لم يعد الناس بآسفي يترحمون على أهاليهم وذويهم، ولم تعد العجائز والجدات والأرامل يزورون مقابر عائلاتهم،... ولم تعد تجد بمقابر المدينة أطفالا يحملون ماء ولا فقهاء يرتلون آيات من الذكر الحكيم ولا ضعفاء وفقراء يتسولون،...حتى أصبحت آسفي مدينة تشبه قبيلة بني الحارث التي أعماها التفاخر وصح فيها قول الباري تعالى: «ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر» . بآسفي، لم يشغل الناس عن زيارة مقابرهم وصلة الرحم مع الموتى وتذكر الآخرة ما شغل قبيلة بني حارث، ذلك أن أهالي مدينة الخزف لم يتفاخروا ولا نسوا موتاهم بل إن زيارة القبور بالمدينة أصبحت مثل زيارة أدغال آسيا الوسطى حيث الأفاعي الجائعة التي اتخذت من آسفي ومن التوابيت الخشبية للقبور موطنا تتوالد فيه وتعيش به على مر السنين. الأفاعي بمقابر آسفي، لعلم من لم يشاهدها، ضخمة، تتخذ من حواشي القبور مساكن عبارة عن حفر بقنوات طويلة تتصل بأكثر من تابوت خشبي.. به تضع بيضها وسط ظلمة القبور، أما أفظع ما يشاهده حراس المقابر هو هجوم الأفاعي على قبور حديثة الدفن، حيث تأخذ نصيبها من اللحم البشري للميت قبل حتى أن يُسأل عن أفعاله من قبل ملاك الموت. المقابر بآسفي تحولت إلى غابة استوائية بفعل التساقطات المطرية التي شهدتها المدينة حيث حولتها إلى غابة بنباتات وأشجار عشوائية ضخمة غطت القبور وتحولت إلى موطن مناسب للأفاعي والعقارب السامة والخطرة، مما اضطر الناس إلى العدول عن زيارة موتاهم، ليس لأن الدنيا ألهتهم كما ألهت بني حارث، وإنما لأن الأفاعي والعقارب هي بمثابة الأسياد الجدد للمكان. أهالي آسفي لم يتخلوا فقط عن تقليد زيارة المقابر، بل حتى النساء الحوامل والنفساء منهم أصبحن يترددن ألف مرة قبل وضع مواليدهن بمستشفى المدينة، وصار مألوفا أن تسمع ممرضة تقول لحامل جاءها المخاض: «كاين شي حد معاك يحضي ولدك من الطوبات؟»،... فقط لأن الجرذان السمان أصبح لها شأن في قسم الولادة بمستشفى محمد الخامس حيث اللحم البشري الطازج للمواليد متروك للأنياب الحادة ل»الطوبات». مستشفى المدينة التابع لوزارة ياسمينة بادو الاستقلالية لا يجد اعتمادات مالية كافية لتوفير السلامة الصحية للمواليد الجدد، لكنه يجد في المقابل السيولة المالية الكافية لتشغيل «فيدورات» من شركة خاصة للحراسة يتكلفون برفس المرضى والزوار عند بوابة المستشفى، فيما «الطوبات» تتكفل بهم داخل قسم الجراحة وقسم الولادة، حيث تتسابق وتتصارع الجرذان على فضلات وبقايا العمليات الجراحية البشرية، في منظر ألفه الأطباء والمرضى.. تقشعر الأبدان عند رؤيته. للمرضى والمواليد الجدد بآسفي جرذان وللموتى في مقابرهم أفاع، لكن هناك جرذان وأفاع أخرى لا تستوطن المستشفيات ولا المقابر، يسهل التعرف عليها بالمدينة فقط لأن هيئتها آدمية وشهيتها وأنيابها حيوانية تعض كل ما يتحرك ويتراقص من أرقام دسمة بداخل ميزانيات المجالس المنتخبة وميزانيات المهرجانات وأموال التنمية البشرية ورمال الشاطئ المنهوبة، ولا تكترث لمآل المدينة ولا حتى للأحياء فيها قبل الأموات.