خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالان.. الرباط مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبطان سفينة «مرمرة» يروي تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية»
أطلق الجنود الصهاينة النار بدون سابق إنذار ومنعوا الأطباء من تقديم الإسعاف للمصابين
نشر في المساء يوم 11 - 07 - 2010

محمود تورال، اسم سيسجله التاريخ في ذاكرته، مطبوعا بأحرف عبقة بالشجاعة والشموخ.. شاب في ال36 من عمره.. عندما قبل قيادة سفينة «مافي مرمرة» كان هدفه
دعم الهدف النبيل الذي سيبحر من أجله الأسطول. ورغم معرفته المسبقة بالمخاطر المترتبة عن تلك الرحلة، وتداعياتها على حياته المهنية، خاصة أن التهديدات الإسرائيلية والبروباغندا، التي أطلقتها تجاه المشاركين في الأسطول، كانت تتهم المشاركين بدعم حماس وغير ذلك، فقد قرر متابعة المهمة إلى النهاية. القبطان محمود تركي من أصل شركسي، يتمتع بشخصية قوية، وقد واجه خلال مسيرته المهنية الموت مرارا وتكرارا. تخرج من قسم الهندسة البحرية من جامعة إسطنبول عام 1997، وكان قبطانا لسفن الشحن عدة سنوات ، وتعتبر سفينة «مافي مرمرة» أولى سفينة ركاب يقودها.
يحكي تورال قصة مشاركته في الأسطول قائلا: «كنت أعمل على متن سفينة شحن قبل أن أقرر أخذ إجازة، وكان ذلك قبل 20 يوما من الإبحار على متن سفينة «مافي مرمرة«. عرض علي هذا الموضوع أحد أصدقاء الدراسة المقربين، وهو يعمل في السلك البحري في إحدى المؤسسات بمدينة إسطنبول. استحوذ الهدف النبيل لهذه الرحلة وفرادتها على اهتمامي، لأنها تجسد إرادة وتصميما على رفع الظلم على الضعفاء. كان شرطي الوحيد هو أن يرافقني في هذه الرحلة اثنان من الأصدقاء القدامى، كقبطان ثان والمشرف الرئيسي على الآلات. وقد رافقت هذا الأخير كل من زوجته وابنه الذي يبلغ عاما وبضعة أشهر، وقد كان أصغر راكب على ظهر السفينة.
ويشرح تورال كيف أن «مافي مرمرة» كانت تقود الأسطول، لأن إمكانياتها التقنية كسفينة ركاب كبيرة الحجم خول لها ذلك، فهي ذات سعة تبلغ 600 راكب، وكانت تقل 561 راكبا، إضافة إلى 29 من أفراد الطاقم، مما جعل العدد الإجمالي للركاب، الذين كانوا على متنها عندما هاجمها الكوماندو الإسرائيلي يناهز590 راكبا، منهم ما يقارب 200 أجنبي من أكثر من 32 دولة. ويقول تورال معلقا على هذا الموضوع: «في الوهلة الأولى كنت أظن أن الشعب التركي فقط يحمل هذا السخط الكبير على ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين، لكن لم أتوقع أن يكون هذا السخط كبيرا عند شعوب الدول الأخرى الأجنبية. كما لم أكن أعرف أن كل هذا الدعم كان موجها لمثل هذه المهمة، مما جعلني أصاب بدهشة كبيرة وفرحة مضاعفة. وعند الاعتداء الإسرائيلي علينا، نجحنا في تسليط الضوء أكثر على معاناة شعب بأكمله في تلك البقعة من العالم التي يتناساها المجتمع الدولي.»
