يحتفظ السوق المركزي بالدارالبيضاء، المعروف ب"مارشي سنطرال"، إلى اليوم بخصائصه المعمارية، التي جعلت منه تراثا وطنيا مصنفا، غير أن عوامل الزمن أثرت على أجزاء من بنيانه، ليناشد تجاره السلطات المعنية، قصد ترميم بعض مرافقه على نحو يعيد تلك المكانة الاعتبارية التي تمتع بها السوق منذ فترة الحماية بالمغرب. في خضم الإصلاحات الأخيرة التي شهدها سوق السمك، ب"المارشي"، ارتأت "المغربية" معاينة المستجدات التي طرأت داخل السوق، والتي اعتبرها تجار السمك وفواكه البحر غير كافية، فيما يراها مجلس المدينة ملائمة بالشكل الذي يخدم التاجر والزبون، بعد أن كلف الإصلاح مبلغ 396 مليون سنتيم، حسب تصريح مصطفى الحايا، نائب عمدة الدارالبيضاء، المفوض له بالبنايات، ل"المغربية". تجولت "المغربية" بين محلات سوق السمك وفواكه البحر ب"مارشي سنطرال"، للاطلاع على التغييرات المحدثة بعد الإصلاحات التي انتهت أشغالها قبل شهرين. وفيما تتنقل "المغربية" في الأرجاء لاحظت أن التجار يترقبون توافد الزوار، بعدما تفاءلوا بأن إعادة تهيئة محلاتهم التي تتوزع بين 20 محلا لبيع السمك، و12 محلا لبيع فواكه البحر، ستعيد إلى السوق الرواج والإقبال على معروضاتهم. فتجهيز محلات تجار السمك، بالرخام بدل الألواح الخشبية، حيث تعرض الأسماك، أضفت جمالية على شكل السوق. غير أن التجار يجدونها غير كافية ولم تخلصهم من مشكلة تدفق المياه التي تحرجهم مع الزبائن عند الاقتراب من الرف حيث الأسماك، حسب إفادات بعض التجار ل"المغربية"، الذين أوضحوا أن الاتجاه المائل للرف، كان من المفروض أن يميل نحو مكان وقوف التاجر، وليس العكس، حيث يقف الزبون لانتقاء حاجياته. من ثمة يضيف بعض التجار، تطوعوا إلى إضافة لوح خشبي رقيق للحيلولة دون تسرب المياه على الوافدين، وهو مشكل استطاعوا التحايل عليه، غير أن مشكلة الزليج الذي هيأت به أرضية السوق، لم تكن مفيدة لصرف المياه نحو المجاري، ولهذا فهم مصرون على أن تعوض ب"الموزاييك" لفاعليته في تصريف المياه بسهولة، حسب تجربتهم له، قبل الإصلاح الأخير. تراجع ملحوظ وخلال حديث "المغربية" مع بعض التجار، كان بعض الوافدين يترددون على سوق السمك، بشكل لا يوحي باستعدادهم للتبضع، بقدر ما هو تجول في الأرجاء ليس إلا. فالتراجع الحاصل في الإقبال على معروضات "مارشي سنطرال" بما فيها منتوجات سوق السمك وفواكه البحر، هو مشكل أكبر يكابده التجار وفق تصريحاتهم ل ل"المغربية"، مضيفين أن "تردي فضاءات السوق جعل العديد من الناس يصرفون النظر عن ارتياد السوق والتبضع منه، ماعدا أولئك الموظفين بمؤسسات جوار السوق الذين يتقاطرون عليه خلال وقت الغذاء لاقتناء حاجيات بسيطة لا ترقى إلى حجم الإقبال الذي كان معروفا عن السوق، خاصة أنه معلمة تشكل مرآة عاكسة لوجه مدينة الدارالبيضاء وتاريخها. واستنادا إلى ما ذكره بعض تجار السمك ل"المغربية"، فإن الزبائن يترددون على السوق في فترات