سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحكومة الأمريكية تسعى إلى تهميش «مالكوم إكس» وتسليط الضوء على مارتن لوثر كينغ كون مالكوم منظمة هدفها توحيد الأفرو أمريكيين من أجل المطالبة بحقوقهم الإنسانية
هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر. يعد 21 فبراير 1965 يوما قاتما لا يُنسى في تاريخ حركة الدفاع عن الحقوق المدنية في أمريكا. لقد اغتال ثلاثة رجال في هذا اليوم المشؤوم أعظم زعيم وخطيب أسود في تاريخ أمريكا وربما العالم. إنه مالكوم إكس، صاحب الشخصية الكاريزمية والخطيب الناري، الذي يعد من الناحية غير الرسمية الزعيم الأسود الأهم والأكثر تأثيرا في حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود والأقليات ضد التمييز العنصري البشع في أمريكا. حاولت وسائل الإعلام والحكومة الأمريكية تجاهله أثناء حياته والتركيز على منافسه الزعيم الأسود العظيم ولكن الأكثر لينا ومهادنة الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور، ولكنها لم تفلح. ذكرت صحيفة «سان فرانسيسكو إكزامينر» في ملحق خاص بعنوان «جيل إكس»، بمناسبة الذكرى الثلاثين لاغتياله، «يعد مالكوم إكس حاليا أكثر شعبية عند الجيل الجديد من الإفريقيين الأمريكيين من مارتن لوثر كينغ جونيور. بكل تأكيد لا توجد قبعات تحمل اسم مارتن للبيع. مالكوم إكس لا يزال يشكل أهمية كبيرة للإفريقيين الأمريكيين الفقراء القابعين أسفل المجتمع الأمريكي، لأن مالكوم إكس عاش الظروف نفسها وعبر عن المرارة والإحباط اللذين يعانون منهما حتى الآن، بينما عاش مارتن حياة مرفهة ولم يعان الفقر»! لا تزال السيرة الذاتية لمالكوم إكس «مالكوم إكس: سيرة ذاتية»، التي كتبها الروائي الأسود الشهير إيليكس هيلي، نقلا عن مالكوم إكس نفسه، وصدرت في 1964، تطبع وتنفد ثم تعاد طباعتها حتى اليوم بصورة متكررة ومدهشة. وقد اعتبرت مجلة «تايم» العريقة هذه السيرة واحدة من أهم عشرة كتب في الأدب اللاخيالي Nonfiction في القرن العشرين. كما لا يزال مالكوم إكس نفسه مصدر إلهام وقدوة بالنسبة للجيل الأسود الجديد في أمريكا، حيث تنتشر حتى وقتنا الحاضر الملصقات والقبعات والقمصان التي تحمل اسمه وصورته. وهذا كله يؤكد ما تركه من بصمات مؤثرة في تاريخ السود الأمريكيين مقارنة بغيره من الزعماء السود. ولد مالكوم ليتل عام 1925 من عائلة مسيحية فقيرة جدا. توفي والده عام 1931 في حادث غامض يعتقد أن لجماعة «كوكلوكس كلان» الإرهابية يدا فيه. أدخلت والدته المستشفى بسبب مرض عقلي مزمن عام 1937، ولم تخرج منه إلا عام 1963. يمكن القول إن هناك أربع محطات أثرت في شخصيته بصورة جذرية: المحطة الأولى: مشاهدته إحراق منزل عائلته بالكامل عام 1929 من قبل جماعة «كوكلوكس كلان»، انتقاما من والده لكونه عضوا نشطا في جماعة الزعيم الأسود ماركوس كارفي. المحطة الثانية: عندما سأله مدرس اللغة الإنجليزية الأبيض في الصف الثامن (المرحلة المتوسطة) «ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر يا مالكوم؟». وكانت إجابته: «محاميا». فرد عليه المدرس: «أوه.. لا تكن سخيفا يا مالكوم.. لا يمكن أن تكون محاميا وأسود في الوقت نفسه! يجب أن تكون أكثر واقعية يا مالكوم.. بإمكانك أن تكون نجارا ماهرا أو حارسا ممتازا»! أصابته هذه المحادثة بإحباط شديد، وقرر عدم مواصلة الدراسة على الرغم من تفوقه. المحطة الثالثة: دخوله السجن عام 1946 بتهمة السرقة وعمره واحد وعشرون عاما بعد حياة صاخبة ماجنة، ثم اعتناقه الإسلام داخل السجن، حيث أصبح من أتباع إلايجا محمد زعيم جماعة «أمة الإسلام». عند خروجه من السجن عام 1952 انضم إلى الجماعة رسميا، وغير اسمه من مالكوم ليتل إلى مالكوم إكس Malcolm x، حيث ترمز الx إلى عدم معرفته باسم عائلته