لم يكن محمد منير الماجيدي ينتظر أن بقعة أرضية بمدينة نائية عن العاصمة الإدارية والسياسية للمملكة ستجر عليه الويلات، علما أنها نازلة وقعت سنة 2005، مما سيجعله موضوع اهتمام الصحافة ومشرعي المملكة، هو الذي تمكن من تمرير صفقات أكثر أهمية من شراء بقعة بتارودانت باسم زوجته وابنتيه القاصرتين، كما استطاع الاستفادة من امتيازات ذرت عليه مئات الملايين من الدراهم دون أن تثار حوله كل هذه الضجة التي ولدتها أرض الحبوس، النقطة التي أفاضت الكأس. الأكيد أن انكشاف أمر استفادة الكاتب الخاص للملك، من تسهيلات للسطو على أرض حبسية، رغم تعقيدات مساطر تفويتها، من شأنه أن يفتح الأبواب على مصراعيها للمزيد من التنقيب على خبايا ما أضحى يسمى ب "فضائح لهفه الامتيازات" على امتداد مشواره الوظيفي الحساس اعتبارا لقربه من الملك، لاسيما وأن المواطن العادي يعتبر أن قربه هذا من الملك هو الذي سمح له بحصد العديد من الامتيازات مكنته من مراكمة ثروة هائلة باسمه وأسماء ذويه. لا محالة أن استفادة محمد منير الماجيدي، حيسوب الملك ورئيس كتابته الخاصة، سوف تسيل الكثير من المداد على صفحات الجرائد الوطنية وبعض الصحف الأجنبية. وستحتل فضاءات واسعة في شبكة الانترنيت وستثير اهتمام المزيد من المغاربة، وذلك باعتبار، أن ما تم الكشف عنه حتى الآن، هو مجرد الجزء الظاهر والصغير من الجبل الجليدي العائم. قد يقول قائل إن نازلة أرض تارودانت قد لا تمثل شيئا، حجما وقيمة وأهمية، مقارنة بما تمكن محمد منير الماجيدي من السطو عليه على امتداد مشواره الوظيفي الحساس، لكنها النازلة التي كانت بمثابة الشرارة التي حققت الانفجار، فأصبحت اللقضية الصغيرة تشكل قضية "بجلاجل" بفعل غضب الملك محمد السادس على تصرفات كاتبه الخاص الذي وضع نفسه في مركز عاصفة الشبهات، علما أنها شبهات ظلت تحوم حول الرجل منذ أن سطا على اللوحات الإشهارية واحتكرها احتكارا على حين غرة وبدون سابق إنذار. فهل يمكن اعتبار ما أقدم عليه منير محمد الماجيدي استغلالا للموقع والنفوذ؟ وهل من حقه القيام بذلك؟ هل ما تم تحقيقه من إجراءات وغض الطرف عنه لتمكينه من هذا الامتياز أو ذاك، يتماشى مع القانون الجاري به العمل أم يعتبر من قبيل الخرق السافر له؟ وبخصوص نازلة أرض تارودانت هل قام المسؤولون بإخبار الملك باعتبار أن تفويت أملاك الحبس يستوجب موافقة الملك كما ينص على ذلك الظهير المنظم لها؟ وحتى إن تم ذلك، هل تمليك زوجة الماجيدي وابنتيه أرضا تقع في المدار السياحي لمدينة أضحى يهتم بها الاستثمار، يعتبر مصلحة عامة أو تشجيعا على خدمة الاقتصاد أو خلق فرص الشغل؟ إدريس ولد القابلة و حكيمة أحاجو – أسبوعية المشعل الصفقة التي كشفت الماجيدي وجرت عليه غضب الملك كان من الطبيعي جدا أن يغضب الملك غضبا مستطيرا على من يأتمنه أسراره لأنه وضع نفسه موضع الشبهات اعتبارا لحساسية موقعه ووظيفته ككاتب خاص للملك ورئيسا لكتابته، علاوة على أنه من المفروض أن يكون في غنى عن استعمال الأساليب الملتوية لنيل بقعة أرضية بثمن زهيد، لا يكاد يبين، بمدينة نائية عن العاصمة، مقر إقامته. كما شمل الغضب الملكي المستطير وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي من المفروض أن يحرص على الرصيد العقاري للأوقاف باعتبارها أمانة في عنقه، شرعا وقانونا. ولا يحق له أن يفرط في جزء منه مقابل ثمن زهيد، لاسيما ومجال الأوقاف والشؤون الإسلامية، كباقي المجالات الأخرى، في حاجة للكثير من الانجازات. لكن كيف تمت الصفقة بين الكاتب الخاص للملك وناظر الأوقاف والوزير؟ الأكيد هو أن عملية تفويت أملاك الأوقاف تخضع لمسطرة خاصة جدا، إذ حسب الظهير المنظم لها، لا يمكن إقامة أي عقد تفويت بخصوصها إلا بإذن من الملك. مازالت الكيفية التي أعدت وهيئت بها صفقة "الماجيدي/ توفيق" غامضة ولم تبادر أية جهة عالمة بالأمر على كشفها، وهذا ما ساهم في تناسل الشبهات حولها، لاسيما وأن الكاتب الخاص للملك له سوابق في هذا المضمار، وعلى رأسها استحواذه، منذ سنوات، على مجال اللوحات الإشهارية التي ذرت عليه ملايين الدراهم دون عناء ومجهود بفضل ولي نعمته في هذا النطاق، الوزير المخلوع إدريس البصري ورجال السلطة الموالين له. مهما يكن من أمر تظل نازلة تفويت قطعة الأرض بتارودانت قضية غامضة بجميع المقاييس، وتثير الكثير من الشبهات منذ الوهلة الأولى وبمجرد انفضاح أمرها، لاسيما وأنها تمت "حسي مسي" دون اعتبار للقوانين والأعراف المنظمة لمثل هذه الصفقات، علما أن هذه الصفقة تطلبت تدخل أكثر من جهة. على سبيل المثال لا الحصر، إن تحديد ثمن التفويت من المفروض، حسب ما هو جاري به العمل، أن يكون منوطا بلجنة إدارية تدعى "لجنة التقويم" وليس بشخص واحد أو بجهة لوحدها،وعادة ما تضم هذه اللجنة ممثلي جملة من الإدارات، منها صاحب الملك (نظارة الأوقاف بتارودانت) والسلطة المحلية التي تقع البقعة الأرضية في نطاقها الترابي ودائرة الأملاك المخزنية، بحكم درايتها في المجال ما دامت تضطلع بتدبير الملك الخاص للدولة، ومصلحة التسجيل والتنبر بحكم إطلاعها الواسع على جميع عقود صفقات تفويت الأراضي بالمنطقة، وبالتالي على علم دقيق بالأسعار العقارية المطبقة وبالتالي بإمكانها الفصل بخصوص الثمن المعتمد وعكسه لواقع السوق العقارية، كما أنه، عند الحاجة، يمكن الاستعانة بالمحافظة على الأملاك العقارية والرهون، لاسيما إذا علمنا أن جل أراضي الأوقاف الكائنة بمدينة تارودانت، إما محفظة (رسم عقاري) أو في طور التحفيظ (مطلب تحفيظ)، وبالتالي من السهل بمكان تحديد سعرها. تتكلف هذه اللجنة إذن بتحديد قيمة القطعة الأرضية موضوع الصفقة، وهذا إجراء يتم اللجوء إليه إذا كانت القطعة الأرضية المعنية مرصودة لخدمة الصالح العام. أما حالة قطعة تارودانت، فهي تفويت الخواص، وأضمن الطرق وأكثرها شفافية هي إجراء العملية عن طريق السمسرة العمومية ما دام الأمر لا يتعلق بمشروع اجتماعي أو إداري، وبالتالي كان من المفروض تمكين نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من جني أكبر سعر ممكن، وهذا ما تضمنته المنافسة والمزايدة العلنية. وحتى في هذه الحالة من المفروض أن تتكلف "لجنة التقويم" بتحديد ثمن الانطلاقة بواسطة محضر يوقع عليه جميع أعضاء اللجنة، وقبل اعتماد الثمن المحدد، سواء في الحالة الأولى أو الثانية، تتم المصادقة على محضر "التقويم" من طرف الجهات ذات الاختصاص، وفي الحالة التي تهمنا، هذه الجهة هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبعد المصادقة يتم تحديد تاريخ السمسرة مع تعيين الساعة والمكان، وإشهار ذلك حتى يتمكن كل راغب، من المشاركة في السمسرة. لماذا لم يتم إتباع هذه المسطرة بخصوص الكاتب الخاص للملك؟ وهل فعلا تم تحديد ثمن 50 درهما للمتر المربع من طرف "لجنة التقويم"؟ وإن تم ذلك، هل أنجز محضر بهذا الخصوص؟ وهل تمت المصادقة عليه؟ علما أنه غالبا ما ينص هذا المحضر على صفقات مبرمة سابقا بالمنطقة أو قريبا منها، وهي تشكل عناصر المقارنة (Postes de comperaison) لتبرير الثمن المعتمد. من جهة أخرى إذا كان من حق محمد منير الماجيدي، كأي مواطن مغربي، اقتناء أراضي، فكان عليه أن يحرص أكثر من غيره على احترام القانون والسعي وراء أكبر درجة من الدقة في احترامه وبأكبر درجة من الشفافية، اعتبارا لحساسية منصبه وتفاديا لأي شبهة، لاسيما وأن نازلة اللوحات الإشهارية قد أثارت الكثير من التساؤلات ومن القيل والقال. المثير للدهشة أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد توفيق حاول تبرير الثمن الزهيد المعتمد ارتكازا على سعر الكراء الزهيد، علما أن هذا أمر يحسب عليه وليس له، لأنه مرتبط بنهج تدبير الرصيد العقاري للأوقاف الذي طاله الشطط وسوء التسيير على امتداد سنوات طويلة بفعل الزبونية والمحسوبية وكذلك الفساد، باعتبار أن كراء أراضي الأوقاف من المفروض أن تخضع هي كذلك للسمسرة، بعد تحديد سومة الانطلاق من طرف "لجنة التقويم"، وكان الأولى لوزير الأوقاف اعتماد الصمت عوض السعي للتخلص من مصيبة قائمة بمصيبة أدهى وأمر، أي تبرير ما تم اقترافه خارج القانون والأعراف المتعامل بها. لم يكن أمام الوزير إلا خيارين، الصمت وترك العاصفة أو إصباغ صورة الشرعية والقانونية على الصفقة المشبوهة بينه وبين محمد منير الماجيدي، فاعتمد الخيار الثاني وصارت المصيبة مصيبتين. الأكيد أن مثل هذه الأمور لا يمكنها أن تخفى عن رجل اضطلع لمدة طويلة بتدبير شؤون الثروة الملكية وإدارة الكتابة الخاصة للملك، وقد تألق في قيادة فريق من الماليين وأطر التدبير ورجال الأعمال والإداريين في إطار مجموعة "أونا"، وهو العارف حق المعرفة، كيف يجب أن تتم الصفقات النظيفة في جو من الشفافية. والحالة هذه، من السهل بمكان الوقوف على الثمن السائد في السوق العقارية بالمنطقة، إذ كان يكفي الرجوع إلى إدارة التسجيل بتارودانت وستتضح الصورة بجلاء. أظهرت نازلة تارودانت مرة أخرى، أن محمد منير الماجيدي استمد قوته بحكم قربه من الملك، ككاتب خاص ومكلف بالثروة الملكية، وتمكن من استغلال نفوذه وموقعه للتحكم في شبكة من رجال المال والأعمال والموظفين السامين، وعمل على توسيع مصالحه ونشاطه مفعلا باستمرار قربه من الملك والعائلة الملكية. رغم أن صفقة تارودانت تعود إلى سنة 2005، فإن انكشاف أمرها تزامن مع هبة المملكة السعودية 50 مليون دولار (500 مليون درهم) للمغرب في نطاق التصدي للفقر، في حين قام الماجيدي بحرمان وزارة الأوقاف وخزينة الدولة من مداخيل ومستحقات بفعل تواطؤ أكثر من جهة في تمرير صفقته على هامش القانون. الأرض التي فضحت الماجيدي المساحة : 4 هكتار 03 آرات 76 سنتيارا (40376 مترا مربعا). عقار محفظ تحت اسم : فدان أوسين. الرسم العقاري : عدد 8087/س. المحتويات : 400 شجرة زيتون. المالك المقيد بسجلات المحافظة : زوجة الماجيدي وابنتيه. الموقع : المدار السياحي لمدينة تارودانت. ثمن التفويت : 50.00 درهما للمتر المربع. القيمة الإجمالية الواردة في عقد البيع: 2.018.800.00 درهم. الأسعار السائدة بالمنطقة : تتراوح ما بين 900 و5000 درهم للمتر المربع حسب الموقع والمساحة. ملحوظة: حسب العارفين بخبايا السوق العقارية بتارودانت، واعتبارا لكبر المساحة وموقعها ضمن المدار السياحي، فإن السعر، وحسب عناصر المقارنة والمعلومات المستقاة من مصلحة التسجيل والمحافظة على الأملاك العقارية والرهون، لا يمكن أن تقل ثمن القطعة الأرضية المسلمة للماجيدي عن 700.00 درهم للمتر المربع، كما أشار أكثر من مصدر بعين لمكان إلى أشخاص كانوا مستعدين لإقتناء تلك الأرض بكاملها وبسعر يفوق 1000.00 درهم للمتر المربع. وبذلك يبدو أن المبلغ الكبير الذي حرمت منه وزارة الأوقاف، وكذلك المبلغ المهم الذي حرمت منه خزينة الدولة كضرائب ورسوم، كان من الواجب أداؤها، علما أن قيمة الأرض الحقيقية تتموقع بين 28 و40 مليون درهم، في حين لم يتم اعتماد إلا مليوني درهم كأساس للتفويت. ثروة الماجيدي.. مجرد معالم لازالت المعلومات حول الثروة التي راكمها محمد منير الماجيدي نادرة جدا، إلا أن هناك بعض المعالم الدالة على أهميتها. فقد أكد جملة، من المحللين الاقتصاديين ورجال الأعمال على أن الكاتب الخاص للملك والمسير للثروة الملكية استمد قوته وتوسع نفوذه وتشابكت علاقاته بفضل موقعه الحساس، بل يعتبر بعض المستثمرين أن محمد منير الماجيدي عمل على تنمية ثروته باسم موقعه، لاسيما وأنه اكتسب درجة كبيرة من ثقة الملك، وهذا ما جعل رجال الأعمال وجملة من القائمين على الأمور يخشون سطوته ويخطبون وده. أضحى الكاتب الخاص للملك من أغنياء المغرب بعد أن تمكن في وقت وجيز جدا من مراكمة أموال طائلة، كانت انطلاقة تكوين "امبراطوريته المالية" بالاستحواذ على قطاع اللوحات الإشهارية، إذ بجرة قلم أصبح محتكره. تقوى عوده وتوطدت أقدامه في تدبير ثروة العائلة الملكية إلى أن بات الناهي والآمر والمتحكم في رقاب كل العاملين تحت إمرته والمتواجدين تحت رحمة مراقبته. وتأكدت قوته عندما تمكن من دفع الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفا بنك إلى الاستقالة من منصبه، الأمر الذي اندهش له الكثيرون. أسس محمد منير الماجيدي شركة "ف.سي.كوم" مع ضمان احتكارها لمجال اللوحات الإشهارية مسبقا ولمدة ثلاثة عقود. ولم يكن له أن ينال هذه الامتياز الضخم لولا توطؤ أكثر من جهة، لاسيما بعض الولاة والعمال ورؤساء الجماعات المحلية، وقد تعبد أمامه الطريق عندما عينه الملك محمد السادس كاتبا خاصا له وكلفه بتدبير الثروة الملكية، إذا أضحت كل طلباته مستجابة توا. وأدلت الحكومة بدلوها في هذا الصدد إذ فصلت مشاريع قوانين منظمة للصناعة الإشهارية على مقاس شركة الماجيدي وما خططت له. قوى محمد منير الماجيدي شركة "ف.سي.كوم" في أواخر عهد الوزير المخلوع، إدريس البصري، الذي كان يصدر أوامره لتمكينه من التراخيص بجرة قلم أو بمكالمة هاتفية عابرة، إلى أن أضحى يملك في رمشة عين 1200 لوحة إشهارية بالدار البيضاء و350 في الرباط وأخرى في باقي المدن المغربية المهمة، كما سطا على كل فضاءات اللوحات الإشهارية في المطارات والطرق السيارة ومحطات القطار. ومكنه كذلك إدريس البصري من جعل كل الأبواب موصدة في وجه منافسيه المحتملين. وعندما كثر القيل والقال حول شركة "ف.