في بداية الستينات تأسست بفاس شركة مغربية لصناعة الأسلحة الخفيفة. ومع منتصف السبعينات تحولت إلى معمل للصناعات الميكانيكية والكهربائية يعرف اختصاراً باسم سيميف، ويختص في إنتاج محركات الدراجات النارية من نوع 50 ومحركات الدييزل والمحركات الكهربائية، وذلك انطلاقاً من وحدات لصهر أو سباكة الألومنيوم والمعالجة الميكانيكية وإنتاج الدراجات الاقتصادية من نوع فيكا فهجض. وقد مُنحت الشركة تقريباً صلاحيات احتكار منتوجاتها. حضرت الشركة في قائمة المؤسسات المعدة للخوصصة سنة ,1990 آنذاك كانت تحقق مداخيل مالية مهمة بحجم 12 مليار سنتيم في السنة، بالرغم من أنها وجدت بعض الصعوبات في التكيف مع برنامج تحرير التجارة الخارجية. فوتت وزارة الخوصصة سيميف سنة 1995 لتبدأ حكايات تعكس بوضوح أعطاب السياسة الصناعية بالمغرب، سواء من حيث الاختيارات الكبرى أو في ما يتعلق بضعف التدبير المقاولاتي. أولاً: عجائب الخوصصة بمقتضى الظهير الشريف 01 90 1 الصادر بتاريخ 11 04 ,1990 أدرجت شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية بفاس ضمن لائحة المؤسسات العامة التي سيتم تحويلها إلى القطاع الخاص، وعلى إثر موافقة لجنة التحويل من القطاع العام إلى القطاع الخاص بتاريخ 06 07 ,1994 أبرم السيد وزير الخوصصة يوم 24 07 1995 عقد تفويت لصالح 5 شركاء خواص، بعضهم وهميون، ليدشن الحلقة الأولى من مسلسل العجائب الذي ستشهده الشركة موضوع الحديث. وبتاريخ 04 09 1995 أصدر السيد الوزير الأول مرسومين جعلا العقد المذكور منتجاً لآثاره، فأصبحت الشركة مملوكة للخواص بشكل رسمي. كما اتفق على تفويت نسبة 10 بالمائة من أسهم الشركة بصفة مجانية لفائدة عمال الشركة. وبمقتضى فصول وبنود عقد التفويت، التزم الشركاء بالحفاظ على سمعة الشركة ومكانتها الاقتصادية والتجارية، واستثمار مبلغ 40 مليون درهم، والمحافظة على اليد العاملة وخلق فرص جديدة للشغل، والالتزام بالوفاء بكافة ديون الشركة، وتمتيع العمال بنسبتهم في أرباح الشركة بصفتهم مساهمين، واحتفاظ الدولة وبدون مقابل بمساحة العقار المحددة في 5,20 هكتار، والالتزام بكافة بنود وشروط العقد خلال خمس سنوات كاملة ابتداء من تاريخ التفويت، مع إعطاء الوزير المكلف بالخوصصة تقريراً كتابياً مفصلاً خلال كل ستة أشهر عن وضعية الشركة. إلا أن الأطراف المفوت لها، وفي غياب أي ردع، أحجمت عن تقديم التقرير نصف السنوي للوزير المكلف بالخوصصة، وامتنعت عن تفويت نسبة 10 بالمائة من الأسهم إلى العمال، ولم تنفذ التزاماتها المالية المقررة في عقد التفويت، سواء تعلق الأمر باستثمار 4 ملايير سنتيم أو أداء الديون التي كانت بذمة الشركة تجاه الأبناك وبعض مؤسسات الضمان الاجتماعي، بالرغم من أنها اشترت الشركة بدرهم رمزي. هذا بالإضافة إلى تسجيل خروقات وتجاوزات متعلقة بتسيير وإدارة الشركة، مما أدى إلى تردي العلاقات مع الزبناء والممولين والمؤسسات المالية والبنكية بشكل ترتب عنه توقف الشركة منذ أواسط 1997 وإلى غاية النصف الثاني من سنة ,1998 وذلك بعد أن سجلت خسارات بلغت 6 ملايين درهم سنة ,1995 و15 مليون درهم عام ,1996 و39 مليون درهم سنة ,1997 و47 مليون درهم عام .1998 وإذا كان الخواص قد أخلوا بالتزاماتهم وقادوا الشركة إلى الإفلاس عوض التنمية كما هو هدف سياسة الخوصصة، فإن الوزارة المعنية قد سقطت بدورها في مجموعة من التجاوزات ومن بينها: ضعف التحقق من تنفيذ أهداف مرسوم الخوصصة، وعدم التأكد من أهلية الشركات والأشخاص الذين ستفوت لهم الشركة ومدى ملاءمة