كانت وضعية المغرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تشي بأن البلد سيسقط في كل الأحوال في حضن الاستعمار الأجنبي، وأنه مهما كانت الأسباب فإن ذلك سيحدث لا محالة. كانت وفاة السلطان الحسن الأول بداية الطريق نحو تفكك كبير لهيبة المخزن، رغم أن هذه الهيبة لم تكن في أي وقت من الأوقات كاملة الأوصاف والصفات، لكنها كانت على الأقل موجودة وحاضرة على المستوى النفسي والسلطوي. بعد أن تولى المولى عبد العزيز الحكم في تلك الظروف الغريبة بدفع من الحاجب أحمد بن موسى (باحماد) سنة 1894، أصبحت الضغوط الدولية على المغرب تتزايد من طرف بلدان أوروبية، على رأسها فرنساوإسبانياوألمانيا وإنجلترا. وتزايدت هذه الضغوط بشكل أكبر بعد وفاة الحاجب القوي سنة 1900، وهي الوفاة التي عجلت بظهور الفتن والثوارت، من بينها تمرد الجيلالي الزرهوني المعروف بلقب بوحمارة. منذ سنة 1900 بدأت فرنسا توسع وجودها في عدد من مناطق المغرب، خصوصا في مناطق فكيك وتوات، وتدخلت بريطانيا لإجبار المغرب على الخضوع لإصلاحات إدارية ومالية، وتعالى صوت إسبانيا مطالبة بنصيبها في كعكة المغرب، وبدأت ألمانيا تحذر غيرها من أنها لن تصمت أمام عملية توزيع المغرب بين عدد من البلدان الأوروبية، وأنها تريد نصيبها أيضا. كانت الإصلاحات التي تحاول فرضها أوروبا على المغرب تتراوح بين إصلاحات سياسية ودستورية، وبين إصلاحات إدارية واقتصادية. وفي الوقت الذي كان المغرب غارقا في مواجهة الضغوطات الأجنبية، ظهرت حركة المتمرد بوحمارة، الذي زعم أنه الابن الأكبر للسلطان الراحل الحسن الأول، وجمع حوله عددا مهما من القبائل، خصوصا تلك الموجودة بين تازة وفاس، قبل أن تسانده بعد ذلك القبائل الموجودة في منطقة الشرق والريف. وفي ظل هذه الظروف اقترضت الدولة المغربية مبالغ مالية ضخمة من بنك باريس من أجل مواجهة العجز الذي تعانيه خزينة الدولة، إضافة إلى رغبة المخزن في عصرنة الجيش لمواجهة الفتنة الداخلية وعلى رأسها تمرد بوحمارة، وفوق هذا وذاك سادت أزمة غذائية كبيرة وازداد النهب وعمت الاضطرابات. عندما خسر السلطان مولاي عبد العزيز معركته الأولى ضد حركة بوحمارة سنة 1902، فإن البلدان الأوروبية أدركت أن المغرب يتهاوى، وأن مسألة استعماره أصبحت قضية وقت فقط. هكذا بدأت الدول الأوروبية تعقد اتفاقيات سرية في ما بينها من أجل الغنيمة المغربية، ومن بين هذه الاتفاقيات تلك التي وقعتها فرنسا مع إيطاليا نهاية 1902، تتنازل بموجبها فرنسا عن طموحاتها في ليبيا، مقابل أن تطلق إيطاليا يد فرنسا في المغرب. وفي 1904 وقعت فرنسا اتفاقية مع إسبانيا تصبح فيها باريس سيدة المغرب، على أن يكون نصيب إسبانيا هو شمال البلاد. وعندما كان السلطان عبد العزيز يحتج على هذه الاتفاقيات، أو تلك التي تصل إلى علمه، فإن البلدان الأوروبية كانت تغرقه بمزيد من القروض وتطالبه بالمزيد من الإصلاحات، دون أن تنسى مدّه بمزيد من اللعب. كانت ألمانيا هي الشوكة الأخيرة في حلق فرنساوإسبانيا وبريطانيا، حيث ظلت تطالب بحقها في المغرب، عبر بوابة «السيادة المغربية»، وهذا ما دفع الإمبراطور الألماني غيوم الثاني إلى زيارة مدينة طنجة عام 1905، وهناك استقبله عم السلطان المولى عبد الملك، واعتبرت تلك الزيارة موقفا واضحا وقويا من ألمانيا على أنها لن تكتفي بالتفرج على ما يجري من تنافس حول المغرب، وهو ما منح الدولة المغربية قوة ولو مؤقتة في مواجهة الأطماع الأجنبية. لكن المغرب كان يسير بخطى حثيثة نحو مزيد من التردي، وهو ما أبانت عنه شروط مؤتمر الجزيرة الخضراء، التي وضعت رقبة المغرب تحت المقصلة ورفع الجلاد سيفه لكي ينزل بالضربة القاضية. هكذا لم تكن ثورة بوحمارة سوى قطرة في بحر مضطرب الأمواج. ولو لم تكن هناك ثورة بوحمارة لكانت هناك ثورات وتمردات غيرها. المغرب كان سيسقط في كل الأحوال لأنه أصيب بالتعفن الداخلي، ولما «طاح المغرب.. علقوا بوحمارة».