يبدو أن التراجع الكبير، الذي سجله المغرب، هذا العام، على صعيد مؤشر ملامسة الرشوة، تنقيطا وترتيبا، فرض نفسه على الحكومة فرضا، ودفعها دفعا إلى التحرك، من أجل تدارك المسار الانحداري، الذي هوى بالمغرب إلى المرتبة التاسعة والثمانين، بعد أن انخفض تنقيطه إلى 3.4 نقط. وقبل الإشارة إلى بعض محاور التحرك المذكور، لا بد من التشديد على حيوية توافر القناعة الواضحة لدى الحكومة بجدية وخطورة ظاهرة الرشوة في البلاد، وبالدور الرئيسي المنوط بالدولة في محاربة تلك الظاهرة. والواقع أن ما تناقلته الصحافة من تصريحات وزير تحديث القطاعات العامة، في اللقاء الإخباري بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الرشوة (9-12-09)، لا يبين أن القناعة المذكورة توافرت بالصورة المطلوبة لدى الحكومة المغربية. والدليل الأول على ذلك، أن السيد محمد عبو ما زال يلح على اعتبار أن ظاهرة الرشوة "منتشرة في كل المجتمعات، الغنية منها والفقيرة"، والحال أن ما تعرفه بلادنا من مستويات مرعبة للرشوة لا يمكن مساواته بما تعرفه العديد من البلدان، التي يتجاوز تنقيطها ستا من عشر نقط، وما نحلم به في الأمد المتوسط، هو أن يتجاوز تنقيطنا حد الخمس نقط. والدليل الثاني على ذلك، أن السيد عبو لا يلقي باللائمة في التراجع المغربي على الحكومة، بل يلقي بها على المجتمع، الذي لم يتجاوب بصورة فعالة مع "مجهودات الحكومة"، على حد قوله. لكن وزير تحديث القطاعات العامة سرعان ما يرد على نفسه، حين يتحدث عن التحرك الحكومي المقبل، ويخبرنا بأن حكومة عباس الفاسي ستعمل، في الأفق القريب، على إصدار القوانين اللازمة لحماية المبلغ عن الرشوة، وعلى إصدار قانون خاص بالوصول إلى المعلومة، وعلى تعديل القانون الجنائي، في اتجاه تشديد العقوبات المتعلقة بالرشوة... ولأن مثل هذه الإصلاحات القانونية كان بالإمكان تنفيذها قبل اليوم، وكان من شأنها أن تعزز القدرة على محاربة الرشوة، وأن تحسن تنقيط وترتيب المغرب في هذا المجال، فإن الحكومة هي التي لم تتجاوب بالصورة المطلوبة مع مطالب المجتمع بالحد من الرشوة. وإذا ما توافرت اليوم القناعة سالفة الذكر، وأنجزت الإصلاحات المشار إليها، فإن احتضان المغرب لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الأممية لمحاربة الفساد، في العام المقبل، سيكون فرصة لتحسين صورة البلاد.