متباعدة لا تشجع على رواج السلع، التي يجلبونها من ميناء الدارالبيضاء أو سوق السمك الجديد ب "الهراويين"، لهذا يتحملون في كثير من الأحيان ذلك الركود، الذي يكلفهم ضياع مصاريف كثيرة. أسباب الركود التجاري عزا تجار السمك وفواكه البحر الركود الحاصل في تجارتهم إلى عدة أسباب، أبرزها تلك الأشغال التي كانت جارية لإعادة تهيئته، والتي لم تنجز بالشكل المرجو، وقادت التجار لإغلاق محلاتهم مؤقتا، في انتظار تجديد الإصلاح، إلى جانب إغلاق بعض الشوارع والممرات المحاذية التي حالت دون تمكن الزبناء من زيارة السوق بعد ركن سيارتهم. كما ذكر بعض التجار أن التعديلات الأخيرة التي أحدثت في السوق، جعلت الطاولات الحجرية، حيث تعرض السلع، لا تسمح بصرف المياه لتتسرب على الجنبات بشكل ينفر الزبون الوافد، في وقت مازال قبو السوق مكدسا بركام الحجارة التي خلفتها الأشغال، وهو مكان تحت أرضي يتطلع التجار إلى أن يكون بمثابة فضاء مهيأ بعدد من المرافق. في السياق ذاته، ذكر بعض التجار ل"المغربية" أن التكاليف التي يصرفونها في اقتناء منتوجات السمك، هي باهضة مقارنة مع هامش الربح الذي يربحونه من وراء بيعها في ظل ضعف الإقبال عليها، في إشارة إلى أن السوق كان قبل سنوات وجهة لكل الزبناء الباحثين عن الجودة في المنتوجات، خاصة الأسماك. ويعتبر السوق معلمة تاريخية اشتهرت بتجارة مختلف المنتوجات والسلع المنتقاة بعناية تامة إرضاء للزبناء المغاربة والسياح، حسب تعبير تجار السمك، ومن ثمة فالركود التجاري الذي يشهده السوق ناجم عن ضعف التهيئة التي لم تعد له جماليته وقيمته، رغم تطوع التجار إلى إجراء تغييرات طفيفة قصد تسليط الضوء على معروضاتهم وتسهيل ولوج الزوار في ظروف تخلو من الفوضى والعشوائية التي تطغى على بعض أركان السوق. من جهته، قال عبد الإله عكوري، الكاتب العام ل"جمعية تجار السمك وفواكه البحر"ل"المغربية"، إن الجمعية تحرص على أن يكون السوق في مستوى يشجع على التجارة فيه، ولهذا طالبت عدة مرات المسؤولين بالتدخل لإنصاف التجار الذين يزاولون التجارة فيه منذ سنوات طويلة وإنصاف هذه المعلمة التاريخية التي توثق لتاريخ مدينة الدارالبيضاء والبلد. وأضاف أن الإصلاح الأخير الذي أنجزه مجلس المدينة بوسط سوق السمك، لم يراع بعض الخصوصيات للسوق وخلق ثغرات جديدة في الوضعية الهشة للفضاء، ما قاد التجار إلى توجيه عدة رسائل للمعنيين قصد إعادة النظر في الإصلاحات الأولى وإحداث أخرى شاملة وملائمة لخصوصية تجارة السمك". مصاريف تفوق الأرباح أفاد بعض تجار السمك وفواكه البحر، أن مساحة "سوق السمك" تقدر بحوالي 240 مترا مربعا، وهو فضاء يحاول التجار أن يشكل نموذجا جيدا، للأسواق، اعتبارا إلى أن نوع الأسماك المعروضة غير متداولة في الأسواق الأخرى، وإن كانت مكلفة بالنسبة إليهم، فهم حريصون على جلبها لتعزيز تلك الثقة بينهم وبين الزبناء، الذين يعتبرهم التجار "زبناء خاصين"، يشترطون الجودة