تشكل الزيارة الرسمية التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس ابتداء من أمس الخميس إلى جمهورية غينيا الاستوائية بدعوة من فخامة الرئيس تيودورو أوبيانغ انغيما امباسوغو، مناسبة جديدة لإرساء دعائم التضامن جنوب-جنوب، وتوطيد عرى التعاون القائم بين المغرب وبلدان الجوار الإفريقي التي تشكل عمقه الجنوبي. وإسهاما من المملكة في تعزيز إشعاعها القاري وتكريس بعدها الإفريقي الذي ما فتيء جلالة الملك منذ توليه العرش يوليه كل الاهتمام، من المقرر أن يترأس جلالة الملك رفقة السيد تيودورو أوبيانغ انغيما امباسوغو مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات تهم التعاون بين المملكة المغربية وجمهورية غينيا الاستوائية في عدة مجالات. ويتجسد هذا التوجه الاستراتيجي للمملكة في إقبال مقاولات مغربية عديدة على الاستثمار بالقارة الإفريقية في قطاعات حيوية, يأتي في مقدمتها البناء والأشغال العمومية والصناعات الغذائية والاتصالات والأبناك والنقل، مما يساهم في نقل الخبرات وخلق الثروات في الاتجاهين. ومن شأن الإنجازات التنموية التي حققها المغرب وراكمها على مدى عقود، والخبرات المشهود له بها عالميا خاصة في مجالات الزراعة والري وتدبير المياه والتنمية القروية والسياحة بالخصوص أن تشكل أساس الدعم الذي يحرص جلالة الملك على مد البلدان الإفريقية به بهدف تحقيق التنمية المستدامة بها, والعمل على تجسير الهوة بينها وبين بلدان الشمال. ولم تكن مبادرات جلالة الملك هذه وليدة اليوم، بل إن جلالته لم يدخر جهدا منذ اعتلائه العرش للمساهمة في دعم بلدان القارة السمراء من قبيل اتخاذ جلالته قرارا, أعلن عنه في أبريل من سنة 2000 خلال القمة الأورو إفريقية الأولى بالقاهرة, بإلغاء ديون البلدان الإفريقية المصنفة الأقل نموا المستحقة للمغرب، وإعفاء منتجات هذه البلدان من الرسوم الجمركية عند ولوجها أسواق المملكة. وفي هذا السياق، عملت المملكة على نقل تجربتها الرائدة في مجال استدرار الأمطار إلى إفريقيا ما وراء الصحراء لمكافحة الجفاف التي يجتاحها (بوركينا فاصو والسينغال ...)، وأعربت عن استعدادها للمساهمة في إعداد برنامج تنموي إقليمي لاستدرار الأمطار بإفريقيا استجابة لطلب عدد من بلدان القارة. كما وضع المغرب خبرته التي راكمها في العديد من المجالات التنموية رهن هذه البلدان خاصة تلك المرتبطة بالحفاظ على المحاصيل الزراعية من خطر أسراب الجراد التي تجتاح بعض بلدان الساحل من حين لآخر وتهددها بالمجاعة. وهكذا، زود المغرب موريتانيا والسينغال ومالي وغامبيا وغينيا بيساو والرأس الأخضر على الأخص بما تحتاجه من مبيدات ومن موارد بشرية مؤهلة لمكافحة هذه الآفة والحد من مخاطرها. ويعمل المغرب على تكوين أطر إفريقية بعدد من معاهد المملكة وجامعاتها من خلال تخصيص منح دراسية لهم وإنجاز مشاريع سوسيو اقتصادية والمساهمة في تمويل البنيات التحتية لاسيما في مجالات الفلاحة وتربية المواشي والتزويد بالماء الصالح للشرب والصحة علاوة على انخراط المغرب في التعاون ثلاثي الأبعاد الذي يتمثل في توظيف مؤسسات عمومية ومقاولات مغربية المساعدات الدولية لتمويل مشاريع البنيات التحتية بإفريقيا. ولا يقتصر التعاون المغربي الإفريقي على البعد المؤسساتي الرسمي فحسب, بل يتعداه إلى البعد الاجتماعي الإنساني الذي يطال السكان مباشرة للتخفيف من معاناتهم من قبيل تعبئة فرق طبية وشبه طبية تابعة للقوات المسلحة الملكية للقيام على مدى أسابيع بعدد من البلدان الإفريقية بحملات للتلقيح والكشف الطبي لفائدة الساكنة. ومن ضمن هذه المبادرات الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى بلدة مارادي بالنيجر (550 كلم جنوب شرق نيامي) للاطلاع عن كثب على أوضاع الساكنة المتضررة من الجفاف استجابة من جلالته لدعوة سلطات النيجر بالعمل على إنقاذ حوالي مليون متضرر مع إرسال مساعدات غذائية مستعجلة وإقامة مستشفى عسكري متنقل بمارادي. وفي المجال الصحي، نظمت بالخصوص تداريب مغربية غابونية أطلق عليها إسم موغياما (قوس قزح باللهجة المحلية) تحت إشراف طاقم طبي متخصص استفاد منه أزيد من10 آلاف نسمة بالغابون. ووعيا من جلالة الملك بالأهمية التي تكتسيها الموارد المائية, اقترح جلالته خلال القمة22 لرؤساء دول فرنسا وإفريقيا (20 فبراير2003 بباريس) إحداث صندوق لمساعدة القارة الإفريقية في مجال الماء بإنجاز مشاريع مائية لمواجهة آفة الجفاف التي تتهددها. وتتمحور هذه المبادرة الملكية غير المسبوقة حول ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في وضع سياسات عمومية في مجال الماء، وتنفيذها بالالتزام بمتطلبات حسن تدبير الشأن العام وفي إطار الاعتماد على التعاون جنوب جنوب, وانتهاء بالتمويل عبر إنشاء صندوق دولي للماء لصالح إفريقيا. وإلى جانب الدعم الاقتصادي الكبير الذي يقدمه المغرب, يسجل التاريخ المواقف الشجاعة التي يتخذها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل إصلاح ذات البين وإحلال الأمن والسلام بمناطق إفريقية تعرف نزاعات من قبيل منطقة حوض نهر مانو (غينيا وليبيريا وسيراليون)، وهي المبادرة الملكية (أبريل2002 بالرباط) التي أشادت بها الأممالمتحدة والمجتمع الدولي. وكان المغرب سباقا عندما اقتضت الضرورة ذلك في المشاركة في إطار عمليات حفظ السلام التي تقوم بها منظمة الأممالمتحدة بكل من الكونغو (1960 ) والزايير (1979 ) والصومال (1994 ). أما بخصوص الجانب الروحي والثقافي، فإن جلالة الملك أمير المؤمنين حرصا منه على الروابط الثقافية الوثيقة مع القارة الإفريقية يؤدي صلاة الجمعة بمساجد البلدان الإفريقية التي يزورها وهو ما يعكس عمق الروابط الروحية مع هذه البلدان التي ساهم المغرب منذ قرون على نشر الدين الإسلامي الحنيف في ربوعها. وتندرج الزيارة الرسمية التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حاليا إلى إفريقيا في إطار جولات متعددة يقوم بها جلالته إلى عدد من بلدان القارة. فقد قام جلالته في فبراير2006 إلى كل من غامبيا والكونغو برازافيل والكونغو الديموقراطية فضلا عن زيارة خاصة إلى الغابون، كما قام جلالته في فبراير2005 بزيارة إلى كل من الغابون والسينغال وبوركينافاصو وموريتانيا، وقام جلالته في يونيو2004 بجولة في كل من بنين والغابون والكاميرون والنيجر والسينغال.