الإفريقية الأصلي. كان تغييره اسمه بهذه الطريقة يدل على ذكائه وألمعيته، حيث أصبح هذا الاسم الاحتجاجي الغاضب والغامض أشهر من نار على علم في جميع أنحاء أمريكا خلال فترة يسيرة. استطاع مالكوم أن يقنع الكثير من السود باعتناق الإسلام والانضمام إلى الجماعة بفضل مقدرته الخطابية الفذة، وقدرته الهائلة على المجادلة والإقناع. وخلال فترة وجيزة، أصبح المتحدث الرسمي باسم الجماعة، والرجل الثاني فيها، كما ذاع صيته في أمريكا، حيث كان يدخل في كثير من المناظرات، ويلقي الخطب في المدارس والجامعات والمساجد والكنائس... وحتى على نواصي الشوارع. واستمر نجمه في الصعود حتى أصبح من أهم الزعماء السود الأمريكيين. بعد سنوات عدة من انضمامه إلى الجماعة، اكتشف فضيحة أخلاقية تورط فيها زعيمه إلايجا محمد (كان لديه ثمانية أطفال غير شرعيين من عدة خليلات!) وقام بمواجهته بشجاعة. وعلى إثر هذه المواجهة، قام إلايجا محمد بتهميش دور مالكوم إكس داخل الجماعة لمصلحة لويس فراخان الرجل الثالث في الجماعة. ولكن يبدو أن إلايجا محمد لم يكن ليغفر لمالكوم إكس جرأته أبدا! بعد اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي بيد رجل أبيض في نوفمبر 1963، سأل أحد الصحافيين مالكوم إكس عن رأيه في هذا الاغتيال، فأجابه بثقة ساخرا: «الدجاج يعود إلى مأواه»! وهو ما يعني أن البيض نالوا جزاءهم، لأن الكراهية في أمريكا هي التي قتلت الرئيس. وأراد أيضا أن يتهكم على السود الذين بكوا على الرئيس كينيدي الذي لم يفعل لهم شيئا. تناقلت وسائل الإعلام باحتجاج هذا التصريح اللاذع، الذي لا يجرؤ أن يقوله أحد إلا مالكوم إكس، لأن الرئيس كينيدي يتمتع بشعبية جارفة حتى بين السود. لذلك، تم تجميد عضويته في الجماعة رسميا على إثر هذا التصريح. وفي مارس 1964 ترك جماعة «أمة الإسلام» نهائيا. المحطة الرابعة: سفره في أبريل 1964 إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج لأول مرة. وقد اضطر إلى طلب مساعدة مالية من أخته الكبرى إيلا لتغطية تكاليف السفر. تأثر مالكوم إكس بالتكريم الكبير الذي لقيه من الملك فيصل رحمه الله الذي جعله ضيف المملكة العربية السعودية، وقال في رسالة إلى زوجته: «إنني أحظى بتكريم لم أحظ به في حياتي.. من يصدق أن كل هذا يغدق على رجل أسود؟!»، مقارنا ذلك الاحتفاء بالوضع المزري اللاإنساني الذي يعيشه السود في أمريكا. في مكةالمكرمة وجد رجالا بيضا ذوي عيون زرق وشعر أشقر، ولكنهم مع ذلك كما قال ينادونه «يا أخي». وفي مكةالمكرمة، تعلم مالكوم الإسلام الحقيقي، وأعاد النظر في تقويمه السابق للرجل الأبيض المخالف للإسلام، حيث قرر أن الحب أو الكراهية يجب أن يكونا بسبب المواقف والمعاملة وليس بسبب اللون. وانعكس هذا التغيير الجوهري المهم والصحيح إسلاميا في خطابه عندما عاد إلى أمريكا. غير مالكوم اسمه، بعد رحلة الحج هذه، إلى الحاج مالك الشباز، ثم زار مصر وبعض الدول الإفريقية قبل أن يعود إلى الولاياتالمتحدة. كوّن مالكوم منظمة الوحدة الأفروأمريكية، وهي منظمة غير دينية وغير طائفية، هدفها توحيد الأفروأمريكيين في إطار برنامج بناء يرمي إلى حصولهم على حقوقهم الإنسانية. واصل نشاطه في حركة الحقوق المدنية بقوة، وأضاف إليها لأول مرة فكرة «حقوق الإنسان». سافر إلى خارج أمريكا ثلاث مرات (واحدة إلى بريطانيا، حيث ألقى محاضرة رائعة في جامعة أكسفورد) لفضح الممارسات العنصرية الأمريكية، وتأليب الرأي العام الدولي ضدها. وهكذا أصبح مالكوم، بهذا الفكر الجديد، بعد سفره واحتكاكه بحركات التحرر في الشرق الأوسط والعالم الثالث، أكثر خطورة من السابق.. أكثر تركيزا على المشاكل الحقيقية. لقد أصبح يتحدث مثلا عن ضرورة فرض عقوبات دولية على الولاياتالمتحدة بسبب معاملتها العنصرية لشعبها الأسود.