خلف الفيلم المغربي "الرجل الذي باع العالم"، المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته التاسعة، الكثير من الجدلأودي مارمي بطلة فيلم الرجل الذي باع العالم تتوسط عماد وسهيل نوري إذ اختلفت الآراء حوله، بين متقبل له ومعجب بطريقة اشتغال المخرجين المغربيين الأخوين نوري عليه، وبين رافض وغير راض على مستواه، بسبب طغيان التقنية على حساب الموضوع. الأخوان عماد وسهيل نوري، اعتبرا الأمر عاديا، وقالا إنهما حضرا المهرجان ليس من أجل الجائزة، بل من أجل معرفة رأي الجمهور والإعلام حول فيلمهما، وأنهما يرغبان في تقديم سينما مختلفة، منفتحة على الآداب العالمية، وليس سينما مغربية محضة، كما فعل والدهما. في حوار مع "المغربية"، استحوذ عماد بالكلمة، وأجاب على أغلب أسئلتنا، فيما فضل سهيل، السيناريست، التحدث حول عملية اقتباس الشريط عن رواية "قلب ضعيف" لدوستويفسكي. ماذا تشكل لكما المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان الفيلم الدولي بمراكش؟ - نحن فخوران بالمشاركة في مهرجان مراكش وتقديم الفيلم للجمهور ولأعضاء لجنة التحكيم والصحافة، كما أننا هنا لتمثيل المغرب في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهي مناسبة ذهبية بالنسبة لنا. حظينا باهتمام كبير، خاصة أن الشريط لم يترك الجمهور سلبيا. الشريط خلف ردود أفعال متباينة، بحيث هناك من أعجبه وهناك من لم يرقه على الإطلاق، إذ خرج حتى قبل انتهاء العرض، ما رأيكما في ذلك؟ - مهما اختلفت الآراء، الأمر مهم بالنسبة لنا، لأن الشريط على الأقل أثار بعضا من الجدل، ومن الطبيعي أن ينال رضى البعض، وألا يعجب البعض الآخر. ما يهمنا هو أننا قدمنا سينما نؤمن بها، ونحن راضيان جدا عن ذلك. الملاحظ طغيان التقنية السينمائية على باقي مكونات الفيلم، هل الأمر كان مقصودا؟ - جميع الآراء تحترم، فنادرا ما نجد عملا، سواء كان أغنية أو لوحة أو قطعة موسيقية أو فيلما تتوحد الآراء حوله، الأمر نفسه يتعلق بشريطنا، الذي يدخل في اللعبة نفسها. باعتبار أنه ثاني شريط لكما، هل يمكن لنا أن نقول إن هناك بصمة خاصة بالأخوين نوري أو بالمخرج الأب حكيم نوري؟ - بصمة الأب في شريطينا لا توجد، لأن لديه أفلامه الخاصة، ولدينا طريقتنا الخاصة في الاشتغال، لهذا فبصمة الأخوين نوري هي الأسلم، لأنه بعد نجاح شريطنا الأول "أبواب الجنة"، أصبح أسلوبنا واضحا في السينما، لأننا حاولنا تقديم شيء مختلف عما هو سائد، بحثنا في ما هو أقصى وأبعد. الاشتغال بشكل ثنائي على الشريط، ألا يخلق لكما أي إشكال؟ أو بالأحرى ألا يشوش على رؤيتكما الإخراجية للفيلم؟ بالنسبة لنا لا إشكال، لأننا نتعاون لحل المشاكل وليس لخلقها، وعملنا يجري بسلاسة كبيرة. فكلانا لا يشكل عبئا على الآخر، إننا نتعاون في عملية صناعة الفيلم، فأخي يكتب السيناريو، وبعدها نناقش الأمر وننطلق في عملنا السينمائي، ونتفاهم على أدق التفاصيل، حتى إذا ما وجهت لأحدنا ملاحظة معينة عن العمل، يتمكن من الجواب ومن حل الإشكال، لأننا بصراحة نشتغل انطلاقا من زوايا النظر نفسها، ونفكر بصوت مسموع كما لو كنا شخصا واحدا. ما الذي دفعكما إلى اقتباس عمل روائي للكاتب الروسي الكبير دوستويفسكي، الذي نادرا ما نجده حاضرا في الفيلموغرافيا العربية؟ - الحقيقة، دوستويفسكي هو كاتبي المفضل، واقتباس أعماله أمر مهم بالنسبة لي، فقد شرعت في اقتباس رواية "الإخوة كارامازوف"، لكنني وجدت أنه عمل ضخم لا يمكن اختزاله في شريط من ساعة ونصف الساعة، لهذا بحثت عن شيء أكثر واقعية، وهو عمل روائي كتبه حينما كان في سني، لأن في العمل الأول تظهر القضايا الأساسية التي تأخذ باهتمام الكاتب، كالحب، والبحث عن السعادة، والجنون، والغدر، والغضب، ومواضيع أخرى أساسية. كانت إرادة حقيقية بالنسبة لي اقتباس هذا العمل إلى اللغة العربية، وإشراك الجمهور المغربي في هذه المتعة، لأنه فعلا، كما قلت، هناك اقتباسات عربية قليلة لأعمال هذا لروائي العالمي، ولأعمال كتاب آخرين من الغرب، الذي يقبل على اقتباس أعمالنا الأدبية العربية، ولا أفهم لماذا نحن العرب لا نقوم بالشيء نفسه. رغبت أن أقدم نظرة مخرج مغربي لهذا المبدع العالمي الاستثنائي، الذي تنضح أعماله بالإنسانية الكبيرة. فتوجهنا هو الانفتاح على الإبداع العالمي، وليس صنع سينما مغربية، كما فعل والدنا، فنحن نرغب في تقديم رؤية مخرجين مغربيين لأفكار عالمية. رغم ذلك، يظل الغموض هو السمة الرئيسية للشريط هل كان لديكما مثلا تخوف معين من ملامسة المثلية الجنسية، التي لم تفصحا عنها في الشريط أم أن هناك أمورا أخرى لم تظهر ؟ - المشكل هو أن الناس يتحدثون عن هذا الأمر، وهم لم يروا أي شيء في الشريط، لكن بالمقابل، الشريط لا يتحدث عن المثلية، بل عن العلاقة المعقدة بين شخصين، يمكن أن يكونا أخوين أو صديقين أو أي شيء آخر، نحن احترمنا العمل لأنه هو أيضا لا يقول إنهما مثليان، وظللنا وفيين له إلى أبعد حد. بخصوص إدارة الممثلين، هل أنتما من النوعية المتطلبة والقاسية في العمل؟ أم تتركان الممثلين على سجيتهم؟ - فعلا، نحن متطلبان جدا بشكل عام، لصالح العمل، ولحسن حظنا فالممثلون الذين تعاملنا معهم مهنيون ويعرفون ماذا نريد، قرأوا السيناريو وأعجبوا به، وقالوا نحن معكما في هذه المغامرة، مهما كلف الأمر. اشتغلنا بشكل مكثف مدة شهر ونصف الشهر، والممثل سعيد باي صبغ شعره قبل التصوير من أجل الدخول في الشخصية، كما كنا نلزم الممثلين على التعامل مع بعضهم والخروج سويا، من أجل التعارف والانسجام، اللذين سينعكسان إيجابا على العمل. لهذا، نحن فخوران بالممثلين، لأنهم لعبوا في شريط صعب، وهنا كانت مسؤوليتنا مضاعفة، لأن الممثل شخصية هشة تتطلب الكثير من العناية، لتخرج من دور وتدخل في آخر. بالنسبة إلى الاشتغال مع الأب، هل أصبح شخصية مألوفة في أشرطتكما؟ - ليس الأمر بهذا الشكل، ولأن وجهه سينمائي، ولتقديرنا له، ولكوننا من أقحماه في التمثيل، لا نتردد في العمل معه. وبشكل عام فحينما ننسجم مع ممثل معين في العمل، فلا نتردد في طلبه مرة ثانية في عمل آخر، إذا كان الدور طبعا يناسبه. وبالنسبة لهذا الفيلم، اشتعلنا مع لطيفة أحرار، التي اشتغلت معنا في الفيلم الأول، وأيضا حسن مضياف، وحكيم نوري، وبعد هذا الشريط سنعيد الكرة مع سعيد باي، ومع فهد بنشمسي. (سهيل) ليس صعبا الاشتغال مع الوالد، لأنه أولا مخرج، ويتفهم طلباتنا، ويعرف كيف يتصرف أمام الكاميرا، ويشتغل بمهنية عالية، ويحترم الآخرين كثيرا. بالنظر إلى الأفلام المعروضة في المسابقة الرسمية بالمهرجان، هل أنتما متفائلان بإمكانية حصولكما على جائزة ما؟ - التفاؤل لا يفارقنا، لكن الأمر لا يتعلق بنا، لأن لدينا حظا من ضمن 15 مترشحا، ونحن هنا ليس من أجل الجائزة، بل من أجل عرض الشريط، ومعرفة رد فعل الجمهور والإعلام بخصوصه. ما رأيكما في الأفلام السينمائية المغربية التي أنتجت في السنوات الأخيرة؟ - هناك جيل من المخرجين الشباب الجدد، الذين أعطوا دفقا كبيرا للسينما المغربية، وأصبحوا يحظون بالاحترام، لا على مستوى المغرب فقط، بل على مستوى الخارج أيضا، وهذا طبعا ينعكس على كل المخرجين، لأن هناك فضولا اليوم من طرف المهرجانات الأوروبية، التي ترغب في معرفة ما تقدمه السينما المغربية اليوم. هذا أمر إيجابي، لكن لا يجب نسيان أن هذا الجيل الجديد لم يكن ليوجد لولا الجيل القديم، الذي اشتغل بإمكانيات قليلة، وضحى من أجل أن تسير السينما المغربية إلى الأمام، لهذا فنحن نقول شكرا لكل هؤلاء، وندعو للاتحاد في ما بيننا كجيل جديد، من أجل إعطاء دفعة قوية للسينما المغربية.