من أجل التبضع. كما أضاف التجار أنهم غالبا ما يصرفون 150 درهما في اليوم الواحد، ككلفة لتبريد السمك خلال العرض وتخزينها في الثلاجات، إذ أن الصندوق الواحد للسمك يكلف 10 دراهم للاستفادة من الثلج. وقدم التجار بعض أنواع السمك التي يصرون على أن تكون موجودة بالسوق، تلبية لرغبات الزبائن، فهناك سمك القشريات مثل "الدرعي" و"باجو" و"القرب"، التي يجلبونها من سوق السمك ب "الهراويين"، مستشهدين ببعض أثمنة الأسماك، مثل "الميرنا" (80 درهما للكيلوغرام الواحد)، و"القيمرون" (100 درهم للكيلوغرام) و"الصول" (70 درهما)، و"سامبيار" (80 درهما للكيلوغرام) والقيمرون الملكي (700 درهما للكيلوغرام) و"التيربو" (250 درهما للكيلوغرام) و"الزريقة" (120 درهما) و"البيرة" (80 درهما)، و"السردين" (20 درهما). وأوضح تجار السمك أن رواج بضاعتهم ضعيف بالمقارنة مع السنوات الماضية، لهذا نادرا ما يقبل عليهم زبائن يقتنون بكميات كبيرة، في حين يظل الزبناء محصورين في أعداد قليلة، معظمهم أولئك الذين يحبذون انتقاء أسماك نيئة وشيها في المقهى المجاورة لهم، وذروة الإقبال تتجلى عند وقت الغذاء، وما عداها هي فترة ترقب وانتظار، على حد وصفهم. تفاؤل البيضاويين قبل أن ينطلق مشروع "الطرامواي"، كان البيضاويون وكذا تجار سوق "مارشي سنطرال" يتفاءلون في أن يكون وسيلة جديدة تمكن السوق من استعادته لذلك الإشعاع الاقتصادي الذي اشتهر به عند المغاربة والسياح الأجانب، إذ أن السوق المركزي كان وجهة للزبناء الميسورين لاقتناء أجود المنتوجات المختارة بعناية والمصففة بإحكام، غير أن العشوائية التي مست جل مرافقه وأفقدته بعض ميزاته، ساهمت في عزوف الناس عن ارتياده. فالبعض أرجع الواقع "المؤسف" للسوق إلى الإهمال الطويل لمرافقه وعدم صيانتها، بموازاة إهمال شارع محمد الخامس وبعض المعالم التاريخية الكائنة، فيه، والبعض الآخر عزى الأمر إلى غياب التنظيم وسط السوق، بعد أن انقسم فضاؤه إلى محلات أخرى غير مهيكلة. بين الرأيين، سعى التجار إلى لفت انتباه المعنيين بالشأن المحلي، قصد رصد المشاكل الحقيقية لتراجع إشعاع السوق العمراني والاقتصادي والاجتماعي، وإيجاد حلول لها بشكل عاجل، تماشيا مع انتظارات المواطنين، في أن تنتعش مدينة الدارالبيضاء بتسخير مؤهلاتها التاريخية والاقتصادية والعمرانية والديموغرافية. من جهة أخرى، وفي سياق الغيرة على هذه المعلمة استطاعت "الجمعية البيضاوية لتجار مارشي سنطرال"، التي تأسست سنة 2011، أن تدق ناقوس الخطر المحدق بمصير السوق المركزي"، كمعلمة تاريخية شيدت سنة 1916، إذ تسعى الجمعية إلى إعادة الاعتبار لهذا الفضاء، وتغيير ملامحه الباهتة، من خلال التهيئة وتحسين وضعية التجار. الجمعيات تتحرك قال عبد الرزاق ملايو، رئيس "جمعية تجار مارشي سنطرال البيضاء"، ل"المغربية"، إن "السوق المركزي شهد تراجعا مهولا منذ عشر سنوات مضت، والجمعية تأسست بغية النهوض بهذه المعلمة