أكد كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، أن النظام الداخلي لمجلس النواب جاء في تفاعل تام مع الدستور ومع خطب جلالة الملك محمد السادس ، ومع التجربة التي راكمها المجلس. وأوضح غلاب، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن النظام الجديد للمجلس تضمن، أساسا، العديد من المقتضيات المهمة، في مقدمتها ورش جلسة الأسئلة الشفوية، التي تعد أحد أهم المحطات الأساسية في مراقبة العمل الحكومي، وتعزيز مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة. وذكر، في هذا الصدد، أن هذا الورش أخذ حيزا مهما من عمل لجنة إعداد النظام الداخلي باعتباره النشاط الأكثر تتبعا من قبل الرأي العام الوطني بحكم النقل التلفزيوني المباشر، بغية تغيير الصورة النمطية المكونة عن المجلس، وإيجاد الآليات التي من شأنها تقوية الجانب الرقابي للغرفة الأولى. وأبرز غلاب أن الإصلاحات شملت، أيضا، تنظيم الجلسة الأسبوعية يوم الثلاثاء عوض الاثنين، والإعداد المسبق لبرنامج عمل الدورة من خلال برنامج عام يتضمن البرمجة الشهرية للقطاعات الحكومية التي ستشملها الأسئلة بمعدل عشر قطاعات حكومية. وأضاف أنه تم، أيضا، ترشيد التدبير الزمني، حيث تم تقليص مدة السؤال إلى دقيقتين عوض ثلاث دقائق، مع فتح المجال للنائب وللفريق لاستعمال المدى الزمني المخصص له بطريقة أخرى، مبرزا أنه تم كذلك إحداث التعقيبات الإضافية، التي خصص لها خمس الحيز الزمني الإجمالي، وهو حق يقوم على مبدأ التناوب بين الأغلبية والمعارضة، ومنح للنواب غير المنتمين للفرق التي تقدمت بالسؤال. كما أصبح من حق النواب، يضيف غلاب، الحديث في موضوع عام وطارئ في بداية الجلسة، من خلال الإحاطة، مشيرا إلى أن التدخلات ذات الصلة أصبحت محصورة في أربعة تدخلات وتستغرق فقط دقيقتين، ويمكن للحكومة الرد عليها آنيا في بداية الجلسة أو بعدها. وأكد أن كل هذه المستجدات "ستضفي حيوية أكبر على عمل المجلس، الذي سيتولى تتبع التزامات الوزراء في معرض ردهم على أسئلة النواب، للوقوف على مدى الوفاء بالتزامات الحكومة". وبخصوص ورش الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة، أوضح غلاب أن هذا الموضوع "أخذ من اهتمام مكونات المجلس والرأي العام الوطني حيزا مهما، وتباينت حوله الآراء والمواقف، مسجلا أن المقتضيات الواردة في هذا الباب تروم رفع مستويات التوافق والتراضي بخصوص الحيز الزمني المخصص لهاته الجلسات". وذكر أن الجلسة الشهرية "تشكل مناسبة لإطلاع الرأي العام على العمل الذي تقوم به الحكومة في ما يخص تدبير السياسة العامة للبلاد"، مبرزا في هذا السياق أن الفرقاء السياسيين "توصلوا إلى اتفاقات بشأن الخلافات التي رافقت انعقاد هذه الجلسات، عبر تخصيص الثلث من الوقت للحكومة والثلث للأغلبية البرلمانية والثلث للمعارضة وهو ما سيمكن مستقبلا من مرورها في ظروف حسنة". ومن بين المستجدات الأخرى التي أتى بها النظام الداخلي الجديد، في إطار مراقبة الحكومة، يقول رئيس مجلس النواب، "تفعيل مراقبة الإنفاق العمومي وتعزيز نجاعة تدبير المال العام"، مشيرا إلى أنه تم لهذه الغاية إحداث لجنة دائمة تنضاف إلى اللجان الثمانية، يرأسها رئيس المجلس ، وتتولى "تحديد القطاعات والبرامج الخاضعة للمراقبة وطلب الدراسة والتدقيق من المجلس الأعلى للحسابات، حيث تحال التقارير التي يتم إعدادها على اللجنة الدائمة سالفة الذكر التي تناقشها وتعد بخصوصها تقارير تحال على الجلسة العامة، الأمر الذي سيرفع من مهنية جلسات مراقبة الحكومة وتعزيز نجاعة الإنفاق العمومي". وقال غلاب، في السياق ذاته، إن هنالك