و يتابع تورال معلقا على التهديدات الإسرائيلية التي رافقت الرحلة حتى قبل انطلاقها: «قبل خروجنا في هذه المهمة الإنسانية، كنا نعرف موقف إسرائيل من هذا الموضوع مسبقا. حتى أن المسؤولين الإسرائيليين صرحوا بأنهم سيستخدمون نصف جيشهم العسكري البحري لإيقافنا. وقد وضعنا كل الاحتمالات في حسابنا. كان هدفنا كسر الحصار عن غزة. لكن طبعا ليس بشكل أعمى أو بشكل عشوائي. و قد خططنا للوصول إلى ميناء غزة مهما تطلب الأمر، حتى أننا أخذنا احتياطاتنا فيما يخص المؤونة لثلاثة أشهر. لكننا لم نتوقع أبدا مثل هذا الاعتداء المتوحش والسافر في عرض المياه الدولية. وقد بدأت أول تدخل عندما كنا على مسافة 73 ميلا. وعندما سيطروا على السفينة كنا على مسافة 85 ميلا من الضفاف الإسرائيلية. وحسب القوانين الدولية، فهذه المسافة تعتبر مياها دولية، ولم نكن بشكل أو بآخر قريبين من حدود مياه إسرائيل الإقليمية. وقد أعلنت إسرائيل مسافة 20 ميلا من غزة منطقة محظورة.. منطقة حصار.. وبعد ذلك وسعت المسافة لتصل إلى 40 ميلا. وقبل انطلاقنا، أعلنت بشكل رسمي، وبطريقة غير شرعية، أن المنطقة منطقة مناورات عسكرية على مسافة 68 ميلا، وقد بقينا عن قصد بعيدين عن دائرة ال70 ميلا لكي لا يكون لها أي عذر لاتهامنا بانتهاكنا حدود تلك المنطقة. وعند أول اتصال لهم بنا في الساعة العاشرة و النصف من ليلة الأحد 30 ماي 2010... في هذه الأثناء كان مسارنا 222، وهو طريق باتجاه جنوب الغرب.
تفاصيل الهجوم
يبدأ القبطان تورال بسرد تفاصيل الهجوم قائلا: «بدأ الإسرائيليون أول اتصالاتهم معنا على الساعة العاشرة والنصف ليلا يوم الأحد 30 ماي 2010، في عرض المياه الدولية، وطلبوا مني التعريف بنفسي وبوجهة السفينة. طبعا أخبرتهم باسمي وبأننا متوجهون إلى غزة، فأمرونا بتغيير وجهتنا وأخبرونا أن المياه الإقليمية لغزة هي منطقة حصار، لكنني أخبرتهم أننا في المياه الدولية، وليس لهم أي حق ليأمرونا بتغيير وجهتنا، لا نحن ولا أي سفينة أخرى. طريقنا أصلا لم يكن باتجاه «إسرائيل. وعند الساعة الحادية عشرة و عشرين دقيقة أخذنا طريق 185، وهي لا تذهب باتجاه الضفاف الإسرائيلية لأن وجهتنا كانت باتجاه الجنوب الغربي، فواصلوا الاتصال معنا إلى حدود الساعة الثانية من صباح يوم الاثنين 31 ماي 2010. بعد ذلك لم نتلق أي اتصالات ولا إنذارات منهم، وقد زعم الإسرائيليون أنهم طلبوا منا التوقف، لكننا لم ننصع لأوامرهم، لهذا بدؤوا الهجوم. وهذا طبعا كذبة واضحة لأن كل الدلائل تؤكد أنهم لا يقولون الحقيقة». ويتابع: «على الساعة الرابعة والنصف صباحا، وبدون أي اتصال ولا أي إنذار بدؤوا بإطلاق النيران علينا، وعندما لم يستطيعوا الوصول إلينا من زوارقهم، قاموا بإنزال جنودهم من مروحياتهم العسكرية وهم يواصلون إطلاق النيران. كانت السفينة محملة