في الوقت الذي نجد فيه أسر عتبة الفقر بالعاصمة الاقتصادية تستجدي الحياة في رحاب الموت بين المقابر المهجورة للمدينة، إذ في مدينة الموتى الترابية مساكن لأحياء تزاحمت في مساحات مهملة بمحيطها، أحلام ساكنيها لا تزيد عن الحصول على أربعة جدران، وجيران غيرالموتى...، هناك بالمقابر الكبرى للمدينة (الشهداء، الغفران، الرحمة..) بيوت يشتريها أصحابها لتكون مقابر خاصة، يتم إعدادها في موقع استراتيجي لاحتضان موتى العائلة، في مستقبل الأيام بعيدا عن مقابر عامة الناس. هي مدافن جماعية تضم جثامين موتى عائلات ثرية ومعروفة، ذات مكانة سياسية واجتماعية في المدينة، تجدهم يحرصون عليها كما يحرصون على بيوتهم، ويبنون حولها الأسيجة، كما لو أن ميتهم سيجد أن قبره فى مكان شبيه بحديقة قصره، بل إن بعضهم يبالغ في هذه الظاهرة حتى تكاد قبورهم أن تكون مزارات. ومن حديث بعض حفاري القبور، أن بعض أصحاب هذه المقابر العائلية يعتقدون أنهم سوف يجتمعون مع ذويهم الذين يدفنون قربهم. وذكر مشرف على أحد المقابر بمقبرة الشهداء، (المقبرة الرئيسية في العاصمة الاقتصادية، التي امتلأت، ولم يتبق بها إلا مساحة محدودة صالحة للدفن، إضافة إلى القبور المحجوزة لدفن موتى عائلات وشخصيات المدينة). أن بعض هذه القبور الخاصة، التي يقتنيها الأغنياء وتحمل أسماء عائلاتهم، تظل في غالب الأحيان فارغة لأشهر بل لسنوات، إلى حين أن يزور ملك الموت أحدهم. فيما يرعى هذه المدافن عمال يكسبون قوتهم من طلاء وتنظيف شواهد هذه القبور. فعلى طول الشارع الرئيسي للمقابر الكبرى بالعاصمة الاقتصادية تنتصب مقابر خاصة، وهي عبارة عن بيوت صغيرة من أربعة إلى خمسة أمتار، تختلف هندسة عمرانها، بحسب المكانة الاجتماعية لأصحابها، بعضها تسمو على سقفها قبة صغيرة خضراء زاهية مكتوب على بابها بخط صريح الانتماء العائلي. ويتراوح سعر الأراضي التي تشتريها العائلات الثرية قبل أن يشيدوا عليها قبورهم الخاصة، ما بين 40 إلى 60 ألف درهم. فيما قد تكلف عملية بناء المدفن وتجهيزه حوالي 100 ألف درهم. وذكر الحاج حسن عزيز رئيس مجموعة جماعة التعاون الاجتماعي بمقبرة الغفران، أن المقابر الكبرى بالدارالبيضاء تخصص من مساحتها الإجمالية 10 في المائة، للترخيص ببيع قطع أرضية بمساحة 25 مترا، تحتوي على 12 قبرا عائليا، بثمن يقدر ب 40 ألف درهم. موضحا ل التجديد أن هذه العملية محددة بقرار جبائي تصادق عليه وزارة الداخلية والمالية، قبل أن تتم المصادقة عليه من قبل مجموعة التعاون الاجتماعي (مجلس منتخب يعهد إليه بإدارة شؤون المقبرة)، وبعد مصادقة وزارة الداخلية تستخلص الواجبات، وعلى كل راغب في اقتناء قطعة أرضية بالمقبرة الاتصال بإدارة مجموعة التعاون. وشدد حسن عزيز على أنه ليس هناك أي تمييز بين مواطن وآخر، فعملية البيع مفتوحة لكل الراغبين، كيفما كانت مكانتهم الاجتماعية. مؤكدا على بيع القطع الأرضية بالمقبرة لتشيد عليها مقابر عائلية، تعطي الموازنة لميزانية تسيير المقبرة، فصيانة المقبرة (الحائط الوقائي، المسجد..)، تستخلص من ميزانية المقبرة وبيع القطع العائلية. وحول ظاهرة بناء بيوت خاصة يشتريها أصحابها لتكون قبورا عائلية بالمقابر، يرى الدكتور عز الدين توفيق، أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالدارالبيضاء، أن هذه العملية من الناحية الشرعية جائزة، إذا كانت الجهة المالكة أو الوصية عن المقبرة قد خصصت بعض البقع من المقبرة للبيع، وكان القصد منها هو تمويل مصاريف المقبرة أو صيانتها أو الإنفاق على قبور الفقراء والضعفاء، وزاد عضو رابطة علماء المسلمين بالقول شراء هذه البقع الأرضية لمن له القدرة على ذلك مشروع، وتترتب عليه ملكية مشروعة، وأما أن تشوب هذه العملية محاباة فلا يجوز لأجل الطريقة التي يتم بها التفويت، وليس في أصل العملية المتعلق بأن يكون عند الأسرة قبور تدفن فيها أقاربها الموتى، ومادام المكان هو جزء من المقبرة، فإن دفنه وأقاربه يكون داخل في المقبرة، لأن من حقوق المسلمين أن يدفنوا في مقابر المسلمين. أما الأمر الآخر في العملية برأي الدكتور توفيق، فإن الذي ورد الترخيص به فقط، هو أن يكون للأسرة مكان لدفن أقاربه الموتى حتى يسهل على الزائر معرفة المكان والقبور، لكن ما يفعله بعضهم من تفنن في البناء والزخرفة وتحويل القبور إلى ما يشبه الدار، يدخل في باب البناء على القبور، وقد ورد فيه نهي شديد، لأن القصد أن تكون المقبرة مكانا للعبرة يذكر فيه الناس الآخرة وينسون الدنيا، وأن يتساوى فيها المسلمون تماما مثل المسجد وأن يتركوا فروقهم الاجتماعية خارج المقبرة، وفي الإطار ذاته، وجه خطيب مسجد عقبة بن نافع بالبيضاء، إلى التفريق بين الأمرين، الجواز بأن تكون للأسرة قبور خاصة عائلية. والنهي عن بناء القبور وتزيينها، إلا ما كان يدخل في القانون المنظم للمقبرة، كأن يقسم بين القبور بالأسلاك مثلا..