجنة المخطط الجهوي لمحاربة الأمية    الكورية الجنوبية هان كانغ تتوج بجائزة نوبل للآداب    الرباط ونواكشوط تعززان التعاون الثنائي في قطاع الصناعة التقليدية والسياحة    لا تقدم لوقف الحرب.. وإسرائيل تواصل قصف لبنان وسوريا    بايتاس: لا غبار على الموقف المغربي من الأحداث التي تقع في لبنان وفلسطين    «السينما بين المواطنة والانتماء الإنساني» شعار الدورة 13 من المهرجان الدولي المغاربي للفيلم بوجدة    تتويج منصة "فرجة" التابعة لSNRT بلقب أفضل منصة رقمية بإفريقيا    الشاعر شوقي أبي شقرا يفارق الحياة    "صحة غزة": مقتل 28 فلسطينيا في مجزرة إسرائيلية استهدفت مدرسة بدير البلح    الغلوسي: تقييد وهبي لعمل النيابة العامة في جرائم الفساد سابقة خطيرة    التشغيل على رأس أولويات الأغلبية الحكومية في المرحلة المقبلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    بلجيكا.. تطبيق جديد لحساب مخاطر الإصابة بالسرطان    تداريب تكتيكية وتقنية للأسود قبل مواجهة إفريقيا الوسطى    غزة: منحة مغربية لتحرير شهادات 40 خريجا من كلية الملك الحسن الثاني    لاعب التنس رافاييل نادال يعلن الاعتزال    دموع الرجال: مسلسل يعود ليحفر مكانه في ذاكرة المغاربة بعد 12 عاماً من عرضه    مزاد يبيع سترة مضادة للرصاص بأكثر من مليون دولار    ماكرون يسعى لتجديد العلاقات الفرنسية المغربية عبر الاقتصاد الأزرق والطاقة البديلة    اضطراب ضربات القلب.. تطورات علاجية قائمة على الأدوية والأجهزة الطبية    التهاب الجيوب الأنفية .. الأسباب الرئيسية والحلول المتاحة    أسعار النفط ترتفع جراء وصول الإعصار "ميلتون" إلى ولاية فلوريدا        "قسمة ونصيب" يراكم الانتقادات والتشكيك في مصداقيته    السعودية تستهدف جذب 19 مليون سائح في ساحل البحر الأحمر بحلول 2030    توقيف ثلاثة أشخاص بسلا والقنيطرة يشتبه تورطهم في حيازة وترويج المخدرات    وفاة سجين بآت ملول.. مندوبية التامك توضح: منحه الممرض أدوية وتوفي في الطريق إلى المستشفى        أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم        العثور على اللاعب الدولي اليوناني بالدوك متوفيا في منزله        انقطاع أدوية السل يفاقم معاناة المرضى والتوقف عن العلاج واقع يهدد بالأسوإ    تغيير موعد و مكان مباراة الوداد الرياضي وشباب المسيرة    تأهبا لتفشي جدري القردة.. المغرب يتزود بدواء "تيبوكس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعوم تشومسكي: «من مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة ويفضحوا الأكاذيب»
الاستماع إلى تشومسكي متعة ذهنية لا تعادلها أي متعة أخرى
نشر في المساء يوم 10 - 08 - 2010

هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد
ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر.