بالمدنيين، فنحن سفينة ركاب، وبسبب الرصاص الذين أمطرونا به، وهو ذخيرة حية، فقد عدد من المتضامنين حياتهم. وردا على زعمهم بأن المتضامنين استولوا على أسلحة الجنود وهاجموهم بها، فهذه كذبة أخرى تنضاف إلى قائمة كذبهم . نحن لم نتوقع أن ينزلوا من فوق مطلقين النيران. وعندما أسرنا ثلاثة من جنودهم، قمنا بتجريدهم من أسلحتهم ورميناها في عرض البحر. لم تكن هناك أي مقاومة من المتضامنين تستدعي التدخل الوحشي للجنود الصهاينة، فما حدث أنهم بدؤوا بإطلاق النيران، ومن الطبيعي عندما نواجه اختطافا وقرصنة واعتداء في المياه الدولية يكون من حق المتضامنين الدفاع عن أنفسهم، مستعينين بالمكنسات ومثيلاتها للدفاع عن أنفسهم، والمضحك في الأمر أن الإسرائيليين عندما سيطروا على السفينة قاموا بالنزول إلى المطابخ وعددها سبعة (خمسة مخصصة للركاب واثنان مخصصان للطاقم ) كما نزلوا إلى غرفة المحرك والآلات وجمعوا ما جمعوه من سكاكين المطابخ وآلات لإصلاح المحركات وأظهروها كأسلحة. بعد نزولهم سيطروا على الطابق العلوي خلال ثلاثين دقيقة، وعندما تأكدوا من إحكام سيطرتهم، قاموا بالصعود من الزوارق. وطبعا كانت كابينة القبطان أحد الأماكن المهمة للسيطرة عليها. عندما استولوا على الطابق العلوي كان مسارنا وقتها قد تغير من 185 إلى 270 لأننا زدنا سرعتنا للابتعاد عن ضفاف «إسرائيل، لأن فرقاطاتهم العسكرية كانت تقوم بمناورات لتقوم بسحبنا قسرا باتجاه «إسرائيل ومياهها الإقليمية، وكنا بالعكس نحاول بكل إمكانياتنا الابتعاد، فأمرونا بتغيير المسار إلى 130 أو أنهم لن يسمحوا لنا بنقل الجرحى. كما أمرونا بتسليم ما كنا نستعمله من أجل الدفاع عن أنفسنا. لم تكن المقاومة ممكنة طبعا، فقد دخلوا وهم يطلقون النيران من النوافذ الخلفية للجزء العلوي، وزعموا أنهم لم يستعملوا الذخيرة الحية، رغم أنهم استخدموها. كان الجنود مجهزين بشكل جيد، حتى أن أسلحة الرصاص المطاطي كانت موجودة، وقد رموا الكرات الزجاجية من أجل التمويه. العديد من الجرحى والقتلى أصيبوا بالرصاص الحي. كانت المقاومة مستحيلة أمام حشود من الكوماندو المسلحة، وعندما سيطروا على السفينة كنا نعلم فقط باستشهاد أربعة وجرح الكثيرين... وحتى لا نفقد المزيد استسلمنا.
كنا نتوفر على كل الإمكانيات الطبية على ظهر السفينة، حتى أنه كان بالإمكان القيام بعملية جراحية للقلب. لكنهم منعوا أطباءنا من مزاولة عملهم والقيام بمساعدة المصابين. أحد الأطباء أراد التدخل لإسعاف مصاب كان ينزف، فمنعوه مطلقين النيران عليه، ثم ضربوه بعقب البندقية على رأسه. يعني كان هجوما وحشيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. اعتقد الجنود أنهم قطعوا بثنا بعد أن دمروا الهوائيات الموجودة فوق السطح، لكنهم نسوا قطع كابل القمر الاصطناعي. لهذا تمكنا من متابعة البث.
