خلال حفل التأبين المؤثر، الذي أقيم بمراكش، قبل أكثر من سنة، ترحماً على روح السويسرية سوزان بيدرمان، استعاد عبد الرزاق بن شعبان وخوان غويتصولو وفانسان ملليلي، وآخرون، كثيراً من المواقف والذكريات المشتركة مع الراحلة. ومن بين الحاضرين، تحدث غويتصولو عن اليوم الذي رافق فيه الراحلة إلى «دار بلارج»، متوقفاً عند حكاية تُلخص لطبيعة تعامل بعض المسؤولين مع الشأن الثقافي بمدينة السبعة رجال، في زمن طغت فيه لغة المال، واشتدت برودة الإسمنت، وتسارعت وتيرة التحولات، التي طالت الشجر والحجر. وتعود الحكاية، كما سردها غويتصولو، إلى يوم افتتاح مؤسسة «دار بلارج» لرعاية الثقافة. يومها، قال أحد المسؤولين، على مستوى مجلس المدينة، لبعض مرافقيه، وقد كانوا في دردشة جانبية: «كان الأجدى أن تُستغل هذه الدار كمرقص»!! جُملة سقطت، مباشرة في أذن سوزان بيدرمان إليوت، بنفس حدة سقوطها في أذن خوان غويتصولو!! وخلال نفس الحفل، قالت مها المادي، بكثير من الأسف والدموع، إن المدينة لم تلتفت إلى العمل الذي كانت تقوم به سوزان بيدرمان إليوت إلا بعد فوات الأوان. وحين لم تسعفها دموعها، خاطبت غويتصولو، قائلة: «أظن أن سوزان تحولت إلى لقلاق، و«دار بلارج» هي عش مفتوح أمام كل مثقف لبسته حكاية اللقالق، رمز الحرية والرغبة في معرفة العالم. لقد حلقت سوزان، فعلاً. حلقت عالياً. لكنها، كما لقلاق حكاية «الرجال اللقالق»، ستتذكر دوماً ناسها ودارها وأصدقاءها». وقبل أيام، رحل إيف سان لوران، ومع رحيله، توارى نجم عالمي آخر، ساهم في الترويج لصورة مدينة أسِّست لكي تكون مدينة مفتوحة على العالم. ورأى بعض المراكشيين أن رحيل أمير الموضة يبقى حقيقة تتواصل سُنّة حياة بين عشاق المدينة الحمراء، فقبله ماتت السويسرية سوزان بيدرمان، وهي التي اقترن اسمها، في مراكش، بمؤسسة لرعاية الثقافة بمراكش، كما رحلت الأمريكية باتي كود بي بيرتش، التي تعلقت بمراكش فرغبت في أن تترجم عشقها إلى عمل يعطي المدينة قيمة مضافة، فعملت على ترميم منبر الكتبية، مع فرق أن استحضار كل العشاق والمشاهير الراحلين سيضفي على موت المصمم الراحل طابعاً خاصاً، من جهة شهرته ونجوميته الاستثنائية، التي جعلت من موته خبراً استثنائياً. ولاحظ آخرون أن من شأن دفن رماد جثمان المصمم العالمي في الحديقة المراكشية أن يضاعف عدد النقرات الإلكترونية، خاصة وأن اسم الراحل يظل الأكثر تداولاً عبر الأنترنيت، هذه الأيام. وحيث إن اسمه يرتبط، عبر محرك البحث، بحديقة ماجوريل ومدينة مراكش، فإن ذلك سيشكل إشهاراً إضافياً للمدينة. ورغم الدور المتميز الذي يقوم به بعض مشاهير العالم في حياة المدينة المغربية، من خلال الترويج لاسمها عبر العالم، فإن معرفة المراكشيين بتفاصيل حياتهم تبقى محدودة ومرتبطة بتعامل لخصه الإعلامي طارق السعدي في «الكليشيهات»، حيث «اتضح أن المراكشيين لا يعرفون تفاصيل كثيرة عن حياة وشخصية المقيم، وكيف ومتى ولماذا أعجب بالمدينة، مُكتفين بالعموميات، فقط. فهم يعرفون حديقة ماجوريل ولا يعرفون شيئاً كثيراً عن جاك ماجوريل، ويسمعون عن إيف سان لوران وبيرت فلينت وحفلات وأعراس الدبوز وأنيلكا، وآخرين، لكنهم لا يتعدون حدود العموميات في معرفتهم بهم. وحتى خوان غويتصولو، المقيم بينهم في عمق المدينة القديمة، لا يعرفون شيئاً كثيراً عن تاريخه الأدبي وكتبه التي انطلقت من مراكش، كما لا يعرفون شيئاً عن حكايته مع ساحة جامع الفنا». ويتفق الكاتب الصحفي محمد القنور مع وجهة نظر السعدي، ويدعو إلى «إطار مؤسساتي»، أو «لجنة منبثقة عن المجلس الجماعي بالمدينة تُسوق مراكش إعلامياً، وتستثمر عشق مشاهير العالم لمدينتهم، وتسهر على توطينهم ثقافياً وتقريبهم من أهلها». وفي انتظار ذلك، ستتابع وسائل الإعلام الدولية حكاية نثر رماد جثمان إيف سان لوران بين نباتات حديقة شكّلها الرسام الراحل جاك ماجوريل .. كما ستواصل متابعتها لأدق تفاصيل أعراس نجوم العالم في مدينة انتهت ملعباً للنجوم.