تحت لفح الشمس التي لم يجدوا لها بدا غير افتراش "الكرطون" ونباتات الأرض، يجلس عمال شركة "صوفاكا" مترقبين لحظة الفرج من إدارة الشركة، لمنحهم فرصا للحوار، وحل مشاكلهم العالقةهؤلاء العمال الذين يبلغ عددهم حوالي 46 عاملا، ضاقوا درعا بأشكال الظلم والإجحاف، هكذا صرحوا ل"المغربية"، وإلا ما كان مصيرهم قضاء أيامهم، منذ 19 نونبر الماضي إلى اليوم، في العراء، على أمل أن يفضي اعتصامهم إلى نتيجة مع إدارة الشركة. وجوه شاحبة بملامح قانطة ومضجرة، يقبع عمال وعاملات شركة "صوفاكا" متطلعين إلى التفاتة من قبل المسؤولين بالشركة، تعفيهم من وضع وصفوه ب"المأساوي واللا إنساني"، عاملات بلغ بهن العياء مبلغه، قلن ل"المغربية" إن وضعهن الصحي والنفسي متردي، ما قدمنه من خدمات للشركة بتفان وإخلاص، كاف للاحتجاج والمطالبة بأبسط حقوقهن، "أو ليس شبابنا كله ذبل بين جدران هذه الشركة، حتى تتبرأ من كما لو كن نكرة"، تقول العاملات بإجماع، في إشارة إلى أن ما صرفنه من سنوات، أعمق بكثير من أيام قليلة في الإضراب والاعتصام، ولو كن لا يجدن غير الصد والعزوف من المسؤولين بالشركة. تتجمع عاملات الشركة بعدما افترشن "الكرطون" على نحو يوحي أن عزيمتهن أكبر من معاناتهن النفسية، يتحدثن ويناقشن، وبؤرة موضوعهن، واقع حالهن اليوم، بعد مضي ما يناهز 27 سنة، سنوات لو كان بإمكانهن استعادتها، لصرفنها في عمل آخر، غير العمل في شركة "صوفاكا"، التي تجاهلت تضحياتهن وأقدميتهن. حكايات عديدة ومؤثرة عاشتها العاملات بالشركة، لكن لقمة العيش سبب وجيه في القبول بإكراهات نفسية وصحية، تقول العاملات بأسلوب ينم عن عمق أزمتهن، ليستطردن القول، إن ضعف الحيلة، وضيق الأفق دفعهن إلى الإذعان لكل الأوامر، لكن أن يبلغ الوضع درجة طردهن بطرق غير مباشرة، هو ما لم يستسغنه أبدا. قصص حزينة بصوت مبحوح ومرهق، تحاول كل عاملة أن تختزل قصتها الطويلة مع شركة "صوفاكا"، التي قلن إنها "الشركة التي أفنين فيها زهرة شبابهن، ولأن المسؤولين فيها، يتغيرون في كل مرة، فالعمال والعاملات يضطرون إلى تحمل طريقة اشتغال كل واحد، في غياب تام لاحترام أقدميتهم وأحقيتهم في تحسين وضعهم المهني". ومع ذلك، تفيد العاملات أن الصبر والجلد، زادهم لكسب قوتهم اليومي. أمينة ميراوي، أم لولد، عاملة، اشتغلت في الشركة منذ سنة 1983، صرحت ل"المغربية" بأن "مشاكلها متشابكة، تجمعت فيها معاناتها الصحية والنفسية والعملية، والعامل الأساسي في كل هذا، عدم قدرتها على الاشتغال في ظروف تخلو من الضغوطات والإكراهات"، إذ تضيف أمينة أن "تعرضها لحادثة داخل الشركة، حولها إلى امرأة عاجزة عن العيش على نحو طبيعي، فإصابتها في رجلها، كلفها مصاريف مادية، إلى جانب مرضها بالقلب، إذ لم يعد بإمكانها الوقوف لساعات طويلة، في مقابل عدم استفادتها من التغطية الصحية، ما يعني بالنسبة إليها أنها تعيش، الاحتضار البطيء"، مشيرة إلى أن "إجبارها على العمل عما يناهز 14 ساعة، في وقت تتقاضى أجرتها عن 5 ساعات في اليوم، هو أمر لا يقبله المنطق، ولا يمت صلة بحقوق الإنسان". أما محجوبة أرضي، أم لولدين، عاملة في الشركة منذ 1986، فتروي ل"المغربية" أن مرضها بالسكري والكلي يتضخم