سي.كوم" تخلى محمد منير الماجيدي عن تدبير أمورها لفائدة نجل عباس الفاسي الذي أصبح مديرا عاما لها. كما حاول الماجيدي بمعية نجل إدريس جطو، الوزير الأول، ولوج مجال السمعي البصري لكنهما لم يفلحا، وهما بصدد إعادة الكرة. هذه بعض معالم انطلاق صيرورة آليات تراكم ثروة محمد منير الماجيدي التي لا يعلم أهميتها إلا الله، بفعل نشاطه في مجالات تذر عليه مبالغ "طيطانيكية" في غياب أي منافس. الماجيدي قناص الفرص ترعرع محمد منير الماجيدي في أسرة متواضعة بحي التقدم بالرباط، وفي جو شعبي وفضاء تغلب عليه مظاهر الفقر والكفاح من أجل البقاء. وشاءت الأقدار أن يكون زميله في الدراسة في المرحلة الثانوية، نوفل، ابن عمة الملك، المرحومة نزهة وزوجة أحمد عصمان. ويرجع الفضل لنوفل عصمان في تقديم الماجيدي للملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك)، ومنذئذ بدأ يرافق شلة الأمراء ويحرص بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على هذا القرب والمرافقة. بعد رحيل نوفل عصمان في حادثة سير، ظل الماجيدي قريبا من شلة الملك محمد السادس، وأضحى من أقرب المقربين إليه بعد اعتلائه عرش البلاد، وظل ضمن دائرة أصدقائه الذين اضطلعوا بمسؤوليات كبرى مكنتهم من المساهمة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية. عينه الملك كاتبا خاصا له في نهاية سنة 1999، ومنذ 2002 اضطلع بتدبير شؤون الهولدينغ الملكي "سيجر" التي تراقب مجموعة "أونا". بدأ محمد منير الماجيدي مشواره الوظيفي، بعد إنهاء دراسته الجامعية بالولايات المتحدةالأمريكية، بالبنك التجاري المغربي، ثم التحق بصندوق الإيداع والتدبير للقيام بمهمة إلى جانب مديره خالد القادري. عندما خبر خبايا وكواليس هذه المؤسسة، التي تتصرف وتدير جزءا كبيرا من أموال الشعب، تولدت لديه فكرة شركة خاصة به، وعقد ابن التقدم العزم على أن يخرج من جلدته ليلج نادي أكبر أثرياء المغرب. انطلاقا من موقعه، في صندوق الإيداع والتدبير، شرع محمد منير الماجيدي في التخطيط وتقعيد بنيان إحداث "مملكته" المالية، وكانت البداية بالبحث عن الأموال لتشكيل الرأسمال، وفي سنة 1999 كان الإعلان عن ميلاد شركته "إف.سي.كوم" (FIRST CONTACT COMMUNICATION/FCCOM)، التي اختارت مجالا جديدا بالمغرب كان في طور الولادة: اللوحات الإشهارية، وأحكم قبضته عليه منذ البداية، إذ كان أول من استثمر في هذا القطاع، ثم التحقت به شركة "جي.إس.إم.المغرب" (GSM ALMAGHRIB)، تزامن ذلك مع تعينيه من طرف الملك محمد السادس كاتبا خاصا له، فانفتحت في وجهه كل الأبواب بعد أن أصبح "حيسوب الملك" ومدبر أمور الثروة الملكية. وخلال فترة وجيزة تمكن محمد منير الماجيدي من تجاوز مرحلة تراكم الرأسمال الأولى بفضل الصفقات التفضيلية التي منحتها له شركة "أوندا" (ONDA) والمكتب الوطني للسكك الحديدية، ومن ثمة كانت الانطلاقة الصاروخية، وتمكن من توسيع مساحات "مملكته" المالية، مستغلا غياب تقنين القطاع الذي تحكم في احتكاره بفعل مساهمة أكثر من جهة وازنة. لقبه بعض الاقتصاديين ب "باطرون الرأسمالية الجديدة" منذ أن تحكم في دواليب مجموعة "أونا" وساهم