ظهرت دعوة بوحمارة في الريف في وقت كانت المنطقة تعرف غليانا حقيقيا بفعل الأوضاع المأساوية التي كان يعرفها المغرب عموما، ومنطقة الريف خصوصا، التي كانت تجد نفسها في المنزلة بين المنزلتين، لا هي المنطقة المغربية بالكامل فتحظى ببعض الدعم والاهتمام من طرف السلطات المركزية، ولا هي المنطقة المستقلة بالكامل عن المغرب فتتدبر شؤونها بنفسها عوض الاتكال على تدابير المخزن. وصل بوحمارة إلى الريف في وقت كانت المنطقة، أو جزء كبير منها على الأقل، تدين بالولاء للشريف أمزيان، وهذا الرجل هو الذي ستأتي على يده نهاية بوحمارة، حيث تحالف أمزيان مع المخزن من أجل القضاء على المتمرد، فكان ذلك التحالف ضد الطبيعة، لكنه يتوافق مع الأعراف المصلحية لجميع الأطراف. ثورة الريفيين ضد بوحمارة بدأت منذ أن قبض هذا الأخير ثمن تعاقده مع الإسبان من أجل استغلال مناجم الحديد قرب الناظور، فكان بذلك بمثابة اعتداء سيادي واقتصادي على سكان المنطقة. كانت منطقة الريف الشرقي هي المكان الأكثر أمانا لثورة بوحمارة، حيث وجد الأنصار والرجال، ولم تنفع في البداية كل الدعوات التي أطلقها الشريف أمزيان ضد بوحمارة، بل كان هذا الأخير يكسب كل يوم أنصارا جددا في المنطقة، وصاهره بعض كبار قادة القبائل في الريف مثل القايد البوفروري ومحمد بن شلال. بل إن الشريف أمزيان أفلت من الموت بأعجوبة عندما وصل جيش بوحمارة حتى عقر داره وعاث فيها فسادا، وطارده حتى وصل أمزيان إلى مليلية حيث احتمى بها ردحا من الوقت. ولعل الخطأ الكبير الذي وقع فيه بوحمارة هو عندما اعتقد أن قوته وصلت إلى حدود لا يمكن لأحد أن يهزمه، فعاث في القبائل فسادا وقتلا وانتقاما، فتحالفت ضده القبائل بعد أن تحالفت معه، فكانت هزيمته الأولى في موقعة أمزورن، ثم حوصر في قلعة سلوان، فخرج منها نحو وجدة، فحاصرته جيوش المخزن والقبائل، وكان القايد الناجم الخصاصي صاحب الحظ في الإيقاع النهائي ببوحمارة، حين قبض عليه عام 1909 وسلمه على طبق من ذهب للسلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي سجنه في قفص لأزيد من عشرين يوما، قبل أن يتم التخلص منه نهائيا في 12 شتنبر من نفس السنة، وبذلك انتهت واحدة من أغرب الفترات في تاريخ المغرب، لكن الفوضى في المغرب لم تنته، لأنه، ثلاث سنوات بعد ذلك، سيقدم المغرب كله نفسه على طبق من ذهب لإسبانيا وفرنسا، عندما تم توقيع معاهدة الحماية في فاس سنة 1912.