سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار أدبي مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني:
" أُريدُ أَن أَقول رَأيي وَأُحرر خَيالي وَأفسح المَجال لعَواطفي بكتَابَة نُصُوص حَقيقية تَليق بقُراء حَقيقيينَ"
صَبيحَة شُبّر: مَنْ هُوَ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: شاب مغربي عاشق للفنون السبعة ﴿العمارة، الموسيقى، الرسم، النحت، الأدب، الرقص، السينما﴾. حاول في كل مرحلة من مراحل حياته اتقان فن من الفنون التي تستهويه: جرب في البداية الفنون التشكيلية تم التصوير فالموسيقى ولكنه أدرك مع الوقت صعوبة الجمع بينها أو إتقانها جميعا فتخصص في كل مرحلة في فن من الفنون حتى استقر اخيرا على الكتابة الإبداعية، السرد تحديدا: قصة قصيرة وقصة قصيرة جدا ورواية وسيرة داتية. صَبيحَة شُبّر: كيف كانت البداية؟ ومن وقف بجانبك مشجعا؟ وما تأثير ذلك على حياتك الأدبية؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: بداياتي الحقيقية كانت مع الفن التشكيلي الدي أحببته من خلال أختي البكر التي كانت فنانة في الخياطة والطرز كما كانت فنانة في الرسم. وقد تعلمت من هدا الفن الرائع القدرة على عدم إهمال ادق التفاصيل الصغيرة التي تصنع في النهاية الأثر والوقع الفني الكبير على المتلقي. بموازاة مع الفن التشكيلي، كانت مهارات الحكي تختط طريقها صامتة. فقد كانت تزورنا كل زوال إحدى صديقات أمي وكانت تروي لنا بطريقتها الاخادة حكايات لا تنتهي علمت فيما بعد بأنها حكايات "ألف ليلة وليلة". وهي الحكايا التي كنت اعيد حكيها لأصدقائي من اطفال الحي واتفنن في إثارة اهتمامهم وتشويقهم قبل ان ينادي علينا آباؤنا بعد آدان العشاء للدخول للبيت. أما الكتابة، فقد كان لأساتذة الإعدادي جميعهم الفضل في تشجيعي على الكتابة. لكن أول من انتبه إلى قدراتي على الكتابة الإبداعية كان محمد الرهوني أول أستاد لي في مادة الغة العربية في أول قسم في المرحلة الاعدادية. فلن انسى اول موضوع تخييلي اعددته في اول مادة "إنشاء " / Composition في تلك السنة الدراسية حول فصل الخريف. فلا زلت ادكر انني كتبت الموضوع في اقل من فقرة بينما بقيت "الورقة المزدوجة " شبه فارغة ففكرت في "توسيع " الفقرة اليتيمة بالاستغاثة الصور المجازية والتشبيهات البلاغية حتى شارف الموضوع على صفحتين. وعند توزيع الاوراق في الأسبوع الموالي، فوجئت بالأستاد محمد الرهوني يعلن أن أعلى نقطة في القسم كانت من نصيب ورقتي ورايت الأستاد يضع ورقتي هي السفلى ليؤجل قراءتها حتى بعد توزيع باقي الأوراق على التلاميد ليتفرغ لقراءتها وإظهار خصوصية الكتابة عندي والوقوف عند الصور والتشبيهات التي وظفتها بينما كنت أجلس مشدوها لا أصدق أن الأستاد يفتخر بي حقا ولا يستهزئ. بعد دلك التاريخ، قررت أن يكون الخيال والبلاغة يداي اليمنى واليسرى في كل كتاباتي في مادة "الإنشاء" ولم يخب ظني في كل السنوات الموالية مع الأساتدة الآخرين. بعد دلك، بدأت أفكر في الكتابة الحرة. وبعد دلك بكثير، نضجت فكرة النشر الورقي على الدوريات الأدبية ثم كان في الاخير دخول تجربة الطبع والنشر والتوزيع بمعناه الواسع. صَبيحَة شُبّر: كتبت القصة القصيرة والقصيرة جدا والبحث والنقد الأدبي، ايا من هذه الفنون أكثر قربا منك؟ واقرب إلى تمثيلك؟ ولماذا؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: لكل منها مكانتها. فالبحث العلمي ينير لي الطريق: كتابي الأول "الاسم المغربي وإرادة التفرد" الدي اعتبر في حينه اول دراسة سيميائية للإسم الفردي العربي والصادر سنة 2001 كان بالنسبة لي أول بحث أنجزته انتصارا للحرية. فقد كانت خلاصة الكتاب في خاتمته على الصفحتين 61-62: "لقد كان الزمن عاملا كبيرا في نمو الأسماء الشخصية وتطور تنظيمها الداخلي تماما كما كان فاعلا في المجال الخارجي الذي تحيا فيه الاسماء .فأمام التحولات الاجتماعية المتسارعة ،لم يكن أمام الاسم الشخصي سوى البحث عن توازن أمام المتغير. وهكذا، عرفت شبكة التصنيف الاسمي ، بفعل الاشتقاق والتفريع وغيرهما ، تغيرات متلاحقة كانت أهم نتائجها تقدم أسماء الهوية الفردية الخالصة على أسماء التصنيف ، تقدم الفرد على المرجع... وبذلك تكون الأسماء الحديثة التداول في المعجم الاسمي المغربي ثمرة إرادة في التغيير، إرادة قديمة بدأت مع صيغ التصغير الاسمي التدللي، وابتكار أسماء إيحائية إيجابية، والتصرف الاسمي في أسماء الصفات الالهية... وهي في مجملها علامات احتجاج ضد هيمنة معجم محدود من الأسماء، وإشارات إرادة لإنتاج التجديد والتعددية والاختلاف... الاسمي". كتاب "الاسم المغربي وإرادة التفرد " كان أول بحث أنجزته للتاسيس لانتصاراتي القادمة للحرية. وقد تلته بعد دلك "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" التي كان لي، على مدى ثلاث سنوات 2006-2007-2008، شرف الإشراف عليها في شقيها العربي والإنجليزي ونشرها ورقيا والتعريف بها والترويج لأهدافها ول"المدرسة الحائية "، مدرسة القصة العربية الغدوية، التي انبثقت عنها... وأعترف بأنني "نضجت" إبداعيا ونقديا من خلال هده التجربة الجميلة التي ساندني فيها خمسون كاتبة وكاتبا مغربيا وأدارت لي ظهرها المؤسسات التي تقدم نفسها ل "العوام وللبعيدين عن حرقة الإبداع" نفسها كمؤسسات ثقافية. ولعل النضج الاكبر لهدا المشروع النقدي والتنظيري والترجمي، "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة "، هو سلوكه طريقا مغايرا للطرق المعروفة غير آبه لإغراء المايكروفون وجاذبية الكاميرا وثقافة حشد الأتباع. فقد جاء في البيان الثالث لإعلان "المدرسة الحائية" مدرسة القصة العربية الغدوية المنشور رفقة باقي البيانات ضمن مواد الجزء الثالث من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" على الصفحة 35: " تشتغل"المدرسة الإبداعية الأدبية " بمنطق العمل الموسوعي المفتوح/Open Encyclopedia حيث تبدأ المادة الموسوعية ب"البذرة"/Stub ثم تتوسع أفقيا وعموديا بحيث يمكن لأي مهتم إضافة وحذف ما يراه صالحا للمادة الموسوعية قيد التحرير. فلا أحد يستطيع عدَّ كتاب "المدرسة الواقعية النقدية"، ولكن، في المقابل، يمكن بسهولة بالغة عدَّ كتاب "جماعة أبولو" مادامت المجموعة أو الجماعة تجمعا صغيرا ومغلقا. عكس النادي والجمعية والمجموعة والجماعة، تبقى "المدرسة الإبداعية الأدبية " مفتوحة على الزمان والمكان والإنسان. إنها لا تقتصر على جيل دون غيره، ولا يحصرها تحقيب ولا تحدها جغرافيا... الفرق بين الجمعية الأدبية والمجموعة الأدبية و"المدرسة الإبداعية الأدبية " هو أن الجمعية الأدبية تسمح بإيداع طلبات العضوية على أن تحتفظ بالحق في قبول أو رفض ملفات الانضمام؛ بينما أبواب المجموعة الأدبية موصدة في وجه العموم لأنها هي التي تختار أعضاءها على أساس الفاعلية والقدرة الثابتة على العطاء؛ أما "المدرسة الإبداعية الأدبية " فلا تتلقى ملفات الانخراط ولا تختار أعضاءها ولا تقبل أحدا ولا ترفض أحدا. "المدرسة الإبداعية الأدبية" هي أعلى أشكال التكتلات بين الأدباء. ولدلك فشروط الانتماء إليها لا تتطلب المرور عبر لجان القراءة أو غيرها من الهياكل التنظيمية. إن شَرْطَ "المدرسة الإبداعية الأدبية" الوحيد هو الالتزام بقواعدها الفلسفية والجمالية كمرجعية في "الإنتاجات" الأدبية. أي، أن غير المنتجين أدبيا ممن يهتمون بالأدب لا يمكنكهم الانتساب لمدرسة أدبية وإن كان بإمكانهم الانتساب لنادي أدبي أو مجموعة أدبية أو جماعة أدبية مثل أساتذة الأدب والإعلاميين الثقافيين والفاعلين الجمعويين في حقل الأدب وغيرهم." أما القصة القصيرة التي راكمت منها حوالي مائة 100 نص قصصي قصير منشور ورقيا وموزع على أكثر من ستة مجاميع قصصية: "في انتظار الصباح "، "هكدا تكلمت سيدة المقام الاخضر "، "موسم الهجرة إلى أي مكان"، "وراء كل عظيم اقزام"، "موت المؤلف" و"حوار جيلين" المجموعة المشتركة مع القاص المغربي الكبير إدريس الصغير... فيما بلغت حصة نصوصي القصصية القصيرة جدا مائة وخمسين 150 قصة قصيرة جدا، وأنا سعيد بدلك. صَبيحَة شُبّر: ما هي الأسماء التي أضاءت مخيلتك وتأثرت بها، وما زلت تقرأ لها إلى اليوم؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: تربيت "حرا طليقا " مقارنة مع أقراني في الحي. فقد كان كل فرد من أفراد عائلتي يقصد مقر عمله فيخلو لي الجو لأفعل ما أشاء وأقضي نهاري دون حسيب او رقيب لا في البيت ولا خارجه وربما انتبه أصدقائي من اطفال الحي للأمر واعتبروا دلك امتيازا. فقد كان صغار الحي من عشاق القراءة يضعون في حوزتي الكتب والمجلات التي لم يكن في استطاعتهم إدخالها على بيوتهم. وقد كان دلك تشجيعا لي على القراءة مند مرحلة الطفولة. أحيانا، حين كانت تستبد بي الرغبة بالاحتفاظ لأطول مدة ممكنة تمكنني من قراءة كاملة لكتاب من الكتب المودعة في حوزتي، كنت ألجأ إلى تمثيلية محكمة كثيرا ما تكررت بنفس الوثيرة ونفس الفعالية. فقد كنت انتظر الليل بفارغ الصبر لأحمل الكتاب الدي أود الاحتفاظ به إلى بيت الطفل صاحب الكتاب وأطرق بابه وامد له الكتاب وانا اعلم علم اليقين بأنه سيرفض تلقي الكتاب وأحيانا يرفض حتى الاعتراف بملكيته له إدا ما وقفت بجانبه إحدى أخواته البنات وبأنه سيقول لي وهو يدفع الكتاب ويدفعني خوفا من افتضاح أمره: "خُذه، ليس لي ما أفعله به!"