قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أكدال، إن الزيارات الملكية إلى السينغال، وكوت ديفوار، والغابون، تدخل في إطار مسار قديم في علاقات المغرب مع البلدان الإفريقية مشيرا إلى أن المغرب متجذر في إفريقيا، من خلال اتفاقيات التعاون، التي وقعت مع العديد من بلدان القارة. وأكد الخبير في العلاقات الدولية، في حوار مع "المغربية"، أن هذه البلدان يمكن أن تستفيد كثيرا من المغرب، الذي له موقع استراتيجي، يشكل بوابة بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا. كيف تنظرون إلى الزيارات الملكية إلى السينغال، وكوت ديفوار، والغابون؟ - تدخل الزيارات الملكية في إطار مسار قديم في العلاقات مع البلدان الإفريقية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار الغابون، مثلا، فإن العلاقات الدبلوماسية معها تعود إلى سنة 1961، والأمر نفسه بالنسبة إلى السينغال. والهدف من الزيارة بالنسبة إلى المغرب، الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية منذ سنة 1984، هو اعتبار أن البديل لهذه العلاقات مع منظمة الوحدة الإفريقية، هو إقامة أحسن العلاقات الثنائية مع باقي البلدان الإفريقية. في هذا الإطار، يمكن القول إن الهدف الأساسي هو إقامة علاقات ذات طبيعة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تتجاوز القطيعة التي نشأت مع منظمة الوحدة الإفريقية، أو مع الاتحاد الإفريقي بعد تأسيسه لاحقا. وكما نعلم، فالمغرب متجذر في إفريقيا، من خلال اتفاقيات التعاون التي وقعت مع العديد من البلدان الإفريقية، وجلالة الملك محمد السادس يزور الآن السينغال، التي وقعت مع المغرب أكثر من 480 اتفاقية اقتصادية، وتقنية، واجتماعية، وثقافية. كيف يمكن أن تستفيد هذه البلدان من المغرب؟ - يمكن لهذه البلدان، بما فيها تلك التي يزورها جلالة الملك محمد السادس حاليا، أو تلك التي زارها في سنوات 2005 و2006، مثل البينين، والكاميرون والنيجر، وبوركينافاسو، وموريتانيا، والكونغو وغيرها، أن تستفيد كثيرا من موقع المغرب، الذي هو موقع استراتيجي يشكل بوابة بين إفريقيا، وأوروبا، وأمريكا، وآسيا. هذا الربط ليس فقط نظريا محضا، بل هو ربط حقيقي، بفضل ما تتمتع به المملكة من اتفاقيات مناطق التبادل الحر مع كل هذه المناطق. ويمكن، بفضل هذه الاتفاقيات، أن يشكل المغرب نافذة حقيقية لكل هذه البلدان الإفريقية للتعامل مع العالم. كما يمكن أن يستفيد بشكل حقيقي من خلال علاقاته المفضلة مع هذا التنظيم، الذي يهم سواء بلدان الساحل والصحراء، أو كذلك ما يسمى بمجموعة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا. هناك إمكانية وجود مصالح متبادلة بين هذه الأطراف، فضلا عن أن المغرب يرى في هذا النوع من التعاون بديلا أو مكملا أمثل للحوار شمال - جنوب، الذي أصبح يعاني نوعا من الفشل، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أوروبا الغربية، وبالتالي، فهذه الزيارة تدخل في إطار الحوار جنوب جنوب، الذي يبقى الوسيلة المثلى لترسيخ تعاون أفضل بين هذه البلدان. موقف المغرب من التدخل العسكري في مالي أكسبه الكثير من النقاط، فهل يكون هذا الموضوع مطروحا للنقاش خلال الزيارة؟ - الجزائر كانت دائما ترفض التدخل العسكري في هذه المنطقة، وتفضل أن تكون هناك تسوية عن طريق المفاوضات، خاصة أن الجزائر تتخوف من أن تتخذ عملية التدخل العسكري في المنطقة كمطية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى، لتوجيه عمليات انتقامية. وحصل ذلك بالفعل، لكن بشكل محدود، ويتعلق الأمر بما وقع في محطة الغاز الطبيعي في الجزائر، عين أميناس، فرضخت الجزائر، في نهاية المطاف، للضغوط الفرنسية، وقبلت استعمال أجوائها، وتقديم تعاون لوجيستيكي مع فرنسا. لكن يبقى موقف المغرب مشرفا بكل تأكيد، فهو فتح أجواءه أمام الطائرات المقاتلة للتحليق نحو مالي، كما أظهر استعداده الكامل في كل المؤتمرات التي عقدت مع البلدان الإفريقية لتطويق الإرهاب. ولاحظنا أن دور المغرب يقوم على مقاربة ذات طبيعة إنسانية أكثر منها قتالية، إذ يقوم دائما بتشييد