كانت الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ إلى المشاركين في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، المنعقدة في أروشا (تنزانيا)٬ بليغة وأكدت تشبث المغرب بانتمائه القاري، إذ أوضح جلالته أن المملكة المغربية تضع القارة الإفريقية في صلب اهتماماتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وشدد جلالة الملك في الرسالة التي تلاها عمر القباج، مستشار جلالته٬ في الافتتاح الرسمي للاجتماعات، على أن المغرب حريص أشد ما يكون الحرص على تفعيل تعاون ناجع ومتضامن مع أشقائه الأفارقة٬ وبصفة أكثر شمولية على صعيد الشراكات القائمة بين دول الجنوب. وذكر جلالة الملك بأن المغرب أكد٬ على الدوام٬ التزامه بتحقيق الوحدة والتضامن الإفريقيين٬ من خلال إطلاق العديد من المبادرات والأنشطة الملموسة٬ واعتماد التنمية البشرية والمستدامة لفائدة القارة الإفريقية والإنسان الإفريقي. وقال صاحب الجلالة في هذا الصدد "إننا نضع العنصر البشري في صلب الإصلاحات والاستراتيجية التنموية التي نقدم عليها. كما نبوئه أيضا مكانة محورية في الشراكات التي يقيمها المغرب مع نظرائه من الدول الإفريقية٬ سواء على الصعيد الثنائي٬ أو في إطار التعاون الثلاثي"٬ معتبرا جلالته٬ أن هذه العلاقة التي تجمع المغرب بشركائه في إفريقيا٬ "نموذجا حقيقيا للتعاون جنوب- جنوب٬ ورصيدا ثمينا لشعوبنا. لذا ينبغي العمل على تعميقها٬ وإفساح المجال أمامها للاستفادة من إمكانات جديدة٬ وأشكال مبتكرة للعمل المشترك٬ بما يخدم مصالح الشعوب الإفريقية٬ ويساهم في تحقيق الرخاء والازدهار لها". وشدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس على أن الأمر يتعلق بمطلب جوهري٬ يسائل الحكومات والفاعلين المؤسساتيين٬ شأنهم في ذلك شأن المجتمع المدني والقطاع الخاص في إفريقيا٬ ويطالبهم بتكثيف هذا التعاون٬ وضمان شروط استمراريته٬ وجعله أكثر دقة ونجاعة. وأوضح جلالته في هذا الإطار أن "تعميق التعاون الإفريقي والشراكة بين دول الجنوب لا يعد ضرورة أخلاقية فحسب٬ بالنظر إلى القيم التي نتقاسمها٬ وإنما هو أيضا شرط من الشروط الأساسية لبلوغ النجاعة والفعالية المنشودتين"٬ مؤكدا أن الأمر يتعلق ب"توجه لا محيد عنه٬ في إطار السعي إلى تعبئة كافة الطاقات الإفريقية لخدمة التنمية المنسجمة والمستدامة في إفريقيا. كما ينبغي الإقرار بأن الأمر يتعلق بمجال يتعين علينا أن نتحلى فيه بالمزيد من الإقدام والابتكار". وتعد الرسالة ترجمة للتوجه الذي رسمه جلالته للمغرب، الذي لا يمكن أن ينسى أبدا أن جذوره في إفريقيا، وهو الأمر الذي ما فتئ المغرب يترجمه عبر المواقف التي يتخذها، لدعم أشقائه في القارة السمراء. ويعد المغرب نموذجا يحتذى في المواقف النبيلة التي تهتم بالاستقرار على مختلف المستويات، وأيضا الاهتمام بأمن وأمان المواطنين الأفارقة، عبر المساهمة الفعالة في البعثات الدولية لحفظ السلام، وبعث الإعانات بأمر من جلالة الملك كلما اتضح أن بلدا إفريقيا في حاجة إلى ذلك. وأعطى المغرب، بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك، المثال للصورة التي ينبغي أن يكون عليها التعاون جنوب – جنوب، ما يعكس تجذر المغرب في عمقه الإفريقي وانشغاله الدائم بتعزيز الاندماج والتنمية المحلية لدول هذه القارة، التي تكتسي بعدا استراتيجيا بالنسبة إلى المملكة. وعزز قرار المغرب إلغاء ديونه المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، نموذجية التعاون المغربي الإفريقي٬ الذي يحكمه اليوم إطار قانوني يشمل حوالي 480 اتفاقية وبروتوكولا وقعتها مختلف اللجان المختلطة٬ إلى جانب دور عدة مؤسسات، كالوكالة المغربية للتعاون الدولي، في إعطاء دفعة قوية لهذا التعاون٬ خاصة في مجال تكوين الموارد البشرية. الاهتمام الملكي بالقارة في السنوات الأولى لاعتلائه عرش المملكة، خص جلالة الملك مجموعة من البلدان الإفريقية بزيارات رسمية، لتأكيد قوة العلاقات، التي تربط المغرب بعمقه الإفريقي. وفي هذا السياق، زار جلالته في عام 2005، كلا من البنين، والكامرون، والغابون، والنيجر، والسينغال، ففي البنين، التي شكلت المحطة الأولى، كان جلالته أجرى مباحثات سياسية مع رئيس جمهورية البنين، أسفرت عن توقيع عدة اتفاقيات للتعاون الثنائي، وقعها كل من محمد بن عيسى، وزير الشؤون الخارجية والتعاون آنذاك، ووزير الخارجية البنيني، روغاسيان بياوو. وتعلقت هذه الاتفاقيات بإلغاء التأشيرة بالنسبة للجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة والجوازات