يقول عنه رجال الدين إنه ملحد! ويؤكد رجال السياسة بأنه فوضوي يهدف إلى تفكيك هياكل السلطة! ويصر «العقلاء الجدد» على أنه من أنصار نظرية المؤامرة! والحقيقة بكل تأكيد أن إيمانه لن ينفعنا كمسلمين، كما أن فوضويته بدون شك لن تضرنا كعرب، وأما اعتقاده بنظرية المؤامرة لو سلمنا بذلك جدلا فلم يمنع جريدة «نيويورك تايمز»، وهي أشهر وأهم صحيفة في العالم، من وصفه بأنه «أهم مفكر على قيد الحياة». كما أكدت مجلة «نيوزويك» أنه، مع عالم الفيزياء الأمريكي إدوارد ويتن، يعتبران أبرز عبقريين ظهرا في النصف الثاني من القرن العشرين. وأضافت صحيفة «بوسطن غلوب» المرموقة أنه «يضاهي سيجموند فرويد وألبرت آينشتين»، بل اتضح في دراسة للمركز الوطني للمعلومات العلمية في الولايات المتحدة أنه أكثر شخص على قيد الحياة يتم الاستشهاد بأقواله، ويحتل المركز الثامن تاريخيا ضمن قائمة العشرة الأوائل من الأعلام الذين يستشهد بأقوالهم على مر العصور. وتضم القائمة شخصيات من عينة ماركس وشكسبير وأرسطو وفرويد وغيرهم.
إنه نَعومْ (تنطلق بعين مخففة مثل نومْ) تشومسكي المولود عام 1928 في ولاية بنسلفانيا الأمريكية من عائلة يهودية، وهو الآن في طريقه إلى تقاعد جزئي من عمله أستاذا للغة واللسانيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يعد أعظم من كتب في اللسانيات الحديثة. كما أحدثت نظرياته في اللغة ثورة ضخمة في علوم النفس والفلسفة والإدراك العقلي والأنثروبولوجيا والتعليم والذكاء الصناعي والاتصالات. نشر تشومسكي ما يزيد عن السبعين كتابا، بالإضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات في العديد من المجالات. إلا أن شهرة تشومسكي الحقيقية تنبع من نشاطه السياسي. ويمكن تلخيص فلسفته السياسية في عبارة من محاضرة مهمة له، ألقاها، ضمن نشاطه السياسي المعادي لتدخل الولايات المتحدة في فيتنام، بجامعة هارفرد عام 1966 بعنوان «مسؤولية المثقفين»، حيث قال: «إن من مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة ويفضحوا الأكاذيب». ومن المعروف أن تشومسكي من أشد المناصرين للقضايا العربية، وخاصة قضية فلسطين، مما دعا منظمة «بناي بريث» - أي أبناء العهد - اليهودية إلى تلقيبه ب«اليهودي المعادي للسامية». ونتيجة لمواقفه الناقدة لسياسة الولايات المتحدة، فإن وسائل الإعلام الأمريكية السائدة مرئية ومسموعة ومقروءة - تهمشه تماما ولا تعطيه الفرصة للظهور.
أنتج عنه أنصاره فيلما وثائقيا رائعا مدته 166 دقيقة عام 1992 بعنوان «فبركة الموافقة: نعوم تشومسكي وأجهزة الإعلام». والفيلم يقدم سيرته الذاتية والفكرية بتسلسل مثير وطريقة مبتكرة. ويشمل مقاطع من مناظرة مهمة بينه وبين الفيلسوف الفرنسي الأشهر ميشيل فوكو، وأخرى ساخنة جدا مع فريتس بولكشتين وزير الدفاع الهولندي السابق. كما يشمل قصة موقفه الأخلاقي ودفاعه عن حق الدكتور الفرنسي روبرت فوريسون في التعبير عن رأيه عندما أنكر وجود غرف الإعدام بالغاز في ألمانيا النازية، وما تلا ذلك من حملة افتراء وتشهير بشعة تعرض لها، بالإضافة إلى العديد من المحاضرات والمواقف المشوقة والنادرة.
كما يقدم تشومسكي في الفيلم معلومات وأدلة مذهلة تكشف كيفية سيطرة أجهزة الإعلام الأمريكية على عقول الناس، مما يؤدي إلى موافقة غالبية المشاهدين البسطاء على سياسة النظام أيا كانت، وأيا كان! التي تكون دائما مفيدة لمصالح الشركات الكبرى.