... لم تكن هده الكتب غير دواوين نزار قباني وروايات سُومرْست مُوم وكُتب فريدريك كُوهن وصَبْري قباني وغيرهم... بعد قراءات الطفولة، جاء دور المكتبة البلدية كما جاء دور التبادل بالكتب مع الاصدقاء. وبهده الطريقة، قرأت الأدب الفرنسي واحببت فيكتور هوغو وألكساندر دوما الاكبر والبير كامو وفي الجامعة وَسّعْتُ قراءاتي وبدات أقرأ بلغة ثالثة هي اللغة الإنجليزية فقرأت في البداية لجورج برنارد شو وأرنست هيمنغواي وويليام فولكنر وفيرجينيا وولف ولغيرهم بعد دلك... صَبيحَة شُبّر: أنت عضو في عدد من الجمعيات الثقافية والأدبية؟ هل استطاعت تلك الجمعيات ان تقوم بما تأسست من أجله أولا، وفي الدفاع عن حقوق أعضائها ثانيا؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: لدي العديد من الملاحظات حول الأداء الجمعوي الثقافي وغير الثقافي وجميع تلك الملاحظات تتبعت معضلة أزمة الظاهرة الجمعوية بالبلاد النابعة من هيمنة السياسي على مرافق الحياة في البلاد من خلال استلهام روح العمل القبلي وعقلنة معجمه ومباشرة العمل على خلفيته. كما تهيمن أشكال تدبير الشان السياسي على جميع أشكال التدبير الجمعوي المدني... ولدلك، فأنا أوفر هده الملاحظات لغاية نضجها لإعلانها في بيانات تليق بالإعلان للرأي العام. صَبيحَة شُبّر: لقد حصلت على عدد من الجوائز؟ فما رأيك بحقيقة الجوائز الأدبية في العالم العربي؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الاعتراف بالجهود مهم بالنسبة للإنسان سواء اشتغل في المجال الادبي أو في غير مجال الأدب. والجوائز تأتي في هدا السياق كشكل من اشكال "التكريم" الدي يحتاجه بشكل خاص الكُتاب الشباب في انطلاقتهم كوافدين جدد على المجال لاثبات أهليتهم. والجوائز أشكال: فهناك جوائز التكريم والاعتراف بالمجهود، وهناك جوائز الاستقطاب ويطغى عليها الجانب الإيديولوجي، وهناك جوائز السيطرة على الأدب من خلال دعم إبداع بعينه، وهناك جوائز النهوض بحقل من الحقول الإبداعية كادب الطفل وأدب المرأة وأدب حقوق الإنسان... صَبيحَة شُبّر: حصلت على الإجازة في اللغة الانجليزية وآدابها ، في الوقت الذي تتقن فيه لغتين عالميتين هما العربية والفرنسية كيف تأتى لك الجمع بين اللغات الكبيرة الثلاث ،والمهارة في الترجمة منها واليها؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: مند صغري، شعرت بضرورة التمكن من اللغة الفرنسية ليس للدراسة فحسب وإنما لما بعد مرحلة الدراسة. فاللغة الفرنسية في المغرب هي "لغة النخبة". فخارج المجال الديني ومجال التعليم العمومي، لم تصل سياسة "التعريب" إلى باقي المجالات الحياتية في البلاد. أما اللغة الإنجليزية التي اخترتها عن حب والتحقت بالجامعة لدراسة آدابها، فرغم أنها اللغة العالمية الاولى، فإنها في المغرب ليست اكثر من "لغة الوسطاء" من مترجمين وغيرهم. أما اللغتين الإسبانية والإيطالية بالنسبة للمغاربة، فهما لغة "العمال المهاجرين" أو لغة "المرشحين للهجرة بنوعيها السرية والقانونية " نحو الديار الإسبانية والإيطالية. فيما تبقى اللغة العربية للباقي من المتبقى. ولا أدل عن هده المرتبة من كون كم الإصدارات الورقية السنوية المكتوبة باللغة العربية في المغرب يصل حد الثمانين 80 في المائة من مجمل الإصدارات بالبلاد يُباع منها عشرون 20 في المائة فقط. بينما كم الإصدارات الورقية السنوية المكتوبة باللغة الفرنسية في المغرب يصل حد الثمانين 20 في المائة من مجمل الإصدارات يُباع منها ثمانون 80 في المائة. على هده الخلفية، بدأت الكتابة الحرة في البداية باللغة الفرنسية ل"تقوية" لغتي الأجنبية الأولى في سن السادسة عشر من العمر. وسرعان ما شرعت في كتابة مقالات وخواطر ونصوص غير مصنفة بهده اللغة كما بدأت أكتب مذكراتي التي كان لها الأثر الأقوى على قراري دخول عالم الكتابة الادبية بصفة نهائية. بعد تجريب الكتابة باللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية، تحولت إلى الكتابة باللغة الإنجليزية في المرحلة الجامعية. ولأنني بدأت أفكر في الكتابة الحرة والقراء الحقيقيين، فقد غيرت اتجاهي إلى اللغة العربية وإلى الكتابة باللغة العربية، خوفا من إعادة إنتاج تجربة الكتاب الفرانكوفونيين المغاربة الدي يكتبون فولكلورا مغربيا بلغة اجنبية. أما انا فقد حسمت الأمر: "أريد ان أقول رأيي وأحرر خيالي وأفسح المجال لعواطفي بكتابة نصوص حقيقية تليق بقراء حقيقيين"... صَبيحَة شُبّر: ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر في العمل الأدبي، كي تقدم على ترجمته الى لغة أخرى؟ هل لعامل الصداقة، أم الإعجاب بالعمل وفنيته، أم توفر العاملين معا؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: أنا لست مترجما يعيش على الترجمة ويترجم كل شيء بما في دلك ترجمة العقود التجارية والوثائق الإدارية. أنا لا أترجم غير السرد. ولدلك فهدا هو شرطي البسيط والواضح في الترجمة : أن تكون المادة "سردية" وأن تمتثل ل"شروط السرد". صَبيحَة شُبّر: هل تجد ان المغرب العربي تفوق على المشرق في الأدب، بحيث نجد إن المغرب عاصمة القصة، وتونس عاصمة الشعر، والجزائر عاصمة الرواية؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: أنا سعيد بكوني "أول" من انتبه لهدا "التقسيم الجغرافي للأدب بالمغرب العربي". في البداية عارضني البعض ومنهم روائيون مغاربة وازنون ولكن الإحصائيات أثبتت صحة ملاحظتي. وانت تعلمين أن القصة القصيرة جدا لوحدها ﴿دون احتساب إصدارات القصة القصيرة العادية﴾ راكمت على مدى تسع سنوات فقط ثلاثين 30 عملا ما بين 2000 و2009 . فهل استطاع نوع ادبي آخر مراكمة نفس الكم في نفس المدة؟ وانا سعيد أيضا بكوني ساهمت إلى حد ما في تعميم هدا الوعي لدى كتاب القصة المغاربة الذين ضاعفوا، على هده الخلفية، جهودهم لتعزيز هدا الرهان، تنظيرا وإبداعا ونقدا وأرشفة... أما الحديث عن تراجع الشرق العربي عن الريادة الادبية فمرده، بالنسبة للمغاربة، إلى الوضع المأساوي في العراق وإلى تدني الحريات في الشام ومصر. وآداب هده الدول الثلاث هي ما نسميه هنا في المغرب ب"الأدب المشرقي". صَبيحَة شُبّر: أنت قاص ومترجم وباحث، أية من هذه الصفات تحب أن تكون الأولى حين التعريف بك؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: أنا كاتب في مجال السرد بالدرجة الأولى وأترجم النصوص السردية فقط لكن البحث العلمي سبيلي لإنارة الطريق ومعرفة اتجاه تقدمي وتحصيني من التيه. بل إنني قبل الشروع في أي مجموعة قصصية، فإنني أقوم ببحث في موضوع معين قبل تحرير النصوص القصصية. ففي المجموعة القصصية "في انتظار الصباح" انصب البحث الاولي على مفهوم الزمن، وفي المجموعة القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" انصب البحث على ظاهرة الهجرة، وفي المجموعة القصصية "هكدا تكلمت سيدة المقام الاخضر" انصب البحث على تجليات الكون الانثوية من المرأة والبيئة والشجرة، وفي المجموعة القصصية "موت المؤلف" انصب البحث على تيمة الموت، وفي المجموعة القصصية القادمة "وراء كل عظيم أقزام" سينصب البحث على مفهوم الاستبداد... البحث العلمي يعقلن رؤيتي للوجود وينظم إدراكي له. أما الكتابة الإبداعية فأحقق من خلالها داتي. صَبيحَة شُبّر: ما هي مهنتك ؟ وهل تجد إن المهنة تحول بين المبدع وبين مواصلة الإبداع بالشكل الذي يرتضيه؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: مند تخرجي من الجامعة في بداية التسعينيات، وأنا أشتغل بحقل التدريس. وهدا بالفعل يقلل من قدراتي على العطاء في المجال الدي أحبه، مجال "الثقافة والإبداع". أما الحل فيبقى هو "التفرغ" الدي يمنح صناع "الإجماع والتوافق" من السياسيين والنقابيين ولكن يحرم منه صناع "الاختلاف والتعددية والحرية"، المثقفون. صَبيحَة شُبّر: ما هي مشاكل المبدع العربي؟ مما يؤدي إلى عرقلة العملية الإبداعية والتأثير السلبي عليها؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: المشاكل عديدة: الحرمان من الوضع الاعتباري، ضيق عدد القراء، تفشي الأمية، تقزيم الحضور الثقافي على وسائل الإعلام العمومية العربية وتاجيل البرامج الثقافية إلى أوقات متاخرة من الليل في رسالة واضحة: "الثقافة والإبداع مجرد أحاجي صالحة للتعجيل بالنوم"... صَبيحَة شُبّر: أضحى المبدع وحيدا، لا أحد يستمع إلى ألحانه الفريدة، كيف برأيك يمكن ان ندعمه؟ ما المؤسسات التي تستطيع أن تقوم بذلك الدعم؟ وهل يجب أن تتولى الحكومات هذه المهام؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: سلطة المبدع من سلطة المثقف. وسلطة المثقف ينقصها وعي المثقف بأهميتها. إن ازمة المثقف العربي حاليا يتقاسم واقعها المثقف داته والنظام العربي القائم. فمن جهته، لا زال المثقف ينآى بنفسه عن إعلان مواقفه والجهر بها ويخشى خوض معارك هي من صميم العمل الثقافي. ومن جهة النظام العربي، فلا زال وفيا لتغليب كفة السياسي على الثقافي والارتهان في سعيه للخلود في السلطة إلى الرأسمال البشري والرأسمال المالي بدل الرأسمال الرمزي.