المستشفيات المتنقلة في عين المكان، ويقدم المساعدات من أدوية وأطباء وممرضين، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية أخرى، كما أنه يفتح إمكانياته الدبلوماسية بشكل واسع للتوصل إلى حلول وسط لتسوية المنازعات. وبالتالي، فإن المغرب، بمناسبة هذه الأحداث، اكتسب تفوقا نوعيا في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، والتي لن تكون إلا وسيلة لتزكية باقي الإمكانيات الأخرى المتاحة، خاصة في الميدان الاقتصادي والتنموي. وعلينا أن نعلم اليوم أن المملكة أصبحت تشكل ذراعا قوية للاستثمار في قلب إفريقيا. ورغم الأزمة الاقتصادية، يمكن أن نلاحظ أن الشركات المغربية الكبرى حققت نتائج ممتازة خلال الموسم الماضي، في سنة 2012، وعلى رأسها شركة اتصالات المغرب، التي أصبحت فاعلا رئيسيا في العديد من البلدان الإفريقية، إلى جانب مجموعة التجاري وفا بنك، الذي بات له دور كبير في هذه البلدان. وبطبيعة الحال، فهذا النوع من الاستثمار أصبح مطلوبا اليوم، لدعم علاقات الحوار جنوب - جنوب. هل يمكن أن يصبح المغرب بوابة إفريقيا إلى الخليج العربي طلبا للاستثمار؟ - إن المغرب، الذي استطاع تحقيق نوع من التعاون الاستراتيجي، رغم أنه لم يصبح طرفا في مجلس التعاون الخليجي، إذ اكتفى بالتعاون الاستراتيجي، عليه أن يقوم بواجب أساسي، وهو القيام بدور الوسيط للدفع بالتعاون والدعم الخليجي لبلدان إفريقيا. فالمغرب يتوفر على الوسائل اللوجيستيكية والأطر المتمرسة، والإمكانيات الطبيعية، وإمكانيات الصناعة المتوسطة وحتى المتطورة، وبالتالي، يمكنه أن يلعب دور الوسيط الأساسي في تنمية بلدان إفريقيا، ويسهل دخول أسواقها بالنسبة إلى بلدان الخليج العربي، التي تطمح إلى تقديم مساعدات لبلدان القارة الإفريقية، لكن تنقصها الوسائل لتحقيق ذلك، كما ينقصها اللوجيستيك الضروري لتحقيق هذه الأهداف. وأظن أن المملكة تستطيع أن تلعب دورا أساسيا في هذا المجال. ما الذي يجب العمل على توفيره لتعزيز العلاقات أكثر في جميع المجالات؟ - أريد أن أشير إلى أن الدبلوماسية الرسمية لم تعد كافية للوصول إلى قلوب الأفارقة وعقولهم، وأصبح من الواجب أن تمتد هذه الدبلوماسية، عبر ما نطلق عليه اليوم الدبلوماسية الموازية، التي لديها أذرع اقتصادية، وثقافية، واجتماعية، وهي تهم في آن واحد البرلمانيين، والأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني. أظن أن من واجب المغرب اليوم أن يضع استراتيجية متكاملة، تأخذ في الاعتبار اختراق الجبهات الكبرى في قلب القارة الإفريقية، وعلى رأسها كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا. فهذه البلدان القوية والمهمة، التي ينبغي أن يتغير موازين القوى في العلاقة معها، لا يمكن أن تخترقها بكيفية مباشرة أو بالدبلوماسية الرسمية، بل ينبغي أن يكون للدبلوماسية الموازية دور في تحسين العلاقة معها، عبر مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والبرلمانيين، والشركات، ووسائل التفاعل ذات الطبيعة الاجتماعية، والثقافية، والبيئية، وغيرها. وأظن أنه، إذا استطاعت هذه الآليات أن ترسخ الوجود المغربي في هذه القلاع الكبرى في قلب إفريقيا، آنذاك، سيصبح دور الدبلوماسية الرسمية ممكنا، وتسهل العلاقات التي لن يكون الهدف منها فقط الحفاظ على المصالح المشتركة لهذه الأطراف، بل أكثر من ذلك، استعادة المغرب مجددا دوره القيادي في قلب القارة الإفريقية. ونعلم أن المغرب كان من بين مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية، في مطلع ستينيات القرن الماضي، وكان على رأس ما سمي بالمجموعة الثورية، كما أنه كان من البناة الأوائل والمؤسسين لميثاق أديس أبابا لهذه المنظمة. فكيف يعقل أن يستمر غيابه عن التنظيم الإفريقي منذ سنة 1984 إلى الآن؟. أظن أن إمكانية طرد جبهة البوليساريو المزعومة من هذا التنظيم لا يمكن أن تتحقق إلا بفضل اختراق هذه القلاع الكبرى، وأخص بالذكر نيجيريا وجنوب إفريقيا. وتبقى الوسيلة المثلى ليس الدبلوماسية الرسمية في الظرفية الحالية المعقدة، بل باقي وسائل الدبلوماسية الموازية.