بخلاف الصوت الرتيب المنتظم للآلات بشركات الحي الصناعي البرنوصي، ليس هناك شيء يذكر يعكر هذا المناخ، إلا مشهد عاملات وعمال يتوافدون على شركة إيكوماي من حين لآخر، ويتفرقن على خيام تم نصبها وسط ساحة المصنع، يحرسن بها حقا ضائعا قد يأتي وقد لا يأتي. لقد أصبح الوضع صعبا منذ أن توقف الإنتاج بهذا المصنع، الذي فضلت إدارته توقيف العمل بدون سابق إنذار، ودون إبلاغ المكتب النقابي، كما أوقف تسديد مستحقات الصناديق منذ سنة ,2007 وعدم تأدية أجور العمال، إلى غير ذلك من المشاكل التي تتخبط فيها هذه الفئة بهذا القطاع الحيوي، الذي يشكل المرتبة الثانية في تشغيل اليد العاملة بعد قطاع الفلاحة، وهو ما يثير المخاوف على مستقبل أزيد من 900 عامل وعاملة، جلهم من النساء، وجدوا أنفسهن فجأة بدون عمل، وهن اللواتي أفنين عمرهن في شركة من أقوى الشركات بالمغرب، بل إنهم من عملم بها منذ أن تأسست سنة .1973 اعتصام بالتناوب .. مجموعة الليل ومجموعة النهار يأتين من مناطق متفرقة من الدار البيضاء، يلتحقن كل صباح بساحة الشركة، وفي المساء يغادرن ليلتحق الرجال، يتناوبون على حراسة الأمل المتبقي (فضاء شركة حجز على الأرض التي تقام عليها لفائدة أحد الأبناك، وبضع سيارات، وحوالي 1600 متر من الثوب بمخزن المصنع)، لعل حلم تسوية وضعيتهم يتحقق ذات يوم، وإن كانت صورته تبدو قاتمة، في ظل تجاهل مسيري الشركة لمطالبهم، وانسداد كل أبواب الحوار، التي خاضها العمال والعاملات من دون جدوى. توقفت أجورهم، وباتت أسرهم مهددة بالتشرد منذ 5 أشهر، وكثير منهم تطاله تهديدات متابعات قضائية، لأجل تسديد أقساط ديون كانت إدارة الشركة تقتطعها من أجورهم، ولا تؤديها إلى الأبناك. طرقوا جميع الأبواب ومازالوا، يحركهم أمل واحد كل يوم، أن يجد وضعهم طريقه إلى الخلاص، بعد أن يستردوا حقوقهم المغتصبة، ثم يستأنفوا العمل من جديد. قصص شبيهة وتحايل متكرر وغير بعيد عن شركة إيكوماي إلا ببضع كيلومترات، الصورة ذاتها تتكرر، إذ يعتصم المئات من العمال والعاملات بقطاع النسيج وصناعة الملابس الجاهزة، المنتمون إلى شركتي، لانسولوتي الموجودة بالحي الصناعي لعين السبع، وبوغارت الموجودة بالحي الصناعي لمولاي رشيد. ويتكرر هذا المشهد الذي يؤثث الأحياء الصناعية بالدار البيضاء، في كثير من الشركات التي احتمت بسيف مسطرة التصفية القضائية بداعي الإفلاس، لتقطع أرزاق المئات من العمال والعاملات، بعيدا عن أي متابعة بأداء التعويضات، قبل أن يفتح أرباب هذه الشركات شركات أخرى بمسميات جديدة، وبطاقم جديد من العاملات بشكل خاص. في حين لا يجد العمال والعاملات أمامهم من غيض الانتفاض سوى أن يستوطنوا فضاء الشركات التي يهجرها مسيروها، في انتظار تسوية تحفظ أرزاقهم، وتحمي أسرهم من التشرد. 2600 عامل وجدوا أنفسهم في الشارع وقد سبق أن شارك العمال والعاملات بقطاع النسيج وصناعة الملابس الجاهزة بثلاث شركات(شركة إيكوماي ولانسولوتي الموجودتان بالحي الصناعي للبرنوصي وعين السبع، وشركة بوغارت الموجودة بالحي الصناعي لمولاي رشيد)، في مسيرة عمالية حاشدة مؤخرا، أمام مقر ولاية الدارالبيضاء الكبرى، احتجاجا على توقيف العمل بهاته الشركات دون سابق إنذار، مما أدى إلى تشريد العمال والعاملات بها. وطالبوا الجهات المختصة باتخاذ تدابير فعلية من أجل صون كرامة العمال والعاملات في هذا القطاع. وكان مصدر نقابي أكد ل التجديد أن 2600 عامل وجدوا أنفسهم في الشارع مؤخرا بالحي الصناعي مولاي رشيد بالدار البيضاء، بسبب إغلاق شركتين في قطاع النسيج، موضحا أن الدعم الذي تقدمه الدولة للقطاع يقتصر على الشركات التي تصدر منتوجاتها، وتستثني التي تشتغل على الصعيد الوطني، مما يجعل العديد من الشركات في وضعية صعبة. الوجه الآخر للمعاناة على صعيد آخر، تراجع عدد المصرح بهم في قطاع النسيج بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 163 ألفا و844 عاملا خلال يناير من السنة الماضية، إلى 154 ألفا و117 عاملا خلال نفس الفترة من السنة الحالية، وفق ما جاء بجريدة ليكونوميست، التي أضافت أن 11 ألفا و102 عامل فقدوا عملهم في قطاعي النسيج والسيارات، ولم يعد مصرح بهم بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واحتل قطاع النسيج حصة الأسد بخصوص عدد مناصب الشغل المفقودة ب9727 أجيرا. يذكر أن نسبة صادرات الملابس القطنية تراجعت بحوالي نصف ما بين سنتي 2007 و,2008 وهو نفس الأمر بالنسبة لنسيج الألياف التركيبية والاصطناعية، والزرابي والملابس والأغطية، وفق إحصاءات مكتب الصرف. وبعدما سجل حجم الملابس القطنية المصدرة سنة 5621 ,2007 طنا بلغ حجمها السنة الماضية 2920 طنا، وتراجعت قيمة صادرات نسيج الألياف التركيبية والاصطناعية من 227 ألف درهم إلى 165 ألف درهم، والزرابي من 99 ألفا إلى 76 ألف درهم، والملابس من 20 مليون درهم إلى 19 مليون درهم، والأغطية من 54 ألف درهم إلى 32 ألف درهم.