في تقوية "سيجر" (الهولدينغ الملكي)، فخطط وهيأ الشروط المواتية لابتلاع مجموعة "الوفاء" وعبد طريق أمام ولوج المجموعة الملكية قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الجديدة (بدأت نتائج هذا التخطيط تظهر مع "باين") بعد سلسلة من الإحباطات المتكررة التي سبقت بفعل المنافسة. وبذلك أضحى محمد منير الماجيدي، من خلال الموقع الذي احتله في الهولدينغ الملكي، أحد أكبر صانعي القرار الاقتصادي بالمغرب، إذ أن جزءا كبيرا من نسيج الاقتصادي الوطني يتأثر بالقرارات التي يتخذها أو يساهم في بلورتها. عرف عن محمد منير الماجيدي أنه يولي اهتماما كبيرا للتخطيط بخصوص الأهداف التي يرمي إلى بلوغها، إذ لم يترك فرصة تمر دون استغلالها، وفي هذا الصدد يرى أحد الصحفيين أن انتشار أخبار استفادة الشخصيات الوازنة والمحتلة للمواقع الحساسة لجملة من الامتيازات بطريقة سهلة ودونما عناء، دفع بعض المغاربة إلى التفكير في سبيل للفوز ولو من فتات "كعكة الامتيازات"، ومن النوازل حادثة انتحال شخص صفة محمد منير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة للملك من أجل الحصول على منصب شغل في الخطوط الجوية الملكية المغربية، لكونه يعلم علم اليقين، أن موقع الكاتب الخاص للملك يمكن صاحبه نيل ما يريد. في المساءلة والتحقيق مع انكشاف نازلة أرض تارودانت بدأت بعض الأصوات تطالب بفتح تحقيق في القضية ومساءلة كل من ساهم في تمكين محمد منير الماجيدي من الاستفادة من امتياز شراء أرض في ملكية الأوقاف بثمن بخس وإقامة عقد التفويت باسم زوجته وابنتيه. دعت جملة من الأصوات إلى المساءلة بخصوص إبرام هذه الصفقة. وبهذا الخصوص طالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب بفتح تحقيق نزيه في هذه النازلة باعتبار أن تفويت أراضي الأوقاف الخاصة بالمسلمين، في الكواليس، يعتبر خرقا سافرا، ويتأكد الأمر أكثر بقدوم مقتنيها بتسجيلها باسم أفراد عائلته. شكل فضح هذا التصرف مناسبة للمطالبة بتعديل القانون المنظم لأراضي الحبس، والتي ظل التصرف فيها وتفويتها من الأمور التي ربطها المشرع بجملة من الشروط والإجراءات المتعددة لصيانتها وتحسبا لأي تلاعب بصددها، لاسيما وأن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تعتبر من أكبر الملاكين العقاريين، الحضريين والقرويين، بالمغرب، إلا أنه بالرغم من كل الاحترازات التي وضعها المشرع، ظل تدبيرها نموذجا صارخا لسوء التسيير وغياب أية مراقبة بخصوصها، سواء أكانت قبلية أو بعدية، وعدم خضوعها لأدنى القواعد الإدارية والمحاسباتية المتعارف عليها. صراع الهمة مع الماجيدي في أقل من أربع سنوات من حكم الملك محمد السادس برز رجلان بسرعة فائقة، فؤاد عالي الهمة ومحمد منير الماجيدي، وظلا هذان الاسمان حاضران بقوة كلما تعلق الأمر بقرار اقتصادي أو سياسي، هيمن الأول على المجال السياسي وعلى جزء من المجال الأمني، فيما هيمن غريمه الثاني على المجال الاقتصادي، إذ ظل الشخصان يخوضان حربا طاحنة لا يعلم تفاصيلها إلا فئة من المقربين لهما. قد أكدت لنا إحدى المصادر المطلعة أن معلومة صفقة تارودانت تسربت إلى الصحافة بواسطة أحد عناصر دائرة أقرب المقربين للملك، وبمجرد تسربها انطلقت العاصفة، وحامت شكوك كبيرة حولها، وذلك باعتبار أن ما تم كشفه إلى حد الآن لا يشكل إلا الجزء لأنه ما زال هناك ما هو أدهى وأمر. إن زمن وطريقة تسريب هذه المعلومة عن خبايا الكاتب الخاص للملك تفيد أن الصراع متعدد الحلقات، منها ما هو علني ومنها ما هو سري مازال ينتظر الكشف عنه. الماجيدي وسوق الإشهار تعد شركة "ف.