ذمتهم المالية، إذ لم تتأكد من الوجود الفعلي والقانوني لبعض الشركاء، إضافة إلى أن عملية التفويت تمت قبل أن تؤدى قيمة الأسهم المخصصة لها، أي أنها خولت حقوقاً لم تكتسبها هي بعد بوجه صحيح. كما أن وزارة الخوصصة خولت من دون سبب واضح 5 بالمائة من الأسهم للمدير العام السابق للشركة، والذي أصبح يملك 40 بالمائة من الأسهم في اليوم الموالي لتوقيع عقد التفويت. هذا فضلاً عن أن الوزارة تأخرت في توقيف نزيف الشركة، حيث إنها لم ترفع مقالاً قضائياً إلى المحكمة التجارية بالرباط إلا يوم 21 07 ,1998 طالبت فيه بفسخ عقد التفويت والتعويض عن الضرر الذي لحق بالشركة. وبعد عدة جلسات، وبتاريخ 24 10 ,2000 أصدرت المحكمة المذكورة حكماً يقضي: بفسخ عقد تفويت شركة سيميف المؤرخ في 24 07 95 والمبرم بين الدولة المغربية وبعض الخواص، واعتباره كأن لم يكن، إرجاع الشركة إلى ملكية الدولة والحكم على الشركاء بأداء 10 ملايير و30 مليون سنتيم تضامناً فيما بينهم لصالح الدولة، مع الفوائد القانونية ابتداءً من تاريخ الحكم وإلى غاية يوم الأداء. وقد انبنى حكم المحكمة بالأساس على خبرة قضائية أجراها أحد المختصين وانتهى إلى أن إدارة الخواص عمدت إلى تهميش مصلحة المراقبة الداخلية، والمبالغة في تقويم الأشغال التي قامت بها الشركة لصالحها ما بين 1996 و,1998 وعدم تحديد المهام والمسؤوليات، وتنقيل العمال من مصلحة إلى أخرى بصفة مستمرة، وعدم تطابق قيمة السلع داخل المصالح التقنية والإنتاجية ومصلحة المعلوميات، وغياب الأطر التجارية والمالية، وتحمل عدة مسؤوليات من طرف بعض الأشخاص، وغياب التأمين عن الأخطار بالنسبة للتركيبات الكهربائية والمرافق الإدارية والتقنية والإنتاجية، ووجود اختلالات تتصل بتقويم المنقولات كالسلع المدخرة، أو اعتبار بعض القطع الحديدية غير الصالحة كقطع من الدرجة الثانية أو العكس، وعدم تعيين مراقب في الحسابات، واحتساب بعض الفاتورات ضمن قوائم سنة 1996 بينما وصولات التسليم أصدرت سنة ,1997 زيادة على أنها لم تحترم ترقيم الفاتورات، مع وجود اختلالات محاسباتية ناتجة عن عدم تطابق مبيعات الشركة مع المشتريات المستهلكة لإنتاجها. وبعد مرور أزيد من سنة ونصف عن صدور حكم إعادة شركة سيميف إلى ملكية الدولة المغربية بتاريخ 24 10 2000 مازال وزير الخوصصة يتحدث عن إجراءات تنفيذ الحكم بصيغة المستقبل، حيث يقول في وثيقة صدرت عنه بتاريخ 08 05 2002 وقد تم تبليغ الأطراف المعنية بالحكم، لذا فإن محامي الدولة سيلجأ إلى طلب اتخاذ الإجراءات القانونية الجاري بها العمل حتى يصبح الحكم نهائياً ويتم تنفيذه. هكذا عجزت حكومة التناوب لمدة تزيد عن 18 شهراً عن التفكير في إجراء مسطرة تنفيذ حكم قضائي صدر لصالحها، وبقيمة 10 ملايير سنتيم! ويستعصي الأمر عن الفهم إذا علمنا أن من شأن تنفيذ هذا الحكم أن ينقذ 260 عاملاً من الضياع والإجحاف. فما بين الحكم وتنفيذه إذن مسافة زمنية لن تكون بالقصيرة، والضحية هو الإنتاج الصناعي بالبلاد والوضع الاجتماعي للعمال. ثانياً: التدبير المقاولاتي تحت الإشراف القضائي بعد إغلاق شركة سيميف لمدة تفوق سنة (من منتصف 97 إلى النصف الثاني من 98)، وأمام عجز المساهمين عن إيجاد حل لإعادة نشاط الشركة، رفعت الحكومة في شخص الوزير الأول والوزير المكلف بالخوصصة دعوى إلى القضاء من أجل متابعة المساهمين بعدم الوفاء بالتزاماتهم كما وقع التنصيص عليها في عقد التفويت، وكذلك من أجل وضع الشركة تحت الحراسة القضائية. في هذا السياق، أصدرت المحكمة التجارية بفاس بتاريخ 