صَبيحَة شُبّر: ما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: المبدع في مسيس الحاجة إلى الدعم المادي وإلى الدعم الرمزي. فعلى المستوى الأول، المستوى المادي، يوجد في المغرب 1500 جماعة ما بين حضرية وقروية يحرص رؤساؤها ومستشاروها على السواء على المواظبة على الترشح لولوجها او للخلود فيها لكن لا أحد منهم يحرص على دعم الكتاب. فلو اقتنت جماعة من كل هده الألف وخمسمائة 1500 جماعة كتابا واحدا حديث الصدور لطبع كل كاتب على الأقل 1500 الألف وخمسمائة نسخة تباع مباشرة من المطبعة ولروج عن طريق شركات التوزيع 1500 أخرى وهو ما يرفع حجم المبيعات إلى 3000 نسخة في المتوسط وهدا ما لا يحدث... ومن جهة أخرى، عوض دعم الكاتب تحول وزارة الثقافة دعمها له إلى الناشر الدي على الكاتب إيداع مخطوطه لديه وتحديد عدد النسخ التي سيسحبها و... و... و... أما على المستوى الثاني، المستوى الرمزي، فالمبدع بحاجة لا تقبل المزيد من اللامبالاة او التاجيل إلى "الاعتراف بوضعه الاعتباري". صَبيحَة شُبّر: نلاحظ ان الناس قد تخلوا عن الكتاب ، الآن، وفي العقود القليلة الماضية ، ما هي الأسباب برأيك عن هذا التخلي؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الأسباب متعددة ولكنها جميعها نتيجة صناعة عربية "واعية". فمنها "صناعة الأمية" التي تفننت فيها بعض الانظمة العربية على مر التاريخ القديم والحديث، والتي لم تتحرك هده الأنظمة لتصحيحها إلا بلكز من المجتمع الدولي والتصنيفات الدولية المهينة والتي غالبا ما كانت تضع الدول العربي في الحضيض. ومنها أيضا "صناعة العزوف عن القراءة" الدي يمثله قدماء التلاميد وخريجو الجامعات الدين يربطون القراءة بساعات الدراسة ومدة التتلمد داخل البنايات التعليمية. ومنها كدلك "صناعة المواضيع التافهة" لجعل المواطن "يبدو للناظرين يتحدث وهو لا يتحدث" كالمواضيع المرضية المرافقة لبطولات كرة القدم التي بدأ تشجيعها في المغرب مع بداية الثمانينيات... صَبيحَة شُبّر: وكيف يمكن ان نعيد للقراءة الأدبية ألقها القديم الذي كان سائدا؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الأمر لا يحتاج إلى أكثر من تخلي السياسي عن مضايقته للمثقف ومن الغيرة من المثقف ومن الخوف من المثقف ومن العطش المرضي لإلحاق المثقف به. إنها ل"علامة من علامات الاستبداد" أن يقود السياسي الثقافي والديني والرياضي والاقتصادي والدنيوي والأخروي... وما ثقافة إغراء المثقفين بالمناصب وسياسات اختراق التنظيمات الثقافية وحملات التشويش والتمييع والإشاعات إلا دلائل على بطش السياسي الدي "لا يستحق أن يقود الثقافي" والدي "عليه أن يتواضع ويأخد مكانه الطبيعي كَمُوجد لقنوات تفريغ الثقافة وتسهيل مُرُورها ليس إلا". وهدا بالضبط ما يحدث في الدول المتحضرة والدول المتقدمة والدول الديمقراطية. وفي غياب تنحي السياسي عن "الانقلاب" الدي قاده مند قرون، يستعصي الحديث عن "عودة القراءة"، اللهم عودة القراءة لدى النخب التي لم تكن في يوم من الايام متضررة من الأمر. صَبيحَة شُبّر: ماذا يعني الالتزام الأدبي لديك ؟ وهل يشكل ذلك اعتداء على القيمة الفنية؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الالتزام عندي داخلي: الالتزام بمصالحة الشكل بالمضمون مادا نقصد ب"الالتزام"؟ هل نقصد به "الالتزام بموقف سياسي محدد"؟ هل نقصد به "الالتزام مع سلط الخارج" أم "الالتزام مع متطلبات الداخل"؟ أنا ممن يميلون للخيار الأخير، خيار "الالتزام مع متطلبات الداخل" الدي دافعنا عنه بكل قوة وبكل وضوح في كل الأجزاء الثلاثة من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" وعلى مدى ثلاث سنوات 2006-2007-2008 وسنبقى اوفياء لهدا الخيار. إنه "خيار توحيد الشكل الداخلي بالمضمون الداخلي للنص الأدبي". وربما قرأت في القراءات العاشقة للنصوص الخمسين المشاركة في الأجزاء الثلاثة من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" ما يوضح الأمر ويؤكده. صَبيحَة شُبّر: هل تفكر بالقارئ أثناء كتابتك؟ وأي نوع من القراء يشغلك؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: إدا كان الامر يتعلق بالكتابة للدات، فيمكن آنداك للكاتب توفير الجهد في الكتابة وتوفير صرف الاموال في الطباعة وتوفير التحميص في الخرائط ونقاط التوزيع في البلاد... من خلال الاكتفاء بجعل مواده الإبداعية تسرح كما كانت دوما في خياله. أما أنا فأكتب لغيري وأستحضر هدا المُخاطب قبل الشروع في كتابة النص: "إنه أشبه بتوزيع أدوار بين لاعبي فريق قبل بداية المباراة". صَبيحَة شُبّر: أنت كاتب نتي وورقي ، أيهما الأفضل لديك؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: النشر الرقمي بالنسبة لي هو"بوابة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء" وهو "وسيلة للدهاب أبعد مما تصله أسرع الطائرات" وهو أيضا "عتبة لولوج عالم النشر الورقي"، بكل صراحة. بالنسبة لي، لا زال النشر الورقي أكثر مصداقية لتوفره على أركان المصداقية: مرور المنتوج الثقافي والإبداعي عبر لجان القراءة قبل الخروج لعالم النشر، وامتحان المقرووئية من خلال زبناء المكتبات والاكشاك، واعتماده دون غيره كمرجع لدى الباحثين في الجامعات... صَبيحَة شُبّر: هل يمثل الانترنت رافدا جيدا للإبداع؟ وهل استطاع الانترنت أن يسحب البساط من تحت أقدام المطبوعات الورقية؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الإنترنت تبقى، بكل تأكيد، عاملا جديدا وهاما لإغناء الإبداع الإنساني من خلال: دعم تواصل المبدعين في شتى بقاع الأرض وتبادل قراءة النصوص والاطلاع على المستجدات الادبية في حينها وربط شبكة علاقات نوعية من كل بلدان العالم... أما عن سحب الإنترنت للبساط من تحت أقدام المطبوعات الورقية، فأعتقد بأن هدا الرهان سيبقى رهانا بعيد المنال مادام النشر الورقي حاليا هو غاية كل الأدباء "الرقميين" بدون استثناء. صَبيحَة شُبّر: هل تؤمن بان الأدب قادر على المساهمة في صناعة رأي عام ؟ وكيف يمكنه ان يقوم بهذه المهمة؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: أعتقد بأن تشكيل رأي عام مهمة الإعلام العربي. أما مهمة الادب فتبقى هي مد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات. فلكل دوره ولكل مجال اشتغاله. صَبيحَة شُبّر: ما طقوس الكتابة لدى المبدع مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني؟ وهل هذه الطقوس تكون واحدة في كتابة الأنواع المتعددة التي تتقنها؟ أم ان لكل جنس أدبي طقوسه؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: لا أكتب بانتظام ولا اكتب في وقت بعينه ولا في مكان محدد... كل ما استطيع قوله هو أنني أسجل أفكاري وملاحظاتي في أي وقت وفي كل مكان على قصاصات ورق وأحتفظ بها حتى غدا ما اجتمع لدي العديد من القصاصات وزعتها على ملفات بحسب المواضيع المتواترة فيها وبهده الطريقة أجمع نصوصي القصصية وحين اجلس في العطل للكتابة لا يتطلب مني الأمر تفكيرا كبيرا في البدايات والنهايات وإنما يتطلب مني جهدا في التنسيق فحسب. بهده الطريقة نميت منهجي المعروف ب "الكتابة بالمجموعة القصصية" أو "الكتابة بالتيمة القصصية". ففي كل مجاميعي القصصي تهيمن تيمية مركزية على كل نصوص المجموعة. ففي المجموعة القصصية "في انتظار الصباح" يبقى الانتظار وصورة الزمن الراكد هو التيمة الرئيسية لكل النصوص الاربعة عشر، وفي المجموعة القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" تبقى الهجرة هي التيمة الرئيسية ، وفي المجموعة القصصية "هكدا تكلمت سيدة المقام الاخضر" تبقى المرأة وتجليات الكون الانثوية هي التيمة الرئيسية، وفي المجموعة القصصية "موت المؤلف" يبقى الموت هو التيمة الرئيسية، وفي المجموعة القصصية القادمة "وراء كل عظيم أقزام" يبقى الاستبداد هو التيمة الرئيسية لكل النصوص السبعة عشر ... صَبيحَة شُبّر: لك عدد من المطبوعات ، هل ترى أن حركة النقد مواكبة للإبداع، وما هي برأيك أسباب تأخر الحركة النقدية، وهل يمكن ان تقدم هذه الحركة إضافة نوعية للإبداع؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: في البيان الثاني لإعلان "المدرسة الحائية"، مدرسة القصة العربية الغدوية، المنشور رفقة باقي البيانات ضمن مواد الجزء الثالث من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة" على الصفحة 32، نقرأ هدا التدقيق الهام بين طبيعة واختصاصات كل من "المبدع" و"الناقد" و"الأكاديمي": "المبدع" هو صاحب رأي وحامل قلم اختار "الثورة على كل المراجع وكل المرجعيات" وبدلك لم يعد مطالبا بالإدلاء بلائحة المراجع أو المصادر التي اعتمدها في عمله سواء كان هدا العمل ديوانا شعريا أو مجموعة قصصية أو رواية أو مسرحية. إنه لا يحتاج لمراجع وما ينبغي له دلك ما دامت إنتاجاته الإبداعية خرجت للوجود لتتبوأ أعلى مكانة في سبورة "المَرَاجِع" وتقدم نفسها ك"مَصَادِر أدبية". ف"المبدع"، والعرب يتحاشون تسميته "خالقا" كما في كل ثقافات العالم Creator/Créateur، "يخلق" عوالم جديدة و"يبدع" فيها إما بالكلمة أو الريشة أو النغمة... المبدع يقدم طروحاته من خلال منجزه الإبداعي وهو بدلك يعطي المثال في الكتابة ويوسع أو يغير أفق القراءة والنقد عكس الناقد الذي يقدم طروحاته النقدية ورؤاه لما ينبغي أن يكون عليه الإبداع الأدبي ولكنها تبقى دائما مشاريع في انتظار من يمكنه، من بين المبدعين، الاشتغال عليها وتحقيقها وإخراجها للوجود لأن الناقد لا يستطيع أن ينتج نصوصا إبداعية. إن "الناقد" هو أكاديمي اختار دراسة واختبار النصوص "المفردة" والأعمال "المفردة" لكاتب "بصيغة المفرد" وفق منهج نقدي محدد وعلى ضوء مدرسة نقدية بعينها. لذلك، كان تحديد المرجعيات هام للغاية بالنسبة للناقد. وأما "الأكاديمي" فلا يمكنه أن يكون "ثائرا" كالمبدع. إنه أكثر الثلاثة التزاما بالتدقيق وأكثرهم انضباطا للمراجع والمصادر. كما أن الأكاديمي، عكس الناقد، لا يدرس الأعمال الفردية. إن مهمة الأكاديمي هي "حفظ" الحصيلة الادبية وصون المكتسبات التي وصل إليها الإبداع والنقد في كل مرحلة من