عندما سيطروا على الجزء العلوي وعلى الكابينة كبلوا كل الطاقم، وحدثت مشادة بيني وبينهم لأنني لم أسمح لهم بتكبيلي، بصفتي قبطان السفينة. بعد هذه المشادة أجبروني على الجلوس في مقعدي. كنا نتصل مع الأسفل عن طريق اللاسلكي، وقد طلبت مرات ومرات من الجنود والمسؤولين الإسرائيليين أن يستجيبوا للطلبات التي كانت تأتي من الأسفل من أجل المساعدات الطبية، لكن لم يعيروا لهذه الطلبات أي اهتمام، وكرروا أنه لن يتم الحصول على أي مساعدات طبية إلا بعد أن يتم الذهاب باتجاه ميناء أسدود، رغم أننا كنا قد قمنا بمداواة جنودهم الذين أصيبوا بجروح خلال القتال، وأعدناهم إلى زوارقهم. وعن الجندي الذي يزعمون أننا رميناه في البحر، فهذا مختلق، لأن هذا الجندي بمجرد ما عرف أن الإسرائيليين سيطروا على السفينة، ومن شدة خوفه رمى بنفسه ليس نحو المياه، بل إلى الطابق في الأسفل».و يختم تورال قوله بخصوص الهجوم: «لم يكن بإمكان الزوارق أن تقطع طريقنا في عرض المياه. كنا نلتقط صداها من مسافات بعيدة. عندما أوقفونا صباحا استطعت أن أحصي 18 زورقا حربيا، لكني خلال الليل لم أتبين العدد بالضبط. كانت أربع فرقاطات حربية تحيط بنا، وغواصتان. عندما تريد إيقاف سفينة ركاب في عرض البحر هناك العديد من الطرق لفعل ذلك. لكن إطلاق النيران من فوق مباشرة باتجاه مدنيين عزل، فهذا بالتأكيد جريمة بشعة ومجزرة حقيقية. هذه جريمة بشعة. لقد كانت هناك نية قتل مبيتة من جانبهم بالتأكيد. إذ لم يكن هدفهم أبدا تحذيرنا أو إيقافنا.
كما حكى تورال أيضا أنه «بسبب الهجوم، تعرضت بعض أجزاء السفينة للعطب، وبسبب وجودنا في عرض المياه الدولية، بدون مساعدة، تأخر إصلاح هذه الأعطاب»، وتابع شارحا: «كنا نأمل أن تأتي أي مساعدة فيما كنا ننتظر إصلاح الأعطاب والتحرك باتجاه ميناء أسدود. وقتها سألني الجنود عما إذا كنت أريد الإشراف على تلك الإصلاحات تحت في غرفة الآلات، لكنني أجبت بالنفي، وقلت لهم إن المسؤول عن الآلات يوجد تحت، غير أنني طلبت النزول لتفقد الجرحى والركاب، فوافقوا، لكنهم تحججوا بأنه يجب أن أتعرض للتفتيش قبل النزول، وبدون أن استوعب الموضوع، قاموا بالهجوم علي وجردوني من القسم العلوي لبذلتي، كبلواني ووضعوني في القسم الذي كانوا يحتجزون فيه بقية الركاب، وكانت هذه أول مرة أرى فيها الركاب منذ الهجوم. كان معظمهم مكبلين، رجالا ونساء، وكان الرجال راكعين وأيديهم مكبلة في الخلف على الأرض الرطبة ودماء الجرحى والشهداء عليها. كما كانت المروحيات العسكرية تكرر الطيران والوقوف فوق السفينة، ومياه البحر المالحة والباردة تنزل علينا من فوق صاعدة من الأسفل، بسبب الرياح التي كانت تحدثها المروحيات. كانوا يحاولون تعذيبنا نفسيا، وقد استمر هذا الوضع ما يقارب الساعتين تقريبا. بعد ذلك أخذوا الركاب إلى القاعات في الأسفل، وتحركت السفينة ما بين الساعة السادسة والنصف والسابعة صباحا فوصلنا إلى أسدود على الساعة الثامنة والنصف. عند دخول الميناء كان هناك فحص طبي عام. لا أعرف ماذا حدث مع الركاب بعد ذلك، فقد أخذوني إلى السجن في سيارة السجن حيث استمرت الرحلة حوالي ست أو سبع ساعات.
وضعوني في سجن انفرادي، وبقيت منقطعا عن أي أخبار، لا أعرف ما حدث مع الركاب، كل ما عايشته كان كسر ذراع أحد المتضامنين خلال شجار مع الجنود الإسرائيليين في المطار، حيث سمعت أيضا عن تعذيب بعض المتضامنين. شخصيا، لم أتعرض للتعذيب، لأنهم على ما أعتقد كانوا يعرفون جيدا أن تعرض القبطان للتعذيب يعني الدخول في ورطة كبيرة ليسوا في حاجة إليها، نظرا إلى ما فعلوه أصلا.
