بوحمارة أشهر المتمردين على السلطات المركزية على الإطلاق. جاء تمرد بوحمارة على السلطان مولاي عبد العزيز في وقت كان فيه المغرب يعاني من كل شيء، من التوترات الداخلية ومن سوء الأحوال الاقتصادية ومن المجاعة ومن الصراع على السلطة ومن تكالب القوى الأوروبية الاستعمارية عليه ومن ضعف مناعته العسكرية ومن سيادة الإشاعات وسخط المجتمع على الطبقة الحاكمة. بوحمارة كان في بداية حياته مجرد موظف بسيط في القصر السلطاني بمراكش، وكان يتمتع بذكاء كبير وحس متقد وقدرة على الإقناع، وهو ما جعله يقنع نفسه أولا، وغيره ثانيا، بأنه قادر على أن يخلق حالة استثنائية في البلاد، ولم لا يصبح سلطانا ما دام أن غيره من أشباه المتعلمين صاروا موظفين كبارا في الدولة، أو وزراء وخدام السلطان. بدأ بوحمارة، واسمه الكامل عمر ابن ادريس الجيلالي الزرهوني الروكي، عمليات احتياله الأولى في قصر السلطان عندما اتهم بتزوير ختم السلطان، وأودع السجن هو وأحد الخدم الآخرين، اسمه المنبهي. وعندما خرج المنبهي من الأسر أصبح وزيرا للحربية، فتساءل بوحمارة: «إذا كان المنبهي، الذي يقل كثيرا عن بوحمارة علما وثقافة وفقها وذكاء أصبح وزيرا للحرب، فإن من حق بوحمارة أن يصبح سلطانا». هكذا وطد العزم على أن يكون سلطانا، فكان له ما أراد ولو لسبع سنوات. لم يكن بوحمارة في بداية حياته يحمل هذا اللقب، لكنه عندما قرر التمرد على السلطات المركزية قرر الركوب على ظهر أتّان، فحمل اسمها. اختفى بوحمارة لفترة من الوقت بعد خروجه من السجن، بحيث يقول مؤرخون إنه توجه نحو المنطقة الشمالية الشرقية للمغرب، ودخل الجزائر، ومنها عاد يحمل قرار التمرد على السلطان، متخذا من المنطقة الممتدة من نواحي فاس وتازة ووجدة ومناطق الريف وجبالة مركزا لتأجيج تمرده، وزعم أنه الابن الأكبر للسلطان الراحل الحسن الأول، مستغلا في ذلك دهاءه الكبير وقدرته البالغة على الإفحام والإقناع، وأيضا على علمه بوجود أكبر أبناء مولاي الحسن الأول في السجن. اختار بوحمارة هذه المنطقة لزرع بذور التمرد لأنها منطقة بعيدة عن الهيمنة المباشرة لنفوذ السلطان، ولأن أهلها عانوا كثيرا من جبروت المخزن، فقرر أن يجعلها مملكته، ولو إلى حين. في كل المناطق التي يزورها بوحمارة كان يركز على فساد الحاكمين، وانشغال السلطان عبد العزيز بتفاهات الحياة من لعب وأراجيح يمده بها الأجانب مقابل مبالغ طائلة يغرقون بها ميزانية الدولة استعدادا للانقضاض على المغرب. كان خطاب بوحمارة خطابا وطنيا حقيقيا، لولا أنه، حسب مؤرخين، لم يكن يروم من ورائه تغيير الأوضاع لفائدة البلاد والعباد، بل لفائدته الشخصية، وهذا ما تبين فيما بعد حين استتبت له الأوضاع في عدد من المناطق، وأصبح الأئمة يدعون للسلطان بوحمارة من فوق منابر المساجد بالرفاه والسؤدد وطول العمر، وأصبح له ديوان خاص وحكومة مصغرة من بينها وزارة التشريفات، وحاجب سلطاني، وخاتم خاص به عبارة «السلطان بوحمارة: الله حافظه». لا تهم كثيرا نهاية بوحمارة لأنها كانت متوقعة حسب قاعدة «سلطانان لا يجتمعان في بلد واحد». لكن الخطاب الذي استعمله هذا الرجل لقي الكثير من الاستحسان في أوساط الناس الذين كانوا يسمعون عن ملاهي السلطان عبد العزيز وانشغاله باللعب التي يزوده بها الأوروبيون الماكرون. كان بوحمارة خبيرا ضليعا في توظيف خطاب سياسي يستند إلى يمكن تسميته اليوم ب»البروباغاندا السياسية»، أو الحرب الإعلامية ضد خصومه. كان ملاكا في نظر أتباعه وشيطانا في عيون المخزن. وفي النهاية انتصر المخزن ليس لأنه الأحق، بل لأنه الأقوى والأكثر مكرا.