باستمرار، خاصة أنها تشتغل أكثر من 11 ساعة، فيما تتقاضى عن 8 ساعات، ولأنها لا تستفيد من التأمين الصحي، فمصاريف العلاج تتكبدها وحدها، بمساعدة بعض المحسنين، الذين يتصدقون عليها ببعض المصاريف، بينما تقول عائشة الباهي، التي عملت في الشركة سنة 1984، أن طول الساعات التي تقضيها في العمل، مقابل أجر زهيد لا يتجاوز ألفا و500 درهم، يجبر والدتها على السهر أيضا، وانتظار عودتها إلى البيت الذي يكون في كثير من الأحيان في الثالثة والنصف صباحا، ولأنها لا تملك بديلا آخر، فهي ترضخ لكل ما يطلب منها من عمل، حتى لو كان على حساب إمكانياتها المحدودة". "ظلم والتهميش" يتوزع العمال بمحاذاة شركة "صوفاكا"، بعدما انشغل بعضهم بنصب خيمة، قالوا إنها "إشارة إلى أن اعتصامهم سيظل قائما، إلى حين تسوية ملفهم المطلبي، هذه المطالب، التي أكدوا أنها لا تخرج عن إطار مدونة الشغل كما ينص عليها القانون"، موضحين ل"المغربية" بأن تجاهل إدارة الشركة لمطالبهم، لن يثبط عزيمتهم في بلوغ حقوقهم المهنية المشروعة. وبمجرد استفسار العمال عن أمورهم وأسباب اعتصامهم، يتجمع العمال في مكان واحد، محاولين التعبير عن معاناتهم داخل الشركة، إذ يذكر عبد الجليل الحسيني، أب لثلاثة أبناء، أنه بعد عمله في الشركة حوالي 23 سنة، يجد نفسه عرضة للطرد، بسبب امتناعه عن تفتيش العاملين، إذ يوضح عبد الجليل أن أحد المسوؤلين أمره بأن ينوب عن حارس الشركة في مراقبة العمال، بعدما كان يشتغل في ترتيب وتنظيم الأدوية، ولأنه رفض هذا التغيير، اتهم بإخفاقه في أداء واجبه، حتى يكون مصيره الطرد، ويضيف عبد الجليل أنه كان دائما ملتزما بأداء واجبه المهني، لكن الإكراهات التي أصبح يعيشها في الآونة الأخيرة، أجبرته على الاعتصام، والمطالبة بحقوقه. وبينما يسرد عبد الجليل تداخل مشاكله بالشركة، ينتفض غزالي الرداد، أب لطفلين، وعامل منذ 15 سنة، مفيدا أنه سئم كغيره من العمال أشكال "الظلم والتهميش"، حسب قوله، وهو لم يتوان لحظة عن صرف كل أوقاته في العمل، مقابل أجر زهيد لا يكفي لسد تكاليف غلاء المعيشة، الرأي نفسه يؤكده محمد باحسو، الذي عمل بدوره 15 سنة، ليضطر اليوم إلى خوض اعتصام مفتوح، دون أن يستطيع سد الديون المتراكمة عليه بعد اقتناء بيت سكني، أما رضوان هوان، فيحكي بعصبية، أن وضعه مزري جدا، ولقي كل أشكال التعسف، إذ يفسر بأن تعرضه لحادثتي سير أثناء توزيعه للأدوية لم يعترف بها، فحاول بمجهوده الفردي جمع 3 آلاف درهم للعلاج، خاصة أن إصابته في رجله اليسرى مرتين، كانت تحتم عليه إجراء ترويض طبي. أربعمائة درهم لكل واحد وأثناء حديث رضوان عن مسلسل معاناته، يبادر عبد الله بن حميدوش بنوع من الحسرة، للتعبير عن واقع العمال في تأكيد ل"المغربية" أنه إلى جانب الحاج التيجاني وعثمان الهاشمي، اتهموا بسرقة الأدوية في شهر رمضان الماضي، وأجبروا على دفع 400 درهم لكل واحد، كتكاليف للأدوية المسروقة، مشددين التأكيد على أنهم ظلموا، ولم يكونوا مسؤولين عن هذا الادعاء، في إشارة إلى أن عملهم لمدة 24 سنة، شاهد على حسن سيرتهم بالشركة، حتى يتهموا دون وجه حق بالسرقة. وفي خضم الحديث مع العمال، الذين ما فتئوا يستنكرون تغاضي الإدارة