أسئلة مستفزة وتفكير في الجرحى والشهداء
عندما كان القبطان محمود في سجنه الانفرادي، تعرض للاستجواب مرات متعددة من قبل أربع أو خمس مجموعات. كانوا يكررون نفس الأسئلة من أجل استفزازه. وحسب ما يحكي، فهم من رجال الموساد، عندما كان يجيبهم وهو ينظر إليهم مباشرة أن ما يقومون به خطأ كبير. كانوا يلتزمون الصمت ولا يجيبون، حتى بدا الأمر كأنه هو من يقوم باستجوابهم، فما حدث كان عكس توقعاتهم. لم يكونوا يعتقدون أن كل هذا الصدى سيحدث في العالم، وكان وجوده يجعل سؤالا واحدا يدور في خلدهم وهم ينظرون إليه : «ما الذي ورطنا أنفسنا فيه؟». وأكد القبطان أنه لم يكن قلقا على وضعه، لأنه كان متأكدا أن الصهاينة لن يستطيعوا إبقاءهم طويلا رهائن عندهم، لكن باله وتفكيره كله كان مع الجرحى والشهداء، لأنه لم يكن يعرف بالضبط عددهم ولا ماذا حدث لهم. كما أن الإسرائيليين عرضوا عليه بعض الصور على أنها صور للشهداء، لكنها لم تكن صحيحة، لأنه عندما علم بعد ذلك من هم الشهداء، أكد أنهم ليسوا أصحاب الصور التي عرضوها عليه في السجن. كما أكد أنه رفض التوقيع على الورقة التي كانوا يريدون إجبارهم على توقيعها، والتي تقر بأنهم دخلوا إسرائيل بشكل غير شرعي، فقد أصر على أن تعود السفينة معهم، وإلا لن يغادر إلى تركيا، إلا أن حضور نواب برلمانيين أتراك، أكدوا له أن بقاءه لن يفيد شيئا بشأن السفينة وأن رحيل بقية الركاب رهين بقدومه معهم، لأن التعليمات التي صدرت من رئيس الوزراء كانت تقضي بعودة الجميع بدون استثناء، عند ذاك قام بكتابة أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن سحبنا قسرا وتحت قوة السلاح بشكل غير شرعي من المياه الدولية إلى ميناء أسدود. وتتحمل مسؤولية الجرحى والشهداء. وهكذا وقع الورقة.

نتائج الطب الشرعي لشهداء سفينة «مافي مرمرة»
أعلن معهد الطب الشرعي في إسطنبول نتائج التشريح الذي قام به على شهداء « مافي مرمرة » إحدى سفن ركاب أسطول الحرية، الذي تعرض في عرض المياه الدولية فجر يوم الإثنين 31 ماي 2010، لاعتداء إسرائيلي وحشي خرق كل أعراف القانون الدولي وحقوق الإنسان، وأسفر عن استشهاد 9 متضامنين، يبلغ أصغرهم 19 عاما، وعدد كبير من الجرحى. الأسطول كان في طريقه محملا بأطنان من المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة المحاصرين منذ ما يزيد عن 3 سنوات، والذين يتعرضون للموت البطيء أمام أنظار العالم الذي يقف متفرجا.
الجثث تعرضت للغسل من قبل الصهاينة لإخفاء آثار جريمتهم البشعة :
قام الإسرائيليون بغسل كل جثث الشهداء التسعة قبل إرسالها إلى تركيا، كما أن ملابس الشهداء كانت غارقة بالدماء ومتسخة بسبب مواد أخرى قام الصهاينة بتوسيخ ملابس الشهداء بها، مما جعل تلك الثياب غير صالحة للتحليل، وبالتالي تمت عرقلة عملية محاولة التوصل إلى نتيجة واضحة فيما يتعلق بالمسافات المحددة التي تم إطلاق النار منها على الشهداء.فقد وجدت آثار مادتي (الإيثانول والميثانول (الكحول) في معظم جثث الشهداء، ومن المحتمل أن هذه المواد استعملت من أجل منع رائحة الجثث من الانتشار.
