لقبه رفاقه وأصدقاؤه باسم أحسن حراس مرمى في روسيا، بالنظر إلى طريقة تحركه البارعة في الملعب، إذ كان يركز على حركات خصومه المستهدفين لمرماه، فكانت حركاته السريعة تربك اللاعب المتقدم نحوه وتضيق عليه الخناق في تسجيل الهدفولأن "ياشين" (اللقب الذي اشتهر به في مساره الكروي)، كان يدرك أن لاعبي جيله، يمتازون بقوة بدنية وحنكة في اللعب، عمل على التركيز طيلة المباريات حتى لا يفاجأ بالكرة داخل المرمى، كان وقوفه بين العارضتين يوحي بأن "ياشين" يترصد الكرة أينما غير اللاعبون الخصوم وجهتها، حيث يترنح يمنة ويسرة وهو يتتبعها بتدقيق حتى يمنعها من أن تكون ضيفة ثقيلة على مرماه، كهذا يحكي "ياشين". كان "ياشين" لا ينفك عن الخروج من مرماه والتقدم نحو اللاعب الخصم لانتزاع الكرة منه بقفزة سريعة، وربما كان ذلك مجازفة، حيث كان بالإمكان فسح المجال للاعب وتسجيل هدفه، غير أن "ياشين" كان يعرف كيف ينقض على الكرة على نحو يباغث اللاعب، وليس في كل مرة تبقى مرماه نظيفة من الأهداف، لكنه يبذل المستطاع من أجل هذه النتيجة، يقول "ياشين". وساعدت "ياشين" في أن يكون موقعه بين عارضتي مرماه موقعا بارزا وقويا، قامته الطويلة وبنيته الجسدية القوية، إلى جانب إتقانه على نحو جيد تلك القفزات والحركات وهو يتصدى للكرة في الهواء، ثم إن قذفه للكرة كان قويا، ما جعله حارسا وصفه رفاقه ب"العملاق". حينما لعب في "الكورنيش" ازداد محمد الخالدي (ياشين) سنة 1944، بالمدينة القديمة في الدارالبيضاء، تعلم القرآن في الكتاب القرآني، ودرس مرحلة الابتدائية في مدرسة أبناء أعيان المسلمين، ثم درس مرحلة الإعدادية في مدرسة مولاي الحسن، وبعدها مرحلة الثانوية في مدرسة محمد الخامس، كانت الدراسة بالنسبة إليه حاجة وضرورة، ولم يكن بوسعه إهمالها رغم أن كرة القدم كانت تأخذ حيزا مهما من وقته، فكان "ياشين" يتوجه رفقة أبناء حيه إلى ساحة بالصقالة، لممارسة الكرة، كل حسب إمكانياته البدنية وسرعة بديهته، فكانت هذه الساحة لا تخلو من اللاعبين الهواة، باعتبارها مرتعا فسيحا يشجع على لعب الكرة. ويذكر "ياشين" أنه لما بلغ 17 سنة أصبح مع رفاقه ينتقلون إلى شاطئ "لاكورنيش" للعب فيه، فكان هذا الفضاء يقصده مسيرو فريق الوداد، للتنقيب عن لاعبين جدد يمكن ضمهم للفريق إذا ما تحلوا بالمقومات الرياضية المطلوبة، فكان "ياشين" بحكم انكبابه على التداريب بشكل مستمر وما يتمتع به من خصائص بدنية، من المرشحين الأوائل الذين أثاروا انتباه هؤلاء المسيرين، خاصة أن حراسة المرمى تتطلب لاعبا بمواصفات "ياشين". ويذكر "ياشين"، بتواضع، أن عبد الحق القادمري، مدرب الوداد، شده أسلوب "ياشين" في تعامله مع كرة القدم، ولم يشك في أنه سيكون حارسا محترفا، فقط يحتاج إلى فرصة أكبر لصقل مواهبه وترجمتها بشكل متقن على أرضية الملعب، يحكي "ياشين". عقوبة جعلت منه حارسا ويتذكر "ياشين" أيام طفولته، حينما لعب الكرة ذات مرة بساحة الصقالة، في موقع مهاجم، كيف أن إهداره لعدة إصابات كانت متاحة للتسديد، دفع بالمسؤول عن فريق الحي إلى معاقبته من خلال تكليفه بالحراسة، بدل اللعب كمهاجم، إنما "ياشين" أمتعه أن يكون حارسا على نحو لم يخمن يوما تجريب خاصية حراسة المرمى، فشكلت هذه "العقوبة" فرصة كشفت له أبعاد مهاراته في كرة القدم، ومن يومها آثر "ياشين" اللعب كحارس مرمى، فكان اختياره صائبا ولم يجر عليه خيبات الأمل، كما لو أن "ياشين" كان بحاجة إلى هذه "العقوبة" التي أحدثت في حياته الرياضية نقلة نوعية، استطاع معها أن يبزغ كحارس يعول عليه في التصدي كثيرا للكرات، حتى القوية منها. ويحكي "ياشين" أنه في خضم مواظبته على ممارسة كرة القدم، ظلت الدراسة جزءا لا يتجزأ من انشغالاته، وتمكن من الحصول على شهادة الباكالوريا، مع أنه كان يجتاز الامتحان صباحا ويتوجه إلى السينما مساء، كان هذا يمنحه التجديد في أفكاره، لهذا لم يشعر بمعنى ضغط الامتحانات. ويتمتع "ياشين"، حسب ما قيل عنه، وكذا ما بدا عليه رغم بلوغه 65 سنة، برحابة صدر وهدوء في الطبع، لهذا ما كان شيء ليثير حفيظته، ما عدا أن يجد نفسه حارسا غير قادر على الإمساك بالكرة، خاصة إن كان موضعها لا يسمح بتضييع هذه الفرصة. في الحلقة الموالية سينتقل ياشين" لدراسة الآداب العربية، غير أن الوقت لم يكن ليسمح له بالمتابعة بحكم انشغاله بكرة القدم، التي أولاها اهتماما كبيرا من خلال تكثيف حصص التداريب، كما سيتمكن "ياشين" من أن يصنع اسمه إلى جانب مجموعة حراس مرمى معروفين بجدارتهم، فأصبح حضوره مهما ضمن المنتخب المغربي، ليقلع "ياشين" عن لعب الكرة، في مقابل عدم اهتمامه بمستجدات التنظيمات الكروية بشكل مطلق.