حينما وجد "ياشين" نفسه متفوقا في الدراسة بعد حصوله على شهادة البكالوريا سنة 1965، حاول أن يتابعها، من خلال الالتحاق بالكلية والتخصص في الآداب العربية، غير أن حجم الدروس والواجبات المفروضة عليه أثقلاه على نحو لم يعد معهما قادرا على التوفيق بين الدراسة وكرة القدم، ليفضل هذه الأخيرةوكان "ياشين" في ذلك مثله مثل مجموعة لاعبين ممن ألهمتهم الكرة إلى حد الاقتصار على ممارستها دون أي شيء آخر. ويحكي "ياشين" أن طموحه كان كبيرا في إتمام دراسته بالآداب، غير أن تعلقه بالكرة فاق هذا الطموح، خاصة أن حصص التداريب كانت محددة في ثلاثة أيام (الثلاثاء والأربعاء والخميس) من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلى الثانية، إلى جانب المباريات المبرمجة في الأسبوع، ما يعني أن "ياشين" لم يكن ليتخلى عن الدراسة إلا لهذه الأسباب، ثم إن كرة القدم مدرسة قد أفلح من اجتهد فيها، هكذا كان يجد الأمر. ويذكر "ياشين" كيف أنه التحق بفئات الشبان سنة 1962 بتطلع جامح إلى أن يكون حارس مرمى تهابه الكرة وتخشى دخول مرماه، يستمد قوته البدنية من المواظبة على التداريب وتشجيع جمهوره، وفعلا كان ذلك أساسيا في بلورة مهاراته الرياضية، كما يقول "ياشين"، حيث استطاع أن يخلق لنفسه في وقت وجيز مكانة متميزة بين عناصر فريق الوداد، الذي قال عنه إنه فريق كان يمتاز بالانسجام والتفاهم، بشكل يشجع على لعب الكرة والفوز على الخصوم. بعد 87 دقيقة اطمأن "ياشين" إلى وجوده بفريق الوداد رغم أنه دفع مقابل ذلك ضريبة تخليه عن الدراسة، وبكل تأكيد بالنسبة إليه لم يخطئ الاختيار، لأنه ليس من السهل أن يصنع الفرد من نفسه حارس مرمى في فريق متألق كالوداد، لهذا صمم على أن يكون عطاؤه غزيرا في كرة القدم، من حيث الحفاظ على اللياقة البدنية والحضور المستمر للتداريب، وكذا إرضاء جمهور الفريق المتعطش دائما إلى الفوز. . كما يحكي "ياشين" أن تسجيل هدف ضد مرماه كان يثير اندفاعه بشكل يحفزه على المثابرة في كيفية التصدي للكرة ومنعها من اقتحام شباك مرماه. لم يكن ليخمن في عواقب تلك القفزات الطويلة التي قد يصطدم بها مع لاعب متقدم نحو مرماه، مثلما وقع له ذات مرة سنة 1969، عندما لعب فريق الوداد ضد الجيش الملكي بالمركب الشرفي (مركب محمد الخامس) في الدارالبيضاء، في إطار البطولة المغربية، وبما أن فريق الجيش كان قويا، والفوز عليه ليس متاحا بشكل كبير. "ياشين" عمل قصارى جهوده كي يحول دون تسجيل هدف لصالح الجيش الملكي، ولحظة تصديه للكرة اصطدم بلاعب وقع إثرها "ياشين" على الأرض متأثرا بكسر في رجله، ليضطر فريق الوداد إلى مواصلة المباراة بعشرة لاعبين، بعد أن ناب عن "ياشين"، الذي غادر الملعب مكرها، لاعب من الفريق، فاعتقد الجمهور أن الوضع في الوداد سيسهل على الجيش الملكي تحقيق الفوز عليه دون عناء، ما أثار جمهور الوداد الذي ما تردد في التعبير عن قلقه وغضبه بالهتافات بعد ترك "ياشين" للملعب، حسب ما يحكي محمد البيضاوي، أحد رفاق "ياشين"، الذين تتبعوا أطوار المباراة حينها. ورغم أن عناصر فريق الوداد لم تكن مكتملة، فالإلحاح على الفوز كان حاضرا في عزيمة اللاعبين، واستطاعوا أن يغطوا على النقص الحاصل في عددهم بعد خروج الحارس "ياشين"، وما إن مرت 87 دقيقة على المباراة حتى تمكن اللاعب "الدهصيص" من توقيع هدف كان بمثابة البلسم الذي ضمد جراح "ياشين" المتوعك، ليتراجع الجمهور عن انتفاضته معبرا عن فرحته الكبرى بهذا الهدف الوحيد الذي خرجت به المباراة بانتصار فريق الوداد على الجيش الملكي. إصابة وإصابة يحكي محمد البيضاوي، أن والد "ياشين" كان حاضرا في الملعب يتابع بانفعال مجريات المباراة، آملا فوز فريق الوداد، الذي كان من أول محبيه ومشجعيه، غير أن توعك ابنه شوش عليه خشية أن ينهزم الوداد، وحينما تأتى له الفوز وجاءه الناس للسؤال عن حال ابنه أجابهم بأن إصابة هدف الفوز تشفع لإصابة ابنه بكسر في رجله الذي سيستعيد لاشك عافيته. ويذكر "ياشين" أنه توجه ذات مرة إلى روسيا، فعرض عليه رئيس جامعة جورجيا البقاء في روسيا والاحتراف فيها، غير أن العرض ما كان ليشد "ياشين" للمكوث هناك، حتى وإن أصر عليه رئيس الجامعة، الذي تبعه إلى الطائرة في محاولة لإقناعه، إلا أن "ياشين"، حسب قوله، كان لعب الكرة مهما جدا في حياته، لكن أن يكون اللعب على أرض وطنه وإلى جانب رفاقه الذين ترعرع معهم، هكذا آمن بالأمور. كما لا ينسى "ياشين" ثلاثة أسابيع قضاها بمعزل عن لمس الكرة، حينما وقع له تشنج عضلي خلال مباراة مع اتحاد سيدي قاسم، جاءت في خضم الإعداد والتهييء لكأس العالم. أما اليوم ف"ياشين" لا يعبأ بمستجدات كرة القدم، واعتزل حتى مشاهدة المباريات، بعد أن تبين له أن واقع كرة أمس الذي عايشه في مراحل من حياته ليس هو واقع كرة اليوم، حيث تحولت إلى مهنة للاسترزاق لا هواية للمتعة الرياضية، يفيد "ياشين"، وعلى هذا الأساس، ومنذ 25 سنة، اكتفى "ياشين" بصرف الوقت في المسجد والبيت، وبعد أن صار أبا لأربعة أبناء وجدا لخمسة أحفاد، وحين يشتاق إلى ماضيه الكروي يقلبّ صوره المخلدة لإنجازاته مع رفاقه، متمعنا فيها،2 ومستحضرا لمواقف ومشاهد صادفته أثناء احترافه كحارس مرمى وصف ب"العملاق".