كانت علامات الضيق واليأس تبدو واضحة على وجوه عاملات وعمال شركة "أوسكار ووش"، (الخاصة بالنسيج)، الواقعة بالحي الصناعي، في تراب عمالة مقاطعة البرنوصي، وهم يتجمهرون أمام باب الشركة، بدعوى "أنهم أوقفوا عن العمل منذ 20 نونبر الماضي دون مبرر وجيه"العاملات الأكثر تضررا (خاص) أرادوا باحتشادهم هذا، كما عبروا عن ذلك "إحراج الشركة، وتأكيد أنهم سيدافعون دفاعا مستميتا عن حقهم في الشغل، وفق ما تمليه عقود العمل مع الشركة"، أما مدير الشركة فله رأي آخر. "أن تتوقف عن العمل دون سابق إنذار، يعني أن مصيرك التشرد والضياع"، هكذا عبر بعض عمال الشركة بدهشة تنطوي على السخط، من أن "عقد العمل لم ينفع معهم في حفظ حقوقهم المهنية، حتى تنكر أكثر حقوقهم وضوحا". بجوار الشركة، حيث تسبب تهاطل الأمطار في تجمع المياه وتراكم الوحل يقبع العمال "المتوقفون" عن العمل، على نحو يثير في أنفسهم الملل إلا أنهم يعجزون عن الحيلولة دون "الفراغ" الذي يعيشونه"، ولأن الاعتصام أمام مقر الشركة يبعث لديهم بالأمل في استئناف العمل، فهم بحاجة إلى المكوث أمام المقر، إلى حين تسوية مشكلتهم وإن كان ذلك متعبا". كان حديثهم إلى "المغربية" يوحي بأن ما "يقاسونه عميق، تختلف حدته من عامل لآخر، غير أن القاسم المشترك بينهم، هو الحاجة الماسة للعمل". كما كان عمال شركة "أوسكار ووش" يدركون مكمن ضعفهم (فقر وعوز وضيق الأفق)، ما جعلهم يلحون على الشركة قصد السماح لهم بالعودة إلى العمل، لأن معاناتهم الاجتماعية تزيد تضخما، كلما مضت أيامهم بمنأى عن العمل". قصص حزينة يبتسم الحسين الشوري، عامل منذ سنتين بالشركة، ابتسامة قلقة واصفا أن "طبيعة عمله تلزمه بحمل كميات كبيرة من "الجينز" على كتفيه، في تجاه الطابق الرابع، بعدما تعطلت وظيفة المصعد، وأصبح المعني الوحيد بنقل المنتوج"، ولأن الأمر يتطلب منه تكرار العملية عدة مرات ولمدة 10 ساعات في اليوم، فإن الحسين يؤكد أن "مجهوده العضلي أكبر مما يتقاضاه من أجرة (1500 درهم للشهر، كأقصى ما يحصل عليه)". أما خالد بوسحاق، عامل منذ سنتين، عبر أنه "قلق من مصيره المجهول، بعدما تحمل الضغط في العمل، ليجد نفسه أمام ديون متراكمة سواء تلك المتعلقة بعيد الأضحى أو تكاليف السكن"، الأمر ذاته، بالنسبة إلى زكرياء الدحدوحي، الذي اشتغل قرابة 4 سنوات، إذ ما فتئ يذكر على نحو متضايق أنه يقطن في دور الصفيح بسيدي مومن، وهو المعيل الوحيد ل9 أفراد من أسرته، وتوقفه عن العمل في غياب بديل يرهقه ويشوش على حياته المليئة بالصعاب والمشاكل. "أن يكون زوجان يعملان في الشركة نفسها، ويفاجآن بالتوقف عن العمل في آن واحد، ذلك ما يصعبه وصفه"، يصرح كمال بودحايم، بنبرة متوترة، مضيفا أن زوجته الحامل لم تستفد من التغطية الصحية ولا من الصندوق الاجتماعي، ما أجبرهما على جر أذيال الخيبة، وهما إلى الآن عاجزان عن توفير مصاريف العيش". أما رشيد الحمومي، عامل منذ سنة ونصف السنة، فلم تسعه الكلمات للتعبير عن الإكراهات التي تواجهه أثناء العمل، خاصة أنه مكلف باستعمال المواد الكيماوية لتنظيف سراويل "الجينز"، ما عبر عنه بالقول:" عن مهمته تستدعي منه الحرص الشديد على إتقان تنظيف وترتيب الثوب، غير أن مفعول المواد الكيماوية خلق لديه حساسية في العين"، ليتوقف هنيهة مستطردا القول: "لا وجود لأدوات واقية تحميه من تبعات المواد، ما عدا الاستعانة بالصبر، لأنه المعيل الوحيد لأسرته"، الرأي نفسه يؤكده محمد فارسي، عامل منذ خمس سنوات، "رغم صعوبة ما عملناه، فإننا مجبرون على تحقيق أكبر قدر ممكن من عدد السراويل، وإلا سيكون مصيرنا الإقصاء من العمل"، يقول محمد، في محاولة منه رصد واقع نعته ب"المرير". ممنوع المرض بينما يحاول بعض العمال التصريح ل"المغربية"، بما يختزنه من مشاكل اجتماعية ونفسية، حاول البعض الآخر الاحتماء من تهاطل المطر بالخيمة البلاستيكية الصغيرة التي شيدوها بأسلوب متواضع، ليفيد عبد الكبير السليماني وسعيد أكثار أنه "رغم الظروف المتردية التي يشتغلون فيها (ضغوطات نفسية وساعات إضافية من العمل دون تعويض عنها)، فإنهم كانوا يمتثلون لكل أمر يطلب منهم، إنما لا يستسيغون أن يصبحوا عاطلين عن العمل على حين غرة، ومعظم العمال ملزمون بسد ديونهم المتراكمة عليهم". أما العاملات فمشاكلهن داخل الشركة لا تقل حجما عن باقي العمال، خاصة أنهن يشتغلن ساعات إضافية تكلفهن الخروج من الشركة في وقت متأخر، وغزلان غندور، عاملة منذ سنتين، تؤكد بطريقة تعكس أن خوفها من وعورة السير بالليل في الشارع أقوى مما تشتغله، قائلة:" لا نحصل على تعويضات مقابل العمل لساعات إضافية، ومع ذلك نلتزم بواجباتنا المهنية، وإن كان خطورة الشارع ليلا تهدد سلامتنا كلما غادرنا الشركة، وبمعزل عن أي وسيلة نقل تتكفل باصطحابنا"، لتضيف باستياء، أنه "إذا ما تأخر أحد ولو خمس دقائق، كان مصيره الاقتطاع من أجرته بعد أن يعود أدراجه من حيث أتى". من جهتها، تصرح فتيحة هرادي، تشتغل في الشركة حوالي سنتين، أنها "أصيبت بمرض الحساسية، لتضطر إلى دفع تكاليف العلاج بنفسها، في غياب للتغطية الصحية، إذ لا يجب على أي عامل أن يتغيب عن العمل حتى في الحالات الصحية الحرجة، وإلا سيكون مآله التوقف عن العمل". وأجمع العمال على أن حقهم في العمل ضرورة أكثر من اختيار، مطالبين"الشركة بتمكينهم من استئناف العمل في أقرب وقت".