الخاصة، وبالتشجيع والحماية المتبادلين للاستثمارات، وكذا بالاعتراف المتبادل برخص السياقة. ووقع رئيسا دبلوماسية البلدين، أيضا، محضر اللجنة المشتركة للتعاون المغربي البنيني. كما دشن صاحب الجلالة أثناء زيارته للبنين إقامة (الحسن الثاني) التابعة لجامعة أموبي كالافي (حوالي20 كلم من كوتونو)، التي جرى إنجازها، في إطار التعاون المثمر بين البلدين. وكانت الزيارة مناسبة استقبل جلالته إثرها، آنذاك، وفدا من الاتحاد الإسلامي للبنين ضم كلا من رئيس الاتحاد، الحاج محمد ساني، وأمينه العام، جيريغيسو غابو، وأمين المال، أموسى ألابي أوسيني، والأمين العام المكلف بالعلاقات الخارجية، أوسيني نورور. وفي الكامرون، المحطة الثانية في جولة جلالة الملك محمد السادس، أجرى جلالته محادثات بالعاصمة ياوندي مع الرئيس الكاميروني، بول بيا، تناولت العلاقات الثنائية والوضع في القارة السمراء. وكانت الزيارة مناسبة ليقوم جلالته بأنشطة تحمل مدلولا أعطى لعلاقات البلدين عمقا ثقافيا واجتماعيا، مثل زيارة جلالته للمتحف الوطني للكاميرون، الذي يوجد في قلب العاصمة ياوندي، حيث وقع جلالة الملك في الدفتر الذهبي للمتحف، الذي كانت بنايته مقرا لإقامة مندوبي فرنسا في الكاميرون، منذ 1932، تاريخ بنائه، إلى غاية 1960، عندما حصلت البلاد على الاستقلال. أما في الغابون، المحطة الثالثة من الجولة الملكية في إفريقيا من عام 2005، خص الرئيس الراحل الحاج عمر بانغو، والشعب الغابوني، استقبالا حارا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حيث رفعت لافتات كتب عليها "عاش محمد السادس" و"عاشت الصداقة المغربية الغابونية". وخلال تلك المحطة، وضع قائدا البلدان الحجر الأساس لمشروع السكن الاجتماعي في منطقة أندونجي (ضاحية ليبروفيل)، الذي تولت إنجازه مجموعة اقتصادية مغربية غابونية. وجرى إنجاز هذا المشروع على مرحلتين، همت الأولى بناء ألفي مسكن اجتماعي لفائدة الأسر ذات الدخل المحدود، بغلاف مالي وصل إلى 70 مليون دولار. وتضمن الشطر الثاني من المشروع بناء 8000 مسكن، على مساحة 400 هكتار، بمبلغ وصل إلى 350 مليون دولار . أما في نيجيريا، المحطة الرابعة لزيارة جلالة الملك محمد السادس، حيث خص الشعب النيجيري جلالته باستقبال حار، كانت مناسبة للتوقيع على اتفاقين للتعاون في مجال الإعلام والاتصال، وبروتوكول اتفاق في الميدان الصحي. والتزم الطرفان بموجب هذا الاتفاق بتشجيع نشر الأخبار، التي من شأنها تمتين علاقات الصداقة بين الشعبين بواسطة البث الإذاعي والتلفزيوني والإنتاج السينمائي والصحافة المكتوبة وصحافة الوكالة. أما بروتوكول الاتفاق في الميدان الصحي فهدف إلى تحديد شروط تدخل المستشفيات المغربية المتعلقة بالتكفل بمعالجة المرضى القادمين من مستشفيات النيجر. خلال هذه الزيارة، جرى تدشين شارع أطلق عليه اسم " شارع محمد السادس". ويربط هذا الشارع ذو الاتجاهين، الذي يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات، وعرضه 12 مترا، بين ساحتي (القوى الديمقراطية) و(غدافاوا). أما المحطة الخامسة من هذه الجولة الملكية التاريخية لإفريقيا، فاكتست صبغة سياسية وروحية واقتصادية، حيث استقبل جلالته مجموعة من زعماء الطرق التيجانية، الذين عبروا لجلالة الملك عن امتنانهم للالتفاتة الملكية الكريمة، كما عبروا عن سعادتهم وغبطتهم للزيارة التي قام بها أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى السينغال، مستحضرين عمق الأواصر التاريخية والحضارية، التي تربطهم بالدولة العلوية الشريفة. من جهة أخرى كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس السينغالي آنذاك، عبدولاي واد، وضعا الحجر الأساس لبناء وحدة (ويست أفريك فارما) لصناعة الأدوية التابعة لمختبرات (سوتيما المغرب)، التي يوجد مقرها الرئيسي بمدينة الدارالبيضاء. ويرمي هذا المشروع، الذي خصص له غلاف مالي بقيمة خمسة ملايير فرنك إفريقي، أيضا، إلى تمكين السينغال من تحقيق اكتفائها من الأدوية المشتقة ذات الجودة، وقلب المعادلة الحالية التي تحتم على الحكومة السينغالية استيراد ما بين 85 و90 في المائة من حاجياتها من الأدوية. كما أشرف جلالة الملك ببلدة سيبيكوتان (حوالي 40 كلم شمال دكار) على وضع الحجر الأساس لبناء (مدرج الحسن الثاني) بجامعة المستقبل الإفريقي، بحضور الرئيس السينغالي عبدو اللاي واد، ويمتد المدرج على مساحة 6000 متر مربع، وتصل طاقته الاستيعابية إلى 1640 طالبا، ويضم مختبرات للغات، وعددا من القاعات الدراسية، وقاعات للعروض، و12 قاعة للأعمال الموجهة.