عن التواصل معهم، وحل مشاكلهم، صرحوا ل"المغربية" بنبرة استخفاف وامتعاض، أن كل ما تعرض واحد منهم لحادثة شغل، إلا وأرغم على غض الطرف والاعتراف بأن الحادث ليس سوى وقوع على الدرج والسلالم، ما عبروا عنه بالقول "حنا اللي تجرح فينا ولا مات، راه غير طاح في الدروج، كلنا كنطيحو في الدروج، الله ياخذ الحق". الإدارة لا تستجيب حاولت "المغربية" الاتصال بالمسؤولين في شركة "صوفاكا" لتوزيع الأدوية، للأخذ برأيهم في موضوع اعتصام العمال، والاستفسار عن طبيعة المشكل الذي دفع بهؤلاء للاحتجاج واستنكار ما أسموه "بالتجاوزات الممارسة عليهم"، إلا أن "المغربية" لم تتمكن من التحدث إلى أي مسؤول، بدعوى أن المسؤولين لم يأتوا بعد إلى الشركة، وأنه سيجري الاتصال ب"المغربية" بمجرد حضورهم. من جهتهم، أجمع العمال على أن الشركة لابد أن تأخذ بعين الاعتبار ملفهم المطلبي، الذي لن يتراجعوا عنه، إذ أن أبرز ما يلحون عليه إرجاع كل العمال المطرودين بدون قيد ولا شرط، من خلال وقف عمليات الطرد غير المبررة، خاصة أولئك العمال الذين يتمتعون بالأقدمية في العمل، في تأكيد منهم، على ضرورة الأخذ ببنود مدونة الشغل، وتطبيقها بما يحفظ حقوقهم المهنية، كحفظ أجور العمال والتغطية الصحية، والتعويض عن ساعات العمل الإضافية، والتعويض عن حوادث الشغل، وورقة الأداء. ودعا العمال الجهات المعنية والعاملين في حقل الدواء إلى مساندتهم، لتحقيق مطالبهم العادلة، ورفع الضغط النفسي، وكذا إيقاف مسلسل معاناتهم الاجتماعية والمادية، مؤكدين في الآن نفسه أن ما قدموه من خدمات للشركة، لا يجب أن يقابله الطرد دون وجه حق، يقول العمال. بعيدا عن الاعتراف تتحدث عتيقة غياط، بأسلوب يكشف عن قلق وحيرة، أنها اشتغلت في الشركة قبل سنة، وحينما تعرضت لحادثة سير في سيارة الشركة، (إصابة في الرأس وجروح في الوجه)، قيل لها تصرح بأن الحادثة لا علاقة لها بالعمل، في وقت كان وضعها الصحي مقلقا، ولم تستطع معه إجراء فحص شامل، ماعدا الاكتفاء بأدوية بسيطة، كما أضافت عتيقة أنها طلبت من الإدارة مساعدتها لتوفير "شهادة الاحتياج"، لإجراء فحص بالصدى على جمجمة الرأس، إذ أن إصابتها كانت مؤلمة، ولم تنفع معها الأدوية، إلا أنها لم تستطع الحصول على أي مساعدة، خاصة أن أجرتها الهزيلة التي لا تتعدى 1200 درهم، بالكاد تعيش منها، وتدفع أجرة كراء يقدر ب 800 درهم للشهر. وأكدت عتيقة التي لا تتوفر على أي أوراق عمل تقر بحقوقها كعاملة في الشركة، حسب تصريحها ل"المغربية"، (أكدت) أن قبولها بالاشتغال حوالي 16 ساعة في اليوم، سيمكنها من الحصول على الأقل على مساعدات إدارية، إلى أن تفاجأت بأن مصيرها شأنه كباقي مصائر العمال بالشركة، ما جعلها تخرج مع العمال المعتصمين، للتعبير عن حاجتها إلى وضع مهني قار وقانوني. زميلتها في العمل، فاطمة الزهراء الذهبي، التي عملت في الشركة منذ سنتين، تؤكد بدورها ل"المغربية" أنها تفتقر إلى أوراق عمل تعترف بوجودها كعاملة في الشركة، وتضيف أنه بعد تعرضها لحادثة السير مع عتيقة، فإنها لم تعد قادرة على تحمل ما أسمته ب"التجاوزات"، إذ أنها وحدها من تكلف بالعلاج، في وقت تتحايل على الظروف لاقتناء حاجيات عيشها اليومي.