هذا المساء، قرأتُ مُلخصاً لحوار منشور في موقع «المراكشية»، قال فيه الكاتب خوان غويتصولو إن «العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هو إبادة للشعب الفلسطيني بمعنى الكلمة وليس حرباً موجهة ضد حركة أو تيار»، مبرزاً أن «زعمها بأحقية وجودها، اعتماداً على ما يسمى بالمحرقة اليهودية من طرف الألمان، سائر إلى التقويض». وأشار غويتصولو إلى أن «الدولة العبرية لم تلتزم، منذ 1967، بأي قرار دولي، وأنها خارج الشرعية الدولية والقانون الدولي»، قبل أن يقول إن كتاباً ومفكرين عالميين، ممن التقاهم، مؤخراً، في أمريكا اللاتينية، أو ممن يتواصل معهم، مستاؤون جداً من التطورات التي سارت فيها الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني. وشدد غويتصولو على أن «الوضعية الإنسانية المزرية، التي يعيشها سكان القطاع، تفرض على النظام المصري فتح معبر رفح، قبل أي نقاش سياسي أو قانوني أو حتى الحديث عن اتفاقيات أمنية مع المحتل». ومن المعروف أن غويتصولو مرتبط، منذ سنوات طويلة، بعلاقة خاصة بمراكش، وحافظ على عشقه لها، وهو عشقٌ ترجمهُ بتطويع لسانه على الدارجة المغربية ومجالسة البسطاء والأصدقاء بمقهى فرنسا، والسكن بالقنارية، على بعد أمتار من ساحة جامع الفنا، حيث اعتاد أن يكلم الصغار كأب وأن يمشي بين الناس كشيخ وقور. وتلخيصاً لعمق ودفء العلاقة التي نسجها غويتصولو مع سكان جامع الفنا، صار أطفال المدينة القديمة ينادونه «عمي خْوان»، أما الكبار فيعتبرونه واحداً منهم، و»ولد جامع الفنا»، مثلهم، فيما يرى كثير من المغاربة، وخاصة المثقفين منهم، أنه صار مغربي القلب واللسان. وقبل أكثر من سنة، أهدى غويتصولو مخطوط «مقبرة»، إحدى أهم رواياته، للمدينة الحمراء، وهي الرواية التي استلهم عالمها من فضاء جامع الفنا، بإيقاعاته وأصواته ومتخيلاته، ومن الحرية التعبيرية لكل ما يتحرك فيه. واعتُبر الإهداء تقديراً رمزياً من غويتصولو، لما يشكله المغرب، بشكل عام، ومدينة مراكش، بشكل خاص، في حياته وكتاباته، وتكريماً لروح المكان وأهله. وسبق لغويتصولو أن قال إن مراكش صارت جزءا لا يتجزأ من حياته، بعد أن شكل انجذابه إلى المغرب ومعايشته اليومية لأمكنته وتنوعه الهائل انعطافة أساسية في حياته ومساره الأدبي، الشيء الذي ساعده، في رأي البعض، على تجاوز الحدود القائمة بين الكتابة والتراث الشفوي، وبين الأفكار وتعبيرات الحواس المشاعة في الساحات والحواري، كما مكنه من تشكيل رؤية جديدة للإبداع ودوره في بناء الجسور بين الثقافات. ويصنف غويتصولو، بحسب النقاد، كواحد من أهم الكتاب الإسبان المعاصرين، عرف بمساهماته العديدة في التعريف بالعالم العربي والإسلامي، سواء من خلال كتاباته ومقالاته الأدبية أو عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية، كما يعتبر من المبدعين القليلين في العالم، الذين يلتزمون بخط واضح في الإبداع الأدبي ويحرصون على الانتصار لحقوق الشعوب، ولذلك نجده يرسم الكثير من الخطوط الرابطة بين مآسي القصف والحصار في مختلف نقط الدمار والقتل، مراكماً الزيارات إلى دم العالم المُراق، عبر قارات العالم. ونقرأ في تقديم كتابه الأخير، الذي أعطاه عنوان «حدود زجاجية»، أن «غويتصولو لم يكن يوماً كاتباً عادياً، ليس فقط لأن كتبه كانت معروفة في مخافر الشرطة أكثر منها في المكتبات خلال فترة الديكتاتورية في إسبانيا، بل أيضاً لكونه أدرك مبكراً أن امتطاء صهوة الكتابة يفرض عليه التحلي بقيم المحاربين النبلاء والسفر إلى أشهر مناطق التوتر لمعرفة ما يجري على أرض الواقع، ومصافحة المنكوبين قبل الكتابة عن أحزانهم». وفي الوقت الذي تداولت فيه بعض وسائل الإعلام، قبل أيام، خبر فوز غويتصولو بالجائزة الوطنية للآداب، التي تمنحها وزارة الثقافة الإسبانية، رأى المراكشيون أن «عمي خوان» يبقى أكبر من كل الجوائز. أليست أكبر وأجمل الجوائز هي تلك التي يحملها البسطاء من الناس، في قلوبهم، للكبار من الكتاب، ممن ينتصرون للقضايا الإنسانية العادلة، ويلتزمون بخط واضح في إبداعهم الأدبي؟