سي.كوم" الصغيرة نقطة البداية لمنير الماجيدي ليؤسس أخطبوطها محتكرا قطاع الإشهار بالمغرب، وليتحول إلى مالك لأزيد من 1200 لوحة إشهارية تتوزع بين المطارات، ومحطات القطارات، الطرق السيارة، فحيثما تولي وجهك تحاصرك لوحات الماجيدي الذي استحوذ على حق تمديد عقوده إلى مدة تصل ثلاثين سنة، بل امتد نفوذه إلى عائلة رضى اكديرة المستفيدة من عقد استغلال المكتب الوطني للمطارات الذي تم إلغاؤه لصالح شركة "ف.سي.كوم" التي تحول الماجيدي عبرها إلى عراب اللوحات الإشهارية مستفيدا من إحداث مشروع قانون أبدعته حكومة جطو لينظم الصناعة الإشهارية بشكل يسمح باستمرار احتكار "إيف.سي.كوم" سوق الإشهار بالمغرب. على سبيل الختم إن نازلة استفادة محمد منير الماجيدي من أرض تارودانت ذكرتنا بطرق وسبل استفادة المقربين وذوي المواقع الحساسة، ومنها نازلة بترول تالسينت والشركة المرتبطة بها التي تمكنت من تسهيلات من جميع الأصناف لا يتصورها عقل سليم، علما أنه تم الإقرار بها من طرف جملة الأشخاص المحتلين لمواقع حساسة، وتم ذلك قبل انكشاف خدعة "البترول البري". كما تذكرنا نازلة أرض الحبس بنازلة صندوق التعاون العماني وتدبير شؤون بلدية مدينة أصيلة، وهو الملف الذي ارتبطت خيوطه وتداعياته بمحمد بنعيسى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الذي عَلِقَ اسمه بملف نازلة فيلا واشنطن. يبدو أن هناك قاعدة مترسخة، مفادها أن القرب من القصر ومن دوائره مكن جملة من الأشخاص من مراكمة ثروات هائلة، ومنهم من دفعه جشعه إلى عدم الحرص على ولوج مناطق الشبهات. كما يبدو أن جملة من المقربين من الملك مازالوا لم يتخلصوا من عقلية الريع واقتصاد الامتيازات، رغم أنهم تكونوا بأرقى المعاهد الأمريكية وحصلوا على أكبر الشواهد في التسيير والتدبير، هذا في وقت تستوجب فيه حالة البلاد الانخراط الكلي في مجهود تفعيل آليات التنمية وخلق فرص الشغل. إن نوازل محمد منير الماجيدي، وليس هو الوحيد، بينت أن الدولة مازالت لم تؤسس بعد قواعد اللعبة بوضوح وبطريقة تضمن الدرجة اللازمة من الشفافية والانضباط التي تستلزمها النزاهة. كما بينت أن علاقة الدولة بالامتيازات والمال لازالت مطبوعة باعتبار الكواليس، الشيء الذي ساهم في إنتاج وإعادة إنتاج آليات اقتصاد الريع المشجع على استدامة سلوك السبل البعيدة عن الشفافية والمنافسة الشريفة ومساواة الفرص. يزداد الطين بلة عندما يستفيد رجال محتلون لمواقع سامية وحساسة في هرم السلطة، في الكواليس، من حصة الأسد، من آليات منظومة الاقتصاد الريعي والامتيازات، هذا بالرغم من أن "الذين في كرشهم العجينة" يبررون ذلك بأنه من حق الدولة أن تجازي خدامها وإن اتخذ هذا نوعا من التكالب على مقدرات الشعب وثرواته. إن محمد منير الماجيدي (وجملة من القائمين على الأمور غيره) لم يترك أي فرصة تمر دون استفادة أو البحث عن تنمية ثروته، وهذا أمر أصبح يستوجب إعادة النظر في مغرب اليوم.