لطيفة نمير، واحدة من جنود الخفاء الشباب، الذين يُلبسون العمل السينمائي حلته الفنية البديعة، قبل عرضه للجمهور. يوضبونه ليصبح لائقا بأعين المشاهد ويحقق لهم متعة الفرجة. لها الفضل في إعطاء أكثر من عمل الروح التي تجعل منه معنى واضحا للمشاهد. وبفضل عملها تعطي أيضا بعدا جديدا للعمل الفني السينمائي قد يرشحه ليكون من بين أفضل وأجود الأعمال المقدمة للجمهور. الأمر يتعلق بالتوضيب، هذا المجال الذي يحتاج إلى كفاءة وفنية ومهارة تقنية عالية، ولطيفة نمير إحدى الشابات التي استطاعت أن تجد لها موقع قدم في هذا المجال، وأن تثبت وجودها كواحدة ممن يتقنون عملهم ويضفون لمستهم الجديدة بفضل المثابرة والاستمرارية في التكوين والتعلم. بالنسبة إلى لطيفة نمير، التوضيب أو "المونتاج" هو فن وموهبة قبل أن يكون حرفة.. فقد تركت الانشغال بشكسبير وأشعاره، بعد حصولها على الإجازة في الأدب الانجليزي، كما تخلت عن ميولها للعمل في المجال السياحي، ليستهويها المجال السينمائي، فتحصل على الإجازة التطبيقية في في السمعي البصري، لتكون البداية من قسم البرمجة في القناة الثانية، وبعدها الالتحاق بالمركز السينمائي المغربي، كمتخصصة في التوضيب الرقمي. حصلت الأفلام التي قامت بتوضيبها على جوائز، كما أحرزت بصفة شخصية، سنة 2011 بواغادوغو، جائزة التوضيب عن الفيلم البوركينابي " le poids du serment " للمخرج دانييل كولو سانو، في أكبر تظاهرة سينمائية بالقارة الإفريقية، وهي مهرجان FESPACO. لا تتأخر لطيفة في نقل خبرتها واستفادتها من الدورات التكوينية التي أجرتها حتى الآن بفرنسا وألمانيا، لشباب تؤمن بأنهم سيحملون المشعل، فتشرف على تأطير العديد من ورشات التوضيب بالملتقيات والمهرجانات الوطنية. العمل الإنساني حاضر بقوة في حياة لطيفة نمير، فهي إلى جانب مهنتها، تجد سعادتها في الأعمال الاجتماعية والتطوعية التي تقوم بها مع عدد من الجمعيات، تسخر جزءا من وقتها لمن يحتاج لمساعدتها، لتجمع هذه الإنسانة، ذات الأصول الأمازيغية، بين الفن والعمل الإنساني النبيل. عن هذه المهنة، وعن تفوقها ونجاحها في هذه المهمة، التي تعشقها كفن أكثر ما هي مهنة تحقق لها دخلا، تتحدث لطيفة في هذا الحوار. حدثينا عن تجربتك، كامرأة، في مجال المونتاج؟ هل هناك إكراهات ما أعاقت مسيرتك المهنية مثلا؟ أولا، بالنسبة لي المونتاج قبل أن يكون مهنتي أو "حرفتي"، فهو هوايتي، بل أكثر من ذلك، هناك قصة حب بيننا.لأنه المجال الذي شعرت فيه بتغير كبير ونضج في شخصيتي، إذ أخيرا وجدت ذاتي، واكتشفت أشياء دفينة ما كانت لتظهر لولا الانطلاق في هذا المجال، وهذه المغامرة الجديدة في عالم مجهول، لكنه شيق. تعمدت هذه المقدمة المليئة بالأحاسيس، كي أقول بما أنني أحب عملي، فإنني أتغلب على جميع العقبات والمشاكل التي تواجهني. أما بالنسبة إلى سؤالك المتعلق بالمشاكل التي تواجهني كوني امرأة موضبة، فجوابي هو أنني لم أشعر يوما بأي عائق أو مشكل، بصفتي امرأة، خاصة أن المرأة دخلت هذا العالم منذ زمن. أنا أؤمن بالكفاءة والجدية، هذا هو شعاري في الحياة. أتقن عملي أو اجتهد في تطوير ذاتي، وهذا يمكنني فرض ذاتي، سواء وسط الذكور أو الإناث. فالمونتاج هو فن وإبداع وإحساس ومهارة وتقنية، إذا كان الموضب أو الموضبة تمتلك هذه الملكات، فكوني على يقين أن التمييز الجنسي لا مجال له، ولن يكون أبدا عائقا في مسيرته. ما هي خصوصيات هذا العمل الذي لا يعرف عنه العموم الشيء الكثير؟ التركيب أو المونتاج هو فن ترتيب المشاهد، استنادا إلى أحداث قصة ما بشكل تسلسلي، لإيصال معنى القصة للمشاهد. ومن أبجديات المونتاج التقطيع والتلصيق. وبصفة عامة هو كتابة قصة معينة عن طريق الصور. فكل مشهد هو عبارة عن جملة، وتركيبها يخضع لقواعد لغة المونتاج كما هو حال باقي اللغات وقواعدها. المونتاج الرقمي ليس عملا تقنيا فحسب، بل عملا فنيا يتطلب حسا فنيا وإبداعيا، كما هو حال الصنعة السينمائية، إذ تحتاج إلى مهارة خاصة. والموضب فنان مبدع يجمع بين التقنية والإبداع، إتقان للصنعة وانفتاح على الإبداع والتقنيات الحديثة. حصلت على جائزة التوضيب، في أكبر تظاهرة سينمائية بإفريقيا مهرجان FESPACO سنة 2011 بواغادوغو. ماذا أضاف هذا التتويج لعملك أولا، ولشخصيتك ثانيا؟ جائزة التوضيب التي حصلت عليها، كانت بمثابة تقييم مرحلي بالنسبة إلي، فقد جعلتني أرى لطيفة الموضبة بعيون الآخرين، هي تقييم حفزني كثيرا، وأحسني بمسؤولية مواصلة المسار بطموح أكبر. وفي الوقت نفسه، اعتبرتها تكليفا، يدفعني للاجتهاد أكثر، ولتطوير كفاءتي الفنية والتقنية. هذا عن الجانب المهني، أما وقع هذا الإنجاز على الجانب الشخصي، فيمكن القول إنه تخالجني الأحاسيس والمشاعر نفسها، لأن حب المهنة تجعل من كل موضب هي حياته الخاصة. لا أجد نفسي أعيش حياة لطيفة الموضبة ولطيفة الإنسانة، فقط أنا لطيفة الموضبة الإنسانة. هل يحتاج المونتاج إلى تكنولوجيا متطورة؟ أم أن تقنية ومهارة وفنية الموضب كافية لتعطي جمالية للعمل؟ لا يختلف اثنان على أننا في عصر التكنولوجيا المتطورة، والمجال السينمائي أخذ قسطه أيضا من هذا التطور، فكل عام أو في ظرف أقل من العام، تظهر لدى المتخصصين، سواء في أمريكا وألمانيا، تقنيات جديدة وكاميرات حديثة متطورة، تمكن المخرجين ومدراء التصوير من الاشتغال براحة أكثر، ومن تقديم عمل أفضل بجودة عالية. هذا التقدم الفني والتقني ينعكس على فن المونتاج بما أنه مرتبط بالتصوير، ما يحتم على الموضب أن يكون مواكبا لكل التطورات في المجال، وعلى علم بما يجري حوله، ويفرض عليه مواكبة الدورات التدريبية "recyclage" ليجدد معلوماته. بخلاصة، التكنولوجيا هي قلب الصنعة السينمائية الحالية، لكن مهارة وفنية السينمائي أو الموضب بشكل خاص، هي "عقل" هذه التكنولوجيا. فلو كانت التكنولوجيا وحدها تكفي للتوضيب، لاعتبر كل مبحر عبر النت موضبا. إلى أيهما يعتبر المونتاج أقرب؟ الإخراج أم السيناريو؟ يمكن اعتبار المونتاج هو الخيط الناظم بين السيناريو والإخراج، فالسيناريو هو الكتابة الأولى للفليم، والإخراج هو الكتابة الثانية، فيما يبقى التوضيب كتابة ثالثة موحدة للكتابتين. لكن يبقى الإخراج هو الأقرب، إذ أن أكبر المخرجين، سواء المغاربة أو العالميين، كانوا موضبين، لأن الموضب هو الشخص الوحيد الذي يرى الأخطاء المفترضة في التصوير، ويتمكن من إصلاحها، وبالتالي يتعلم منها ويعمل على تفاديها عندما يصبح مخرجا. أكيد، تعاملت مع مخرجين أجانب وعالميين. هل أتاح لك الاشتغال معهم فرصة الرقي بمستواك المهني؟ بالفعل، استفدت كثيرا من تعاملي مع مخرجين من خارج المغرب، خاصة مع مخرجين أفارقة، إذ أنني قمت بتوضيب العديد من الأفلام الوثائقية، التي كانت تظهر جانبا من حياتهم الثقافية واليومية، إضافة إلى أشرطة طويلة عن تقاليدهم وديانتهم. فمثلا، الفيلم البوركينابي، الذي أحرزت فيه على جائزة المونتاج، كان يتطرق إلى صراع طائفتين مسيحيتين في استقطاب الناس إليها، وهنا، اكتشفت طقوس وخرافات ما كان لي أن أعرفها من قبل، إضافة إلى الجانب التقني، إذ أن كل فيلم تكون له خصوصيات في التصوير، وتظهر مشاكل جديدة يجب التغلب عليها، وبالتالي الاستفادة منها. هل تجدين اهتماما بمجال التوضيب لدى الشباب، من خلال اشتغالك في التدريس والدورات التكوينية في تقنيات المونتاج؟ نظرا لكوني أحظى بشرف تأطير العديد من محترفات وورشات التوضيب في بعض المهرجانات، من بينها مهرجان فيلم الهواة بسطات، الذي أطفأ شمعته السابعة هذه السنة، يمكنني أن أقول إن هناك اهتماما كبيرا من قبل الشباب بالمونتاج، وبميدان السينما، بشكل عام. لقد لمست الأمر في شغف هؤلاء الشباب بتعلم التقنيات الجديدة، من خلال المشاركة المكثفة في الورشات. هذا الاهتمام لاحظناه، أخيرا، أيضا في تزايد عدد المدارس الخاصة المتخصصة في مهن السمعي البصري.