تنص المادة السادسة من القانون التنظيمي للمالية، الذي صادق عليه مجلس النواب نهائيًا، وأحاله قبل أيام على المجلس الدستوري، للنظر في مدى مطابقة بنوده للدستور، في فقرتها الأخيرة، على أنه "لا يمكن تعديل المقتضيات الضريبية والجمركية إلا بموجب قانون المالية"، ما يمنع على البرلمان وعلى الحكومة إدخال أي تعديل على قانون المالية أثناء فترة تطبيق القانون، وهو ما اعتبره المجلس الدستوري تقييدًا لصلاحيات الحكومة والبرلمان، بغرفتيه الأولى والثانية، في مجال التشريع، دون سند دستوري. وشدّد قرار المجلس الدستوري على أنه "لا يمكن حصر إمكان تعديل المقتضيات الضريبية والجمركية بموجب قانون المالية فقط"، مؤكدا أن "من حق أعضاء البرلمان اقتراح قوانين وإدخال تعديلات جديدة على قانون المالية أثناء العام المالي المقرر"، محيلاً على الفصل 87 من الدستور، الذي يعطي هذا الحق. وورد في نص قرار المجلس الدستوري أنَّ "الفقرة الأخيرة من المادة 52 من القانون التنظيمي للمال بدورها غير دستورية، إذ تنص على "إذا رفض مشروع قانون المالية من طرف مجلس المستشارين، تحيل الحكومة على مجلس النواب المشروع الذي صادق عليه في القراءة الأولى، مدخلة عليه التعديلات التي قدمتها الحكومة، أو التي قبلتها في مجلس المستشارين". وبين قرار المجلس أنَّ "هذا النص يخالف الدستور، سيما الفصل 84 منه"، مشدّدًا على أنه "ليس من حق الحكومة إدخال أي تعديلات إضافية على المشروع بعد أن يكون مجلس المستشارين أحال مشروع قانون المال إلى مجلس النواب للمصادقة النهائية، إلا تلك الواردة في نص مشروع قانون المالية، الذي أحاله مجلس الغرفة الثانية على مجلس الغرفة الأولى". وبعدما استدركت الحكومة تعديلاً جديدًا في شأن الزمن المحدد لدخول القانون التنظيمي للمال حيز التنفيذ للعمل به، أبرز قرار المجلس الدستوري أنَّ هذا الاستدراك غير مطابق للدستور، وقضى ببطلانه، لأنه لم يقع تعديله أثناء مناقشة قانون المالية في مجلس المستشارين، بل عدّل بعد أن أحاله الأخير على مجلس النواب للمصادقة النهائية، ما يعني أن مجلس المستشارين وقع إقصاؤه من مناقشة هذا التعديل، الأمر الذي اعتبره المجلس الدستوري غير مطابق للدستور". وأبرز المجلس أنه بعد الاطلاع على محاضر أشغال لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، ومحاضر الجلسات العامة لمجلسي النواب والمستشارين المتعلقة بمناقشة مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية والتصويت عليه، تبين أن مجلس النواب أدخل، خلال القراءة الثانية للنص، تعديلا على المواد 21 و27 و69 و70 من مشروع هذا القانون التنظيمي، يهم الجدولة الزمنية لدخوله حيز التنفيذ، وصوت عليها نهائيا، دون عرض الأمر من جديد على مجلس المستشارين. وأضاف المجلس أن الدستور ينص في فصله 60 على أن البرلمان يتألف من مجلسين، وفي فصله 70، على أن البرلمان يمارس السلطة التشريعية ويصوت على القوانين، وفي فصله 84 على أن مجلسي البرلمان يتداولان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، وأن كل مجلس يتداول في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر، وأن مجلس النواب يعود إليه التصويت النهائي على النص الذي وقع البت فيه، وأنه يستفاد من هذه الأحكام أن مشاريع ومقترحات القوانين، وكذا مشاريع ومقترحات التعديلات المدخلة عليها، التي تعد من مشمولاتها، يتعين عرضها وجوبا على كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين لتدارسها ومناقشتها والتصويت عليها، مع مراعاة باقي مقتضيات مسطرة التشريع المقررة دستوريا، الأمر الذي لم يقع التقيد به في مسطرة التصويت على التعديل المدخل على المواد المذكورة سالفا من القانون التنظيمي لقانون المالية المعروض على المجلس الدستوري. كما يتضح أن مجلس المستشارين صوت، بتاريخ 22 أكتوبر 2014، أي بعد إيداع مشروع قانون المالية لدى مكتب مجلس النواب، على مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية، بما في ذلك المقتضيات، التي كانت تنص في صيغتها الأصلية على الشروع في تنفيذ هذا القانون التنظيمي ابتداء من فاتح يناير 2015. وأوضح أنه تترتب عن التصويت على مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية في تاريخ لاحق لتاريخ إيداع مشروع قانون المالية استحالة واقعية وقانونية لتقديم ومناقشة هذا القانون الأخير والتصويت عليه، في ضوء أحكام القانون التنظيمي المذكور، ما يفضي إلى وجود تعارض بين مقتضيات قانونين، مرتبطين في ما بينهما، معروضين في الوقت نفسه على مجلسي البرلمان. واعتبر المجلس الدستوري باقي بنود القانون التنظيمي للمال مطابقة للدستور.