طالب اتحاد العمل النسائي المسؤولين الحكوميين والمؤسسة التشريعية بمراجعة مدونة الأسرة، والقانون الجنائي، وإصدار قانون محاربة العنف ضد النساء وذلك ضمانا لحماية الفتيات القاصرات من تبعات تزويجهن مبكرا، لوقايتهن من الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية الوخيمة للظاهرة. ويأتي هذا المطلب على خلفية رفض اتحاد العمل النسائي لاستمرار العمل بالمادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، اللتين يعتبرهما الاتحاد ب"الاستثناء المخجل في المدونة"، الذي يسمح بتزويج القاصر، في ظروف خاصة جدا، بينما أضحى قاعدة، مع بلوغ عدد زيجات الفتيات القاصرات 47 ألفا و89 سنة 2009، ووصل إلى حوالي 12 في المائة من مجموع الزيجات، سنة 2011، حسب ما أكدته زهرة الوردي، رئيسة اتحاد العمل النسائي، خلال لقاء صحفي، نظم، مساء يوم الجمعة الماضي، في الدارالبيضاء، حول موضوع صحة الأمهات القاصرات، على خلفية ولوج فئة من الأمهات عالم الأمومة، دون استعدادهن لذلك. وتجاوز عدد الطلبات على زواج القاصرات، سنة 2010، 44 ألفا، 99 في المائة منها متعلقة بطلبات تزويج البنات، قضت المحاكم بقبول 92 في المائة منها، بينهن فتيات لم يتجاوز عمرهن 14 سنة، ما يشكل "اغتصابا تحت يافطة الزواج واستغلالا جنسيا ينعدم فيه التكافؤ والأهلية، ويحرم هؤلاء الفتيات من أبسط الحقوق الإنسانية للطفولة"، تؤكد الوردي، خلال اللقاء الذي نظم بمناسبة احتفاء اتحاد العمل النسائي باليوم العالمي لصحة الأم. وكشف اللقاء عن أن الزواج والحمل المبكر يعرض الفتيات لخطر كبير بسبب عدم اكتمال نموهن الجسدي وعدم نضجهن الاجتماعي وتوازنهن الشخصي، إذ أن نسبة كبيرة من هذه الزيجات تنتهي بالفشل، وأن 40 في المائة من الأمهات المتوفيات في المغرب هن طفلات قاصرات. وذكر الدكتور عبد الله زيوزيو أن زواج القاصرات له آثار نفسية وخيمة، يلغي حق الفتاة في تمتعها بمرحلة عمرية مهمة في حياتها، ألا وهي المراهقة، كما يفقدها الإشباع العاطفي ويدخلها في معاناة نفسية حادة واكتئاب، مبينا أن القاصرات يتعرضن لمشاكل صحية ونفسية في ليلة الزفاف، بسبب عدم استعدادهن الجسدي. ومن الأضرار الصحية والجسدية التي تتحملها القاصر، حسب اللائحة التي رصدها اتحاد العمل النسائي، هو تمزق المهبل والأعضاء المجاورة، إلى جانب ازدياد معدلات الإجهاض وسطهن لعدم تأقلم الرحم، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة الناتجة عن الحمل. وينضاف إلى ذلك ظهور تشوهات في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر، مع ارتفاع احتمالات اختناق الجنين في بطن الأم القاصر نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، عن عدم نجاح العلاقة الجنسية بسبب عجز الطفلة عن إدراك طبيعة العلاقة، وعدم قدرة الطفلة على التكيف مع الحياة الزوجية لعدم تمكنها من تفهم مسؤولية الأسرة، وما يترتب عنها من عناية بالأطفال وواجبات زوجية. من جهة ثانية، أبرزت الوردي التناقض الحاصل في بنود مدونة الأسرة، موضحة أن المادة 19 تشترط اكتمال أهلية الزواج باكتمال الفتى والفتاة المتمتعيين بقواهما العقلية، ثماني عشرة سنة، بينما في المادة 20 و21 يعطي القانون للقاضي سلطة إباحة زواج القاصر بوصاية من الولي أو النائب الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي. وعرجت الوردي على تزويج القاصرات، رغما عنهن، في حالة تعرضهن للاغتصاب، في الوقت الذي شدد المشرع في القانون الجنائي عقوبة مغتصب القاصر لتصل إلى 30 سنة سجنا نافذا، حسب ملابسات الجريمة، ما يسمح للمغتصب الإفلات من العقاب عن طريق إمكانية زواجه بالقاصر، ما يفقد القانون قوة الردع ويمكن الجاني من الإفلات من العقاب، تؤكد الوردي. من جهتها، شددت عائشة الخماس، عضو فاعل في اتحاد العمل النسائي، على مراجعة الترسانة القانونية، سيما منها القانون الجنائي، والقضاء على الثغرات التي ظلت تشوب عددا من التشريعات القانونية المغربية، مع ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، مع إصدار قانون شامل يحمي النساء من كل أنواع العنف ولا يسمح للجاني بالإفلات من العقاب، وبالتالي وقف التناقض مع ما تنص عليه اتفاقية حقوق الطفل ومسؤولية الدولة بحمايته من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي. وشددت الخماس على حماية حقوق المرأة بما يسمح لها بمتابعة دراستها وحمايتها ورعاية طفولتها، وبالتالي وقاية المجتمع من الآفات المترتبة عن زواج القاصرات، ومن أهمها انقطاعهن عن الدراسة وارتفاع نسبة الأمية بينهن والتفكك الأسري.