اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات المدني عبد المجيد الملقب ب"كنجور" المزداد سنة 1960 بالسويهلة ضواحي مدينة مراكش، أحد المدافعين عن فن الحلقة، التي قرر ممارستها بساحة جامع الفنا، منذ حوالي 10 سنوات، من خلال سرد الحكايات الشعبية، وتقديم عروض بهلوانية ممزوجة بمواقف فكاهية وغيرها من المهن التي زاولها بساحة جامع الفنا، التي يفضل تسميتها بساحة الربح. "كانت ساحة جامع الفنا دائمة الحركة بالليل والنهار، تلتقي فيها الحكاية الهادئة والموسيقى الصاخبة والغناء، حسب طلب المستمعين ونغمات"غيطات" أصحاب الثعابين، وإيقاع طبول كناوة وهمس قارئي الفال والطالع، ودبيب كاتبي الأحجبة أو التمائم، شكلت على امتداد تاريخها الطويل مسرحا كونيا لتقديم كل أنواع الفرجة وحلبة صراع وتحدي بين الرواة في سرد سير الأنبياء والأولياء من الأزلية والفيروزية فالعنترية وألف ليلة وليلة" يقول المدني في بداية حديثه مع "المغربية". يواصل المدني حديثه، خلال استرجاعه لتاريخ ساحة جامع الفنا قائلا "كانت ساحة جامع الفنا مكانا للتثقيف الذاتي بأقل كلفة، من خلال عرض الكتب المستعملة التي يحصل عليها القارئ بسهولة وبثمن بخس، اقتناء أو كراء أواستبدالا، صفان متقابلان تقريبا، من "البراريك" الحابلة بمختلف أصناف الكتب، منها أعداد هائلة من الكتب الصفراء، وتفسير الأحلام وعلم التنجيم، وبساحة جامع الفنا اقتنى الكثيرون كتبهم المدرسية أو استبدلوها، وتعرف الكثيرون على المجلات العربية وروايات نجيب محفوظ، وطرزان وأرسين لوبين.. وزومبلا ومختلف الروايات الفرنسية". يؤكد المدني، خلال استرساله في الحديث عن ساحة جامع الفنا، أن هذه الأخيرة تجسد، ومنذ نحو قرن من الزمن فضاء للثقافة والترفيه والمتعة في وقت واحد بما تحتويه من مظاهر خاصة قد لا يتوفر عليها مكان آخر على وجه الكرة الأرضية، مشيرا إلى أن ساحة جامع الفنا نالت الاعتراف بها كفضاء للتراث الشفهي، بعد مجهودات مضنية من قبل الغيورين عليها، اعتمادا على ما تلعبه الحلقة بها من دور في المجال الثقافي الشعبي الذي كان وراء شهرة جامع الفنا. عندما يتذكر المدني "كنجور" أمجاد هذه الساحة، يصيبه الحزن الشديد أمام استخفاف المسؤولين بكنز ثقافتهم الشعبية، وعدم اهتمامهم برواد الحلقة الذين تركوا بصماتهم في ساحة جامع الفنا، أمثال (بلفايدة مدخن النرجيلة، والشرقاوي مول لحمام، والكبيري القصاص، والتمعيشة، وكبور مول البشكليت، صاحب الدراجة، وباحجوب لكناوي، وعمر ميخي مقلد أشهر المغنيين المغاربة بطريقة إسماعيل ياسين، والملك جالوق الذي كان يحكي متجولا، والصاروخ، والفقيه العجيب، وطبيب الحشرات الذي كان يعالج الناس بأرجل الدجاج وغيرها من باقي الحيوانات، وعبيدات الرمى، والروايس، وأولاد حماد أو موسى). يتحسر المدني خلال حديثه ل"المغربية"، عن معالم ساحة جامع الفنا، التي تغيرت في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد انقراض الحكواتيين من الساحة العالمية، التي صنفت كتراث شفوي للإنسانية، من طرف منظمة اليونسكو، وأصبحت الفرجة، التي كان يتحف بها نجوم الساحة جمهورهم مجرد ذكريات يستعيدها البعض بعد اختفاء روادها، مؤكدا أن هناك مخططا يهدف إلى تقزيم دور الحلقة في أفق إبادتها، خاصة بعدما أصبح المسؤولون عن تنظيم الساحة وتدبير شؤونها يرون في نضالات شيوخ الحلقة ما يعكر صفوهم ويهدد جيوب العديد من المنتفعين من وراء تلك المطاعم، التي صارت مصدر ثروات هائلة لمستغليها بفضل ما يستقطبه الحلايقية من زوار. يضيف المدني، أن الوافدين من العائلات والأشخاص المحترمين، أصبحوا الآن يفضلون تفادي الساحة وبهرجتها، فرارا بأجسادهم من التحرش الذي يتهددهم من قبل طالبي الهوى أو "السمارة" كما يطلق عليهم بمدينة مراكش، أي أولئك الذين يقصدون الساحة ويتسمرون خلف النساء أو الرجال حسب أهوائهم، طلبا للذة خاطفة في الهواء الطلق، ما يتسبب في فقدان الحلايقية لجمهورهم، وبالتالي لمورد رزقهم الذي بدأ يتضاءل، في ظل ارتفاع مستوى المعيشة، وتحول الكماليات إلى ضروريات للحياة.