24 08 1998 حكماً استعجالياً يضع شركة سيميف تحت الحراسة القضائية. كما رصدت وزارة الخوصصة مبلغ 12 مليون درهم لتوضع تحت تصرف الحارس بموجب اتفاقية لإعادة هيكلة الشركة، على أن تسترجع الدولة المبلغ بعد سنتين من تاريخ تسلمه. وبذلك استأنف المصنع نشاطه. وبموجب الحكم المذكور تعين على الحارس القضائي تسيير شؤون الشركة وإعادة النهوض بها، والقيام بكافة الإجراءات المستعجلة، مع ما يترتب عن ذلك قانوناً، وشمول الأمر بالتنفيذ المعجل. وبفضل دعم الدولة المؤقت استطاع الحارس القضائي أن يؤدي بتاريخ يناير 1999 جزءاً من متأخرات أجور العمال، وأن يوفر بعض وسائل التسيير الضرورية كالمواد الأولية وفواتير الماء والكهرباء ورسوم الصيانة. في حين لم يستطع أن يؤدي ديوناً أخرى تهم الصناديق المهنية والضرائب والديون البنكية وفوائدها. وبتاريخ 20 03 2002 تسلم حارس قضائي جديد مهام تسيير سيميف. وكان الحارس المعزول قد اعترض على تجهيز الدولة قطعة أرضية تابعة لملكية الشركة على اعتبار أن العقار لا زال تحت حراسته ما دامت الدولة لم تنفذ بعد حكم إرجاع الشركة إليها. وقد صرح هذا المسؤول السابق بأن عدة جهات تدخلت للضغط عليه من أجل حمله على التراجع عن وضع دعوى بالمحكمة التجارية بفاس ترمي إلى إيقاف مواصلة الأشغال. وتبلغ قيمة العقار الذي ضاع للشركة، حسب تقدير الحارس القضائي الأول 6 ملايير سنتيم. ولا يطرح أمر العزل إشكال العقار فقط، بل إن الحراسة القضائية نفسها دامت إلى غاية تاريخ التوقيف أربع سنوات، وهو ما أصبح يتعارض مع مبرر وجودها الذي هو إجراء وقتي، أي لمدة محدودة. وفضلاً عن الاعتراضات التي اعترضتها الحراسة القضائية على غيرها، فإنها كانت بدورها موضع احتجاج من قبل العمال الذين لم يلمسوا تحسنا في وضعهم الإنتاجي أو الاجتماعي بالرغم من تبدل الإدارة. مما يطرح التساؤل الموضوعي عن إمكانية تسيير القضائي للصناعي. فما هو المجهود الذي بذلته الحراسة القضائية؟. وما هي المآخذ المتعلقة بالتدبير المقاولاتي، والتي أمكن تسجيلها عن هذه المرحلة من حياة سيميف المتعثرة؟؟. اعتمدت المشتريات المحلية على الأداء بواسطة الشيكات البنكية بنسبة 50 بالمائة، والباقي تمت تأديته بعد انصرام ستين يوماً. أما المقتنيات من الخارج فكانت تؤدى بواسطة رسائل ائتمانية لمدة ثلاثة أشهر. وتراوحت مدة إنجاز الطلبية ما بين 6 إلى 8 أسابيع. وانتقل استخلاص المبيعات، نظراً لعدم وجود إدارة حازمة، من 30 يوماً إلى ما يزيد عن 150 يوما. وشهدت سنة 1999 خسارة ثلث رقم المعاملات الذي استقر ما بين 2000 و2001 في 19 مليون درهم، وتراجع عن هذا الحد خلال سنة 2002 بسبب توقف التموين، وفقدان جزء من أدوات وحدة السباكة التي كانت تمثل 25 بالمائة من الإنتاج، وخسارة 30 بالمائة من السوق، وتراجع إنتاج الدراجات النارية. وشهدت سنة 2003 بدورها خسارة الزبون الرئيس لوحدة السباكة، مما أدى إلى توقفها الشامل منذ شهر شتنبر، المصير نفسه ألت إليه وحدة إنتاج الدراجات، كما انخفض إنتاج أحد أنواع المحركات ( 50) بالرغم من الحصول على عدة طلبات بشأنه، ومما يوضح أيضاً ضعف أداء الحراسة القضائية هو أن حصيلتها السنوية كانت دون التوقعات بشكل مثير. وقد تعدى مسلسل انخفاض رأسمال الشركة الحد المسموح به قانوناً وهو 25 بالمائة من الرأسمال الاجتماعي البالغ 18 مليون درهم، ليصل إلى أزيد من 10 أضعاف الرأسمال الاجتماعي. كما بلغ العجز المالي 169 مليونا و96 ألف درهم، في حين وصلت الديون المتراكمة منذ ما قبل زمن الخوصصة وإلى غاية يوم 