التي ستكون خسارة فادحة التفريط فيها والإبقاء عليها في هذا الوضع المتدهور". وأضاف أن "أشغال "الترامواي" زادت من تفاقم الوضع، بعدما غادر السكان في وقت سابق المباني السكنية الموجودة بشارع محمد الخامس والشوارع المجاورة، باتجاه أحياء تعتبر اليوم أرقى من مركز المدينة، لتتحول معظم هذه المباني إلى مكاتب ومقرات للعمل". كما ذكر ملايو، أن "تدهور الواقع المعماري لفندق لينكولن وتركه في حالة منذرة بانهياره، أدى إلى إقفال شارع محمد الخامس وتغيير وجهات العابرين والمواصلات"، إلى جانب أن احتلال بعض التجار للملك العمومي عرقل حركية السوق وشوش على زواره، ما يعني أن هذه الإكراهات والمشاكل كافية حتى تنأى بالناس عن ارتياد السوق المركزي". في السياق ذاته، أكد ملايو أن "الجمعية تبذل قصارى جهودها بتنسيق مع السلطات العمومية والمنتخبة والفاعلين، للنهوض بالسوق ورد الاعتبار إليه ولمحيطه، من خلال إيجاد الحلول المتراكمة بالسوق وكل ما يعيق نشاطه التجاري ويمس جماليته، بدءا بتشجيع المبادرات الاقتصادية والمشاريع ذات الطابع الاجتماعي والإيكولوجي عبر التجارة المنصفة". من جهة أخرى، ذكر ملايو أن "الأعضاء اقترحوا لجنة ثنائية بين الجمعية ومقاطعة سيدي بليوط للتتبع ومواكبة التحولات التي يعرفها وسط المدينة، كما جرى تقديم مشروع الأمن بالسوق ومحيطه إلى السلطات المعنية قصد التشاور، ثم تفعيل دوريات القوات المساعدة بالسوق، إلى جانب وضع أربع لوحات إخبارية في المداخل الرئيسية لإخبار التجار بكل أنشطة الجمعية". كما لم يغفل ملايو التذكير بأن "المكانة الاعتبارية للسوق المركزي وكذا شارع محمد الخامس والمرافق التي يحتضنها، مدعاة إلى تفعيل الجهود بين جميع الأطراف والمتدخلين، لتخليص وسط المدينة من بصمة الإهمال والتهميش الذي شوه معالمه التاريخية". في الإطار ذاته، تسعى جمعية "تجار السمك وفواكه البحر"، إلى تحويل السوق إلى فضاء مستقطب للزوار، من خلال تهيئة مهيكلة وسليمة، ما قادها إلى طرح مقترح يسهل عمل التجار ويساعد على انتعاش تجارتهم، وهو مشروع تقدموا به إلى مجلس المدينة في انتظار حصولهم على رد. ويتضمن هذا المشروع وفق النسخة التي حصلت عليها "المغربية"، استغلال فضاء قبو السوق المركزي لإنشاء قاعة للاجتماعات ومعرض للصور المؤرخة لتاريخ السوق، ثم إنشاء مسجدين للنساء والرجال، وغرفة لتبريد الأسماك ومقر لجمعية تجار السمك وفواكه البحر، ومستودع لتجار السمك، ومستودع لعمال النظافة ومقر للحراسة الأمنية والتسيير، ودورات مياه للوضوء. ويأمل تجار السوق على اختلاف منتجاتهم وأغراضهم، أن تتحقق مساعيهم في أن يصبح سوق "مارشي سنطرال" سوقا مميزا كما عهده البيضاويون وزواره، خاصة بعد انطلاق مشروع "الطرامواي"، والشروع في صيانة بعض المباني المجاورة له، لأن شارع محمد الخامس يما يتضمنه من معالم تاريخية، جدير بأن يحظى باهتمام أكبير يترجم خاصياته المعمارية الاقتصادية.