تعاملت أمريكا مع شهرام أميري، الذي تصفه بكونه جاسوسها السابق في إيران، كما لو كان جوربا قديما مثقوبا لبسته لفترة من الزمن وقامت بالتخلص منه بأرخص طريقة ممكنة. فقد تسابق عدد من المسؤولين في أجهزة الاستخبارات المختلفة على التصريح لصحف «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» بأن أميري كان جاسوسا «نائما» في طهران لأكثر من خمس سنوات قبل أن يطلب الخروج من بلاده وتنقله وكالة الاستخبارات الأمريكية من العربية السعودية إلى ولاية أريزونا، حيث أدلى بتفاصيل دقيقة عن البرنامج النووي الإيراني، ويقبض شيكات سمينة تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار. كما سارعت وسائل الإعلام الأمريكية إلى رسم مسار الجاسوس الإيراني في أمريكا ونبشت في الأماكن التي عاش فيها ورسمت صورة مهزوزة لعالم نووي فر من إيران من أجل العيش في «الجنة» الأمريكية، لكنه فشل في الاندماج وتذكر فجأة أن له طفلا وزوجة يحبهما في طهران وقرر العودة إلى بلاده! هذا «الإسهال» الإعلامي، الذي أصاب أمريكا في قضية الجاسوس شهرام أميري، يفضح بجلاء غضبا مكتوما تجاهه ورغبة لئيمة في تشويه صورته وزرع بذور الشك في عقل الحرس الثوري الإيراني الذي استقبل أميري كالأبطال أمام عدسات الإعلام لكنه يعمل على استجوابه في الأقبية المظلمة كي يفهم تفاصيل الرواية البوليسية التي قال أميري إنه عاشها منذ اختطافه من مكةالمكرمة وحتى لجوئه إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن. أمريكا أحست بالإهانة عندما فشل جاسوسها في الاندماج في المجتمع الأمريكي والعيش في البيت المتهالك الذي أجّرته له شمال ولاية فرجينيا بعدما رفض البقاء في ولاية أريزونا الصحراوية. كما شعرت بإهانة أكبر عندما انتفض جاسوسها ضد مماطلتها في صرف شيكات بقيمة خمسة ملايين دولار وأخبرته بأن تلك الملايين ستصرف على مدى سنوات طويلة، وأن عليه أن يبحث عن طريقة يعيش بها لأن العم سام لا يصرف على عملائه بسخاء! الإهانة الثالثة التي تلقتها أمريكا كانت عندما أصر أميري على العودة إلى بلاده بالرغم من الخطر الذي يحدق به هناك، ولهذا فتحت له باب السفارة الباكستانية في واشنطن بعدما اعتصرت منه آخر المعلومات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والقدرات العسكرية لطهران، لكنها دقت أبواب الصحف الأمريكية الكبرى بسرعة البرق من أجل كشف هويته ونشر تفاصيل مملة عن المعلومات التي أدلى بها للاستخبارات الأمريكية. واشنطن تعاملت مع شهرام أميري كَجوْرب قديم ومثقوب لبسته لسنوات، استخدمته للحصول على معلومات تقنية حول البرنامج النووي الإيراني لاستعمالها في المحافل الدولية في معركتها الشفوية ضد طهران، وما إن بدأ الجاسوس في التمرد حتى رمته بطريقة رخيصة وكشفت هويته أمام العالم وعرّضت حياته للخطر. تعامل أمريكا مع هذا الجاسوس درس عميق للعملاء والخونة حول العالم الذين يعتقدون أنهم يحظون بحماية «العم سام» وسيستمتعون بصرف دولاراته في المستقبل. العم سام لا يدفع كثيرا ولا يدفع طويلا وصبره ينفد سريعا ولا يتردد أبدا في التخلص من عملائه وجواسيسه كما يتخلص من جواربه القديمة!