في الوقت الذي يوجد فيه محمد منير الماجيدي رفقة الملك محمد السادس بباريس، اختار فؤاد عالي الهمة أن يجتمع برجال الأعمال في عاصمة المال والأعمال.. الدارالبيضاء. وإذا كان هذا اللقاء يبدو في ظاهره متوجها لشريحة من المواطنين المغاربة تضم صناع القرار الاقتصادي بالمغرب، على اعتبار أنهم غير معنيين بالسياسة وتحاول حركة الهمة استقطابهم، فإن جهات أخرى ذهبت إلى قراءة ماوراء الاحتماع، ويتعلق الأمر بطموح الهمة إلى منافسة الماجدي في إحدى قلاعه الحصينة. ولم يعد خافيا أن الهمة يرغب في ولوج عالم صناع القرار الذين يرسمون خارطة المغرب الاقتصادي ويوجهون سياسته إلى هذه الجهة أو تلك. فعندما يتوجه إليهم بالقول: «علاقتي بالاتحاد العام لمقاولات المغرب لم تكن علاقة مواجهة، بل على العكس كنت دائما قريبا منكم»، فإنه بذلك كان يضع رجال الأعمال المغاربة في وضع مريح ويعدهم لتقبل خططه بسلاسة، وهذا ما نجح فيه فعلا عندما تجاوبت شريحة واسعة من رجال الأعمال مع عرضه، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك عندما «جلدوا» الأحزاب وجعلوا من حركة الهمة حزب الغد الذي سينقذ المغرب من كل المآسي! لكن ما استرعى الانتباه فعلا هي الرسائل غير المشفرة التي وجهها الهمة إلى رجال الأعمال والتي مفادها أن زمن الرسائل التي تأتي من الفوق قد ولى» كما ذكر حماد قسال، نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب ل»المساء»: وأضاف هذا الأخير أن الهمة كان واضحا بهذا الخصوص عندما أكد أن «الملك لا يريد أن يتدخل في تدبير الاتحاد العام لمقاولات المغرب وأن ما قيل بذلك الخصوص لا أساس له من الصحة، كل ما في الأمر أن هناك بعض المترشحين لرئاسة الاتحاد حاولوا الاستعانة بالقصر من أجل بلوغ أهدافهم إلا أنهم أفهموا أنه عليهم أن يرضخوا لديمقراطية الاقتراع الداخلي». فبعض أعضاء الاتحاد العام، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا ل«المساء» إن هذه الرسالة تعتبر ردا صريحا على من اعتبروا مرشحي محمد منير الماجيدي وأن الهمة استغل هذه الفرصة ليؤكد لرجال الأعمال المغاربة أنه ليس من الضروري أن تكون لهم «مظلة» ليمارسوا أعمالهم بحرية. فيما ذهب آخرون إلى أن الأمر يتعلق بنفي كل ما من شأنه أن يوحي بأن الماجيدي فرض opa (سيطرته) على الاتحاد وأن القرارات الكبرى، ومنها انتخاب الرئيس، يجب أن تحظى بموافقة مدير الكتابة الخاصة للملك. وذهبت التأويلات إلى اعتبار أن الهمة كان يقصد الماجيدي عندما توجه إلى رجال الأعمال قائلا: «إن الملك يريد أن يشتغل مع الاتحاد العام وربما أن هذه الرسالة لم تصل»، على اعتبار أن الماجيدي هو صاحب الاختصاص في الشأن الاقتصادي، بيد أن حماد قسال قال ل«المساء» إن الأمر جاء في سياق آخر وذلك عندما قال الهمة إن القصر لم ولن يتدخل في انتخابات الاتحاد العام: «ولا أعرف هل الرسالة وصلت في حينها»، أي عندما لم يستجب القصر لطلب بعض المرشحين بدعمهم. وكيفما كانت القراءات فإن الهمة لم يخف اهتمامه بالمجالات الاقتصادية فهو رجل دولة ويعرف جيدا امتدادات لوبي الاقتصاد الذي يبقى السياسيون بدونه بلا سند يفعل خططهم وخطبهم «العصماء». فهل يكون لقاء الهمة برجال الأعمال عودة إلى الحرب الباردة من أجل المواقع بين الهمة والماجيدي؟ الهمة لا يخفي بين أصدقائه عدم رضاه على النفوذ المتزايد للماجيدي في عالم المال والأعمال، ومبرره حسب أحد المقربين منه أن «الماجيدي له موقع خاص إلى جانب جلالة الملك ولهذا يجب أن يختار بين «البزنس» والسياسة». الماجيدي بدوره لايرى في انتقادات الهمة سوى «دسائس» البلاط ويسر لأتباعه بأن الهمة موجود في عدد من الشركات بأسماء أخرى وأن من بين طموحاته ما بعد وزارة الداخلية التغلغل في عالم المال والأعمال... بنعلي: رجال الأعمال لا يبحثون عن استقلاليتهم اعتبر ادريس بنعلي، رئيس جمعية بدائل، أن المقاولين إلى اليوم لم يتمكنوا من الحصول على استقلاليتهم في صناعة قراراتهم. وهذا راجع إلى أن النظام السياسي في المغرب هو الذي خلقهم في البداية وساهم في تقويتهم من خلال مسلسل المغرب. وأضاف المحلل الاقتصادي «نتذكر أنه في حملة التطهير في سنة 96، كانت هناك انتفاضة لرجال المال والأعمال ضد وزير الداخلية إدريس البصري، وهي الانتفاضة التي تزعمها إدريس جطو آنذاك، وكانت نتيجتها أن استقبلهم الراحل الحسن الثاني في شخص المدير العام للاتحاد العام لمقاولات المغرب كمنظمة مستقلة بدعم من المستشار الملكي أندري أزولاي. وفعلا توقفت حملة التطهير ضد المقاولين، فاعتقدوا أنهم بالفعل أصبحوا مستقلين عن السلطة، لكن الذي تبين قبل سنتين أن هذه الاستقلالية مشكوك فيها عندما انتقد أحمد الشامي الرئيس السابق للمقاولين تدخل المحيط الملكي لعرقلة الأداء الاقتصادي، فتمت مواجهته بالمراجعة الضريبية. وهكذا اضطر رجال المال والأعمال إلى الصمت ولم يعودوا يبحثون عن استقلاليتهم».