31 12 2003 أزيد من 157 مليونا و542 ألف درهم، بالإضافة إلى فوائدها التي وصلت أزيد من 80 مليونا و600 ألف درهم. فلماذا لم يلتزم الخواص الذين فوتت لهم الشركة سنة 1995 بأداء ما كان آنذاك متراكماً من ديون في ذمة الشركة؟. ولماذا لم يجد المتجاوزون للواجبات رادعاً؟. ثالثاً: سيميف تحت إشراف الحكومة من جديد بتاريخ 01 10 2003 تم تعيين مدير عام جديد للشركة. وفي منتصف دجنبر من السنة ذاتها انعقدت الدورة العادية للجمعية العامة، والدورة الاستثنائية للمجلس الإداري من أجل تعيين مسيرين للشركة يعملون تحت إشراف وزارة الصناعة. وفي سياق استرداد الحكومة شركة سيميف، تم إقرار أنظمة تحقق الانسجام مع قانون 95,17 الخاص بالشركات مجهولة الاسم. كما تم تحيين السجل التجاري للمؤسسة. وجاءت سيناريوهات الإنقاذ الأخيرة، وتأسست المقترحات على تقليص اليد العاملة بنسبة 60 بالمائة لإحداث التوازن بين كتلة الأجور وبين حجم المعاملات، بعد ذلك تطور تفكير المجلس الإداري في اتجاه 3 سيناريوهات: الحفاظ على الشركة والاكتفاء بوحدات قطع الغيار لمحرك ,50 والسباكة، والمعالجة الميكانيكية والكهربائية. هذا الاختيار سيكلف حوالي 113 مليون درهم بما فيه الملف الاجتماعي صاحب 20 مليون درهم لأداء المغادرات ومتأخرات الرواتب. التصفية الودية التي ستكلف 156 مليونا درهم، والتي يفترض أن تتحملها الدولة. التصفية القضائية: حيث اقترح المجلس الإداري المنعقد في دورته الثانية يوم 23 مارس 2004 تقديم طلب لدى المحكمة التجارية لفتح مسطرة معالجة الصعوبات أو إعلان الهيكلة القضائية للشركة، وذلك من أجل توقيف تراكم الديون، مما سيسمح بإطلاق برنامج إعادة هيكلة قد يعيد النشاط للشركة، باعتماده على: تخفيض عدد العمال من 261 مستخدماً إلى 70 فرداً، وبالتالي تخفيض كتلة الأجور من 13 مليون درهم إلى 5 ملايين درهم. تفويت بعض العقارات التي تملكها الشركة إلى الخواص. تفويت بعض مكونات الشركة إلى القطاع الخاص. وإذا كان المقترح الأول والثاني يستحضران الملف الاجتماعي، فإن المقترح الثالث الذي فضله المجلس الإداري، لا يتحدث عن تسوية وضعية العمال، بل إنه يدعو إلى تقليص عددهم، رغم أن الشركة قد شهدت أحلك عهودها مع الحراسة القضائية، كما توضح المعطيات المبينة أعلاه، هذا فضلاً عن أن مدينة فاس قد شهدت منذ سنة 1998 إغلاق 45 معملاً وتسريح 3212 عاملاً بسبب ما يسمى بالتعرض للصعوبات. وضعت مخططات الإنقاذ، وأجل التنفيذ. ثم قضت محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 12 04 2004 بمصادرة الحساب البنكي الوحيد الذي بقي للشركة. فتوقف النشاط المالي للمؤسسة، وابتداءً من ماي 2004 توقفت شركة التأمين التي كانت تؤمن سيميف في حوادث الشغل والسرقة والحرائق والمسؤولية المدنية عن تغطيتها بسبب عدم توصلها بمستحقاتها المالية. مما ترتب عنه التوقيف النهائي للإنتاج ونقل المستخدمين. كما أصدرت المحكمة التجارية بفاس حكماً يقضي بفتح مسطرة التسوية القضائية في حق سيميف، وتحديد تاريخ التوقف عن الدفع في 13 04 ,2004 وتعيين القاضي المنتدب والسنديك (م،ج) يتولى عمليات التسيير، وإعداد تقرير مفصل حول الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للشركة، وتقييد مقتضيات الحكم بالسجل التجاري للشركة، والقيام بإجراءات الشهر. وبتاريخ 19 01 2005 أذنت المحكمة للسنديك بتفويت الشركة مراعاة لحجم ديون الشركة ولضعف السيولة المالية من جهة، ومن جهة مقابلة لتميز نشاط المؤسسة وتوفرها على طاقات بشرية وأسواق وطنية وخارجية.