ورش آخر مهم ضمن النظام الداخلي الجديد، يخص مناقشة وتقييم السياسات العمومية، حيث يحدد مكتب المجلس بناء على اقتراحات الفرق والمجموعات النيابية، السياسات العمومية المراد تقييمها، ويطلب في ذلك الاستشارة والخبرة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، قبل أن تحال تقارير هذا الأخير على اللجنة الدائمة للمناقشة حسب اختصاصها، مبرزا أن هذه التقارير تناقش بحضور الحكومة والمؤسسات المعنية حيث تقوم اللجان الدائمة فقط بالتحضير للجلسة العامة فيما يتولى مكتب المجلس برمجة التقارير بالجلسة العامة لمناقشتها. وأضاف أن كل هذه الاختصاصات مرتبطة بجانب المراقبة في عمل مجلس النواب، ومن شأنها أن تمنح المجلس فعالية أكبر إلى جانب تفعيل مبدأ فصل وتوازن السلط، على اعتبار أن الشأن العام يتعين أن لا يكون مقتصرا فقط على ما تقوم به الحكومة، ولكن أيضا على ما يقوم به البرلمان من خلال مراقبة الحكومة وتشجيعها على تحسين أدائها لما فيه مصلحة المواطن. وأشار إلى أن هناك إصلاحات محورية تم اعتمادها بالتوافق استنادا إلى خطب جلالة الملك أو مقتضيات الدستور، من قبيل إدماج اللغة الأمازيغية، حيث خصها النظام الداخلي بمقتضيات مهمة، وخول لمكتب المجلس رصد كل الإمكانيات المادية والبشرية من أجل إدماج اللغة الأمازيغية في أشغال المجلس، وأيضا خوله ربط شراكات مع المؤسسات الرسمية المهتمة، للنهوض بهذه اللغة في الشأن العام والحياة العامة ولإدماجها في أشغال المجلس شفاهيا وكتابيا. وبخصوص النهوض بأوضاع المرأة والمناصفة التي نص عليها الفصل 19 من الدستور، ذكر غلاب بأن نسبة تمثيلية النساء في البرلمان تبلغ 17 في المائة، مبرزا أنه في أفق الوصول للمناصفة تم الاتفاق على نسبة الثلث، كنسبة دنيا وإجبارية يجب احترامها في أجهزة المجلس. وبالنسبة لأخلاقيات وسلوكيات النواب، أوضح كريم غلاب أنه تم تخصيص باب خاص بهذا الموضوع في النظام الداخلي لمجلس النواب، تضمن مبادئ أخلاقية عامة، من قبيل إيثار الصالح العام والاستقلالية والمسؤولية والالتزام والأمانة والاستقامة، وكذا قواعد للسلوك والأخلاقيات المتمثلة في الحضور والغياب والتصريح بالممتلكات وعدم التخلي عن الانتماء الحزبي وضوابط السلوك داخل بناية المجلس في قاعات اللجان والجلسات العامة، ووجوب إشعار رئيس المجلس من قبل كل نائب في حالة تنازع المصالح، وأخيرا التزام الحياد والموضوعية والنزاهة في إعداد التقارير. وأضاف أنه انطلاقا من الأهمية الخاصة التي خص بها الدستور الجديد المعارضة (الفصل 10) وإقرارها لحقوق لها طابع التمييز الإيجابي لصالحها، تم في النظام الداخلي الجديد، وفي إطار الإجماع والتوافق، إقرار بعض الحقوق الجديدة للمعارضة، من قبيل مثلا الحق في اقتراح برمجة المقترحات المقدمة من قبلها في الجلسة العامة، وكذا إسناد رئاسة لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية للمعارضة إذا ما رغبت في ذلك وإلا فإنها تحظى على الأقل بمنصب المقرر في حالة رفضها لمنصب الرئاسة. وأشار إلى أن هذا التمييز الإيجابي امتد أيضا إلى حق اقتراح يوم مناقشة ملتمس الرقابة والمدة الزمنية التي ستخصص للمناقشة. وخلص رئيس مجلس النواب إلى أن كل هذه المقتضيات الجديدة من شأنها أن ترفع من قدرة عمل وصلاحيات المعارضة، وأن تحد من هيمنة الأغلبية على أعمال المجلس، مسجلا أن هذه الوثيقة التي تم إقرارها بإجماع مكونات المجلس، قد أحيلت على المجلس الدستوري الذي سيعطي ملاحظات بشأنها، في الوقت الذي ستصحح هذه المقتضيات التي ستشملها ملاحظات المجلس الدستوري، بعد إقرارها مباشرة في الدورة المقبلة.(و م ع)