الشهيد فرقان دوغان :
شاب في ريعان شبابه، لم تشفع له سنواته ال19 أمام الآلة الحربية الإسرائيلية المتعطشة لسفك الدماء..
أنهى دراسته الثانوية، واجتاز امتحان دخول الجامعة هذا الصيف، وبمجرد انتهائه أخبر والديه بأنه يريد المشاركة في أسطول الحرية. حصل على موافقتهما و الفرحة لا تسعه، ثم حزم حقيبته قبل أن يودع أسرته و ينطلق إلى مدينة«أنطاليا».
عندما نودي على والده للتعرف على هوية ابنه الذي من المحتمل أن يكون مع باقي الشهداء الذين لم تنشر أسماؤهم بعد، واجه الأب فلذة ابنه. وقد تحدث والده للإعلام عن الوضع قائلا : ما عدا آثار الرصاص على وجهه، كان وجهه كرضيع في العام الأول من عمره، كأنه نائم والنور يشع من وجهه وهو مبتسم...مر شريط حياته كلها أمامي وأنا مازلت لا أصدق أنني أمام جسد صغيري الذي رغم مرور الأيام كان جسده مايزال دافئا عندما ضممته إلى صدري وقبلته...و عندما استفقت من صدمتي كان السؤال الذي بدأ يكبر داخلي ليغطي على أية أفكار أخرى هو : كيف سأخبر والدته بالأمر، فقد وعدتها أنني ذاهب إلى إسطنبول لأركب أول طائرة مع فرقان والعودة إلى البيت معا....
لكن أسرته ورغم حرقة فقد ابنها فهي تشعر بالفخر لأنه فقد حياته بشكل مشرف وهو يدافع عن قضية نبيلة.
الشهيد جودت كيليتشلار :
الشهيد جودت كيليتشلار صحفي، كان مسؤولا عن غرفة الصحافة على متن سفينة «مافي مرمرة»، وكان مسؤولا عن الموقع الإلكتروني لهيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية . كان شخصا هادئا، دائم الابتسام ولم يحدث أن رفع صوته في وجه أي كان..كان مثالا للهدوء والأدب والإحترام والأخلاق الرفيعة. رغم ضغط العمل الذي كان يواجهه، لم يكن أبدا يتبرم أو يشتكي، كان أول من تجده في الغرفة وآخر من يذهب للنوم..
يحكي بعض زملائه من الصحفيين الذين كانوا بجواره عندما استشهد، أنه كان يحاول استعمال كاميراته لالتقاط الصور للجنود الإسرائيلين الذين كانوا يطلقون النيران من فوق، مستعملا فلاش الكاميرا لحماية باقي الصحفيين ليسرعوا بالهرب من مرمى النيران ويحموا ما صوره من مشاهد، عندما غدره الصهاينة وأطلقوا عليه الرصاص في منتصف جبهته ليستشهد فورا.
ولد الشهيد جودت عام 1972 في مدينة كيسري بتركيا، تخرج من كلية الإتصالات من جامعة إسطنبول. له ابنة في ال 15 من عمرها وابن في ال13.
عمل صحفيا لمدة سنوات قبل أن يلتحق بالهيئة عام 2008، وقد ذهب للمشاركة في العديد من المشاريع الإنسانية التي تشرف عليها الهيئة في العديد من الدول الفقيرة ومناطق النزاعات، لم تكن كاميراته تفارقه. كان يرغب كثيرا بالذهاب إلى غزة، وبسبب ضغط العمل لم تتح له الفرصة بالمشاركة في القافلة البرية عام 2009، وعندما حان موعد الأسطول، طلب المشاركة .
و حسب تقرير التشريح الخاص به، فإن الوفاة كانت ناجمة عن تلف في أنسجة الدماغ وكسر في الجمجمة الذي سببته ذخيرة حية من الرصاص.
الشهيد إبراهيم بلجين :
من مواليد 1949، وهو مفتي مدينة سييرت التركية، مهندس وعضو غرفة المهندسين الإلكترونيين في تركيا، متزوج وأب ل 6 أبناء.