الفيلم مدهش وغير مسبوق من حيث تقنية الإخراج الوثائقي، ولذلك حاز على خمس عشرة جائزة دولية. وكل من يشاهده يدرك أن هناك تواطؤا إعلاميا لتهميش هذا المفكر العظيم والناشط السياسي العنيد، الذي رفض أن يكون «مثقف سلطة»، واختار أن يكرس حياته كلها للدفاع عن مصالح المسحوقين والمضطهدين والمهمَّشين في كل مكان. فهو، مثلا، لا يزال، كعادته القديمة، يقضي 20 ساعة أسبوعيا للرد بنفسه على الرسائل التي تأتيه من كل مكان، بالرغم من عمره الذي يشارف الثمانين. ولذلك لم تخطئ جريدة «تايمز» اللندنية حين وصفته بأنه «عدو لسياسة الولايات المتحدة، وبطل للناس العاديين»، وكذلك جريدة «غارديان» التي أكدت بأنه «ضمير الولايات المتحدة الأخلاقي وفاضح الأكاذيب».
استضافه المذيع البريطاني اللامع تيم سباستيان في برنامجه الشهير «هارد توك» Hard Talk في حوار ساخن بثته قناة BBC في 27 فبراير 2002. وسباستيان مذيع محترف وعنيد من الطراز الأول، فاز بجائزة أفضل مذيع تلفزيوني في بريطانيا عامي 2001 و2002. كما أنه محاور شرس ويتفوق كثيرا على نظرائه الأمريكان مثل سام دونالدسون وتيم روسرت وكريس ماثيوز ولاري كينغ، فهو يتميز بالاستعداد الممتاز وسرعة البديهة والمباغتة في طرح الأسئلة. ولكن في هذه الحلقة انقلب الوضع! حيث استطاع تشومسكي، بقوة منطقه وحججه الدامغة، على الرغم من مقاطعات سباستيان المتكررة، أن يسيطر تماما على هذا الحوار المثير ويحرج محاوره كثيرا، بل جعله يعترف «ضمنيا» بازدواجية الولايات المتحدة وبريطانيا وعدم قانونية أفعالهما.
الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن تشومسكي قدم في هذه المواجهة محاضرة في فلسفة الأخلاق، حيث رفض بقوة وحزم نسبية القيم الأخلاقية الجائرة المعمول بها دوليا (والتي أصبحت سائدة كالعرف!)، خاصة فيما يتعلق بالعدالة.
وعلى الرغم من مضي بضع سنوات على هذا الحوار/المناظرة، فإن التحليل الفلسفي العميق والمنطلق العلمي الصارم، اللذين استخدمهما تشومسكي فيه، صالحان لكل عصر يوجد فيه أناس يقدمون ذرائع تدافع عن غطرسة قوة دولية كبرى تتلاعب كيف شاءت بالقانون الدولي، وتستهين بحقوق الإنسان كل استهانة.
إن الاستماع إلى تشومسكي وهو «يتحدث» متعة عقلية لا تكاد تعادلها أي معه، لأنه باختصار شديد يقول الحقيقة الكاملة. إنه ينشط خلايا العقول الصدئة ويجعلها تفكر في زمن أصبح التفكير فيه مقصورا على «الأخ الأكبر» فقط الحريص على تجنيب «الشعوب السعيدة» في كل مكان مشقة التفكير في مصائرها.. ويا لها من مشقة!
وأود أن ألفت نظر القارئ إلى ملاحظتين حول هذا الحوار:
أولا: تشومسكي صاحب أسلوب شديد السخرية في حديثه، ويستعمل أحيانا كلمات معينة للتعبير عن تهكمه (مثل حقا، جميل، حسنا، عفوا)، ولذلك قمت باستخدام علامات تعجب للتدليل على ذلك في الأماكن المناسبة.
ثانيا: يدور معظم الحوار حول كتاب تشومسكي «11-9»، أي «11 شتنبر»، الذي صدر في نونبر 2001 عن دار سفن ستوريز الأمريكية، والذي طُبع، حتى عام 2002 فقط، في عشرين دولة.
* كاتب ومترجم سعودي مقيم بالمغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.