مراحل تطور الادب لتنطلق منها التجارب اللاحقة، الإبداعية منها والنقدية. إن مهمة الأكاديمي أقرب إلى مهمة ال"سكريبت-غورل" Script-Girl في فريق التصوير السينيمائي. فإذا كانت مهمة الإبداع هي "فتح آفاق جديدة للكتابة" ومهمة النقد هي "اختبارها والتأشير عليها"، فإن مهمة الأكاديمي هي "حفظ" هذه المكتسبات و "أرشفتها" و"تدريسها" للطلبة لتصبح "واقعا أدبيا". "الأكاديمي"، إذن، ينتظر دائما إسهامات المبدعين والنقاد لإيداعها بنوك الإنتاجات الرمزية وتحويلها إلى كنوز وتدريسها للأجيال القادمة. إن الأكاديمي هو ناقد "بصيغة المفرد" لإنتاجات أدبية "بصيغة الجمع". لدلك، يغلب على الأكاديمي التوجه لتحقيق النصوص وإعداد البيبليوغرافيات والتأريخ للأدب وغير دلك. لكن الأكاديمي باستطاعته أن يصبح "ناقدا" كلما "حصر" مجال اشتغاله على نصوص فردية أو أعمال فردية لكاتب بصيغة المفرد. إن هذا التدقيق بين هؤلاء الفاعلين الثلاثة في حقل إنتاج الأدب، "المبدع" و"الناقد" و"الأكاديمي"، هام للغاية قبل الانتقال إلى مدارس تكتلهم. فلِكُلٍّ "مدرسته" ومجاله وأفقه وأدوات اشتغاله: يتجمع الأكاديميون في الأكاديميات أو المعاهد كال "كوليج دوفرانس" مثلا. أما النقاد، فيتجمعون في مدارس نقدية ك "الشكلانية" و"البنيوية" و"ما بعد البنيوية" و"التفكيكية". بينما يتجمع المبدعون من الأدباء في مدارس أدبية إبداعية ك"الواقعية" و"الرومانسية" و"الطبيعية" و"الرمزية" و"السيريالية" و"الوجودية" و"الملحمية" و"العبثية"... وبمقابلة "المدرسة الأدبية الإبداعية" مع "المدرسة النقدية"، يمكن استخلاص مجموعة من الفروقات الهامة: ف"المدرسة الأدبية الإبداعية" تستشرف المستقبل وتعمل باستمرار على "رفع سقف التعبير الإبداعي"، أما "المدرسة النقدية" فتنكب على دراسة المعطيات المتوفرة في الزمن الحاضر وتعمل جاهدة على "ضبط الإنتاج الإبداعي" وإخضاعه لأدوات نقدية جاهزة وثابتة؛ كما أن "المدرسة الإبداعية" تبدأ حركة إبداعية "في الهواء الطلق" لتترسخ كمؤسسة رمزية قائمة على أرض الواقع وممتدة في الزمن إنها ترى النور بين أيدي القراء ثم ترسم طريقها نحو المؤسسات العلمية عكس "المدرسة النقدية" التي تخرج من رحم المؤسسات والجامعات وتخاطب الطلبة قبل أن تتواصل مع القراء... وتبعا لذلك، يمكن التمييز بين مشاريع إبداعية ومشاريع نقدية ومشاريع أكاديمية. كما يمكن، تأسيسا على هذا التقسيم المؤسسي لمدارس تكتل المبدعين والنقاد والأكاديميين، رصد "ملاحظات هامة" تخص المبدعين دون سواه من الفاعلين الآخرين وتهم الإنتاج الإبداعي الأدبي دون غيره من الإنتاجات النقدية أو الأكاديمية. وأهم هذه الملاحظات: 1)- ضعف التواصل بين المبدعين المغاربة وضعف الاعتراف المتبادل بينهم. 2)- اعتماد المبدعين على النقاد والأكاديميين لإنارة الطريق لهم بما جادت به البحوث والرسائل والأطاريح الجامعية. 3)- غياب الوعي المؤسسي لدى المبدعين كالوعي بأهمية تأسيس مدارس إبداعية مرجعية... ولكل هده الأسباب، جاءت "المدرسة الحائية" مدرسةَ مغربيةَ للقصة القصيرة يؤطرها كتاب القصة القصيرة المغاربة دون سواهم من باقي الفاعلين في الحقل الأدبي ويلهمها في دلك المشترك الجمالي والمضاميني للإنتاج القصصي القصير المغربي دون غيره من الإنتاجات الأخرى". إننا، من خلال هده البيانات التأسيسية ل"المدرسة الحائية" مدرسة القصة العربية الغدوية، نسعى ل"عودة توازن السلط" بين المبدع والناقد والأكاديمي، كما نسعى لتقوية المجال الإبداعي بدعم اعتماده على نفسه اولا ثم انفتاحه على غيره ثانيا. وفي هدا الصدد، أسسنا لتقليد قديم- جديد، "القراءة العاشقة"، التي ينجزها الكتاب عن أعمال بعضهم البعض؛ كما دافعنا عن ضرورة قيام مدرسة إبداعية تؤطر الإبداع وتعقلنه فكانت "المدرسة الحائية" والبقية تاتي. صَبيحَة شُبّر: هل وَلج مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني عالم الفن الشعري؟ ومتى كان ذلك؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الكثير من الأصدقاء المبدعين والنقاد وجدوا في نص "عاشق" المنشور ضمن مواد الجزء الثاني من "الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة" سنة 2007 نصا شاعريا. أما عن الشعر، فأعتقد بأنني لم اكتب في حياتي غير بيتين شعريين في مرحلة الاعدادي. ولأن التجربة كانت في الشعر العمودي، فاتدكر جيدا سلطة القافية التي اخترتها للقصيدة والتي حالت دون حريتي في التفكير والتعبير إد لم اتقدم اكثر من بيتين شعريين. ولأنني عانيت كثيرا في قصيدتي الاولى فقد حملت معاناتي معي لمدة طويلة وكنت كلما فكرت في كتابة والتعبير من خلال جنس الشعر حولت الاتجاه مباشرة إلى جنس ادبي آخر استقر في النهاية في السرد بعدما جربت مغامرة لم تطل الكتابة في المسرح أيضا. صَبيحَة شُبّر: ما رأيك بالترجمة ؟ وما وسيلة المبدع العربي كي يصل الى العالم؟ ومن يقوم بهذه المهمة الخطيرة؟ الا تجد ان الترجمة أصبحت خاضعة للعلاقات الشخصية؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الترجمة وسيلة تواصل بين الشعوب وعامل إنقاد للثقافة من الغرق والحرق والإتلاف والضياع من خلال إيداعها بنوك التاريخ الثقافي. فلولا الترجمة العبرية لأعمال الفيلسوف العربي ابن رشد، لضاعت "الرشدية" إلى الأبد. إن الترجمة جسر للتواصل مع الآخر ووسيلة البلدان للتعريف بدواتها كما انها وسيلة المبدعين للوصول إلى قراء العالم . لكن، على المستوى العربي، تخضع الترجمة حاليا للعمل التطوعي، في ظل غياب المؤسسية. وربما لهدا السبب قد تسقط الترجمة في فخ العلاقات الشخصية... صَبيحَة شُبّر: ما رأيك بالمقولة "الأدب الجيد يفرض نفسه" هل يستطيع الأديب ان يجد القاريء المنصف، بدون مساعدة الإعلام؟ وهل سببت هذه المقولة ضياع الكثير من المواهب؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: الفن الجيد مثل الادب الجيد يفرض نفسه. ففنان عبقري مثل "أليساندو بوتيتشيلي" Alessandro Botticelli لم يُعَدْ اكتشافه إلا مع القرن التاسع عشر، وأديب عملاق من حجم "وليام شيكسبير" William Shakespeare لم يطفو للسطح إلا مع القرن التاسع عشر، مع ثورة الرومانسيين على المدرسة الكلاسيكية ومعايير النقد الكلاسيكية التي أقبرت شكسبير لمدة ثلاثة قرون... الأدب الجيد يفرض نفسه. هدا صحيح. ولكن الأدب الجيد لا يفرض نفسه بالاعتماد على قواه الخالصة فحسب، فلا بد من قراء حقيقيين ولا بد من حركية ادبية حقيقية ولا بد من إعلام حقيقي ولا بد من تدريس حقيقي للأدب الحقيقي... صَبيحَة شُبّر: ما جديد المبدع مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: جديدي، بصيغة الجَمْع، هو كتاب "عندما تتحدث الصورة" الدي أراهن أن يكون "اول سيرة ذاتية مصورة في تاريخ الادب والفن الإنسانيين" وسيصدر في شكل مجلد يحتوي على مائتي صورة فوتوغرافية موزعة على مائتي صفحة من القطع الكبير بحيث ثثقدم السيرة زمنيا وسرديا بقيادة الصورة التي "تقدم" الحكاية في البداية ثم "تؤزمها" بعد دلك ثم "تختمها" في عرض سردي "شذري". فالصورة في هدا الكتابة هي "مُوَلدة" الأحداث وتطورات الاحداث... أما المجموعة القصصية "وراء كل عظيم أقزام" التي تتمحور حول تيمة "الاستبداد" فتتوزع على سبعة عشر نصا قصصيا قصيرا. فيما ثبقى "حوار جيلين" مجموعة قصصية مشتركة مع الأديب المغربي إدريس الصغير بحيث يوقع كل منا سبعة نصوص في مجموعة قصصية عدد نصوصها أربعة عشر نصا. أما فيما يتعلق بالقصة القصيرة جدا، فسيكون أول إصداراتنا "خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحب" تليها "خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحرية" وبعدها "خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحلم". أي ما مجموعه 150 قصة قصيرة جدا موزعة على ثلاث مجموعات. صَبيحَة شُبّر: ما الكلمة التي تحب توجيهها لمن يقدم على النشر لأول مرة؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: في هدا العالم ليس هناك طريق واحد "يجب" سلوكه بل عدة طرقات لا تتطلب أكثر من الإرادة على خوض المغامرة كما انني لست في موقع يسمح لي توجيه النصح والتوجيه ولكن لي طريقة سلكتها ولا زلت مواظبا عليها سأقولها لمن يراها طريقا مناسبا له ايضا. فقد كنت دائما أكتب وأحتفظ بنصوصي بعيدا عن العيون بما فيها عيني أنا. وبدلك، كنت استمر في الكتابة دون أدنى استعجال للنشر. بهده الطريقة، عند عودتي لنصوصي القديمة ومسوداتي المنسية كنت اجد نفسي على مسافة مع نصوصي بين يدي. آنداك فقط استخلصت "نسقي الجمالي والفكري" من خلال المواضيع المتكررة في نصوصي واسلوبي المتكرر. وآنداك فقط أمكنني الشروع في إعادة تصحيح النصوص وتعديلها وفق الفلسفة التي أصبحت تميزني وتميز نصوصي... إن من يستورد الانساق الجمالية والفكرية من الخارج محكوم عليه بالتبعية ومحكوم على نصوصه بالتعليب. صَبيحَة شُبّر: ما السؤال الذي كنت تتوقع ان اطرحه ، ولم أفعل؟ مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني : يبدو انك أنصت بما فيه الكفاية لنبض عقلي وقلبي قبل صياغة الأسئلة لدرجة لم تتركي لي سؤالا واحدا تائها في احتياطي من الأسئلة وعلامات الاستفهام. صَبيحَة شُبّر: كلمة أخيرة، عزيزنا المبدع. مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني: أشكرك على هدا البساط السحري الممتع الدي اتحت لي من خلاله التجوال في كل الاتجاهات. لقد كان حوارا ممتعا أدكاه دكاء وخبرة ومهارة كاتبة زميلة وصديقة عزيزة أكن لها كل الود وكل الاحترام.