وحسب تقرير التشريح الخاص به، فإن وفاته كانت ناجمة عن كسر في الجمجمة، وكسر في الضلوع وتدمير الأعضاء الداخلية، ونزيف في المخ، وإصابات قاتلة للأوعية الرئيسية بسبب استعمال ذخيرة حية من الرصاص.
الشهيد نجدت يلدرم :
يبلغ الشهيد نجدت يلدرم 31 من عمره. كان أحد موظفي هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية، متزوج وأب لطفلة في الثالثة من عمرها..كان شابا هادئا، يعمل بجد و لا تسمع له شكاية أو تبرم. كان من الذين قاموا بتجهيز السفينة منذ أن تم شراؤها.
ووفقا لتقرير التشريح الذي أجري على جثة الشهيد نجدت يلدرم، فقد جاءت الوفاة نتيجة تدمير الأعضاء الداخلية، وتمزقات وكسور في الأضلاع بسبب استخدام الذخيرة الحية من الرصاص.
الشهيد علي حيدر بنجي :
يبلغ من العمر 39 سنة، أب لأربعة أبناء، ينحدر من منطقة ديار بكر، ويحمل شهادة في الأدب العربي من جامعة الأزهر بالقاهرة.
وحسب تقرير التشريح الذي أنجز، فإن الوفاة جاءت نتيجة تدمير الأعضاء الداخلية، وكسور في عظام الذراع والأضلاع بسبب استخدام الذخيرة الحية من الرصاص.
الشهيد جنغيز أكيوز :
يبلغ الشهيد جنغيز من العمر 41 عاما، و هو أب لثلاثة أبناء، كان يعمل في مجال الديكور، وينحدر من منطقة إسكندرون جنوب تركيا.
يشير تقرير التشريح الخاص به إلى أن وفاته نجمت عن كسور في الجمجمة، وعظام الوجه، والعمود الفقري، وعظم الفخذ، مع تدمير الأعضاء الداخلية، وحدوث نزيف في الدماغ، وإصابات في الحبل الشوكي بسبب استخدام ذخيرة حية من الرصاص.
الشهيد تشيتين طوبتشو أوغلو :
استشهد تشيتين البالغ من العمر 54 عاما، في حضن زوجته التي كانت ترافقه في هذه الرحلة الإنسانية.و هو بطل سابق لأوروبا في التايكواندو. وله ابن واحد.
يشير تقرير التشريح الخاص بالشهيد تشيتين إلى أن الوفاة نتجت عن تحطم في الجمجمة، وكسور في عظام الفخذ، مع نزيف داخلي ناجم عن تدمير الأعضاء الداخلية، وتلف حاد في خلايا الدماغ، ونزيف في المخ بسبب استخدام الذخيرة الحية
الشهيد جنغيز سونغور :
قصة هذا الشهيد أبكت العديدين على متن السفينة حتى قبل أن يستشهد. يبلغ من العمر 47 عاما، وهو أب لست بنات وشاب. عندما ركبنا السفينة عثر في جيب سرواله على قطعة ورقية، وعندما فتحها وجد أنها رسالة من إحدى بناته الست، لكنه لم يعرف من منهن بالضبط. الرسالة تقول: « انطلق إلى فلسطين يا أبي.. من أجل ابتسامة يتيم..من أجل دعاء أم هناك...انطلق»
لم يستطع مقاومة دموعه وهو يقرأ الرسالة، وخلال مقابلة مع صحفي تركي عندما كنا على متن السفينة، قال إنه لا يعرف أي واحدة من بناته كتبت الرسالة، لكنه كان متأثرا جدا وفخورا حتى أنه كان يري الرسالة لكل من على ظهر السفينة.
حسب تقرير التشريح الذي أنجز على جثة الشهيد جنغيز، فإن الوفاة نجمت عن كسور في الضلوع، وفي العمود الفقري، مع نزيف داخلي ناجم عن تدمير الأعضاء الداخلية، وإصابات في الأوعية الدموية الرئيسية بسبب استخدام الذخيرة الحية من الرصاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.