اعتبارا للأهمية البالغة التي يكتسيها التكوين المهني في النهوض بقطاع الصناعة التقليدية وتحسين مردوديتها والرفع من جودة منتوجاتها وسعيا إلى بلوغ أهداف الرؤية المسطرة من طرف الوزارة الوصية للرقي بأداء القطاع٬ شهدت السنوات الأخيرة إحداث عدد من مؤسسات التكوين في مهن الصناعة التقليدية٬ بهدف تكوين جيل جديد من الصناع التقليديين، قادر على المزاوجة بين أساليب وأنماط الإنتاج التقليدية والتقنيات الحديثة الكفيلة بتعزيز تنافسية المنتوج الوطني. وتتجلى أهمية التكوين في مجال الصناعة التقليدية، الذي تعززت بنياته بإحداث أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء٬ التي دشنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ أمس الأربعاء٬ في كونه استثمارا مهما ورهانا للمستقبل٬ وكذا آلية للنهوض بالقطاع والمحافظة على الهوية الثقافية للمملكة، وملاءمة منتوجات الصناعة التقليدية مع معايير الجودة وإكراهات السوق٬ إلى جانب أهميته البالغة في تأهيل الحرفيين٬ لاسيما الشباب منهم٬ وتيسير اندماجهم في النسيج السوسيو- مهني. ويعكس تدشين جلالة الملك لهذه الأكاديمية النموذجية٬ التي تطلب بناؤها استثمارات بقيمة 107 ملايين درهم٬ الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالته لقطاع الصناعة التقليدية وشؤون العاملين فيه٬ وكذا العناية الموصولة التي ما فتئ يحيط بها جلالته الصناع التقليديين، وحرصه الدائم على تمكينهم من التكوين الملائم والناجع في شتى المجالات٬ بما يتيح انخراطهم الفاعل في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة. وتنضاف أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء٬ إلى مختلف مراكز التكوين في حرف الصناعة التقليدية المحدثة خلال السنوات الأخيرة٬ لاسيما تلك التي رأت النور في إطار البرنامج المسطر من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن٬ تنفيذا للتعليمات الملكية السامية٬ وهو البرنامج الذي يهم إنجاز أربعة مراكز مرجعية تروم تمكين الشباب من تأهيل مهني ملائم لواقع قطاع الصناعة التقليدية السوسيو- اقتصادي٬ لاسيما من خلال تبني نمط التكوين بالتدرج. والواقع أن مؤسسات التكوين في حرف الصناعة التقليدية تساهم في تكوين حرفيين وتقنيين ذوي كفاءة في عدد من الحرف٬ من قبيل الخياطة التقليدية، والنجارة الفنية، والمصنوعات الجلدية، والحدادة، وصناعة الخزف، والجبس، والصياغة، والنقش على الزليج، ونسج الزرابي، وصناعة الأحذية التقليدية، والمصنوعات النحاسية والدباغة٬ بما يعكس تنوع التكوينات المتوفرة وارتباطها المباشر بسوق الشغل. وتنقسم منظومة التكوين في مهن الصناعة التقليدية إلى تكوين أولي٬ يشمل بدوره نمطين مختلفين، هما التكوين النظامي والتكوين بالتدرج المهني٬ ثم التكوين المستمر للصناع الحرفيين٬ الذي يقوم بالأساس على تنظيم دورات تكوينية وتدريبات لفائدة الصناع٬ بهدف تطوير مهاراتهم وملاءمتها مع مستجدات القطاع وحاجيات السوق. ولا يقتصر التكوين الممنوح في مجال الصناعة التقليدية على تلقين مهارات الصنع التقليدية المتعلقة بكل حرفة٬ بل يفتح المجال أمام الحرفيين للاطلاع على أساليب وتقنيات الصنع الحديثة٬ التي تعمل في الآن نفسه على دعم جودة وتنافسية المنتوج والحفاظ على أصالته وطابعه التقليدي الأصيل. وبعد انقضاء فترة التكوين٬ يستطيع خريجو هذه المراكز الحصول على فرص عمل بمختلف ورشات ومقاولات الصناعة التقليدية٬ أو إنشاء مقاولات صغرى ومتوسطة٬ مستفيدين من دعم بعض المؤسسات التي تعينهم على تخطي مراحل إرساء الوحدات الإنتاجية وتوفير أدوات التدبير والتسويق٬ إلى جانب منح الدعم التقني والمالي بمساعدة المهنيين. والأكيد أن بنيات التكوين في حرف الصناعة التقليدية٬ التي شهدت وتيرة إنجاز متسارعة خلال السنوات الأخيرة٬ ستمكن من الرقي بقطاع الصناعة التقليدية ودعم طاقاته البشرية في أفق تعزيز قدرته التنافسية٬ لاسيما في ظل المنافسة القوية التي أضحت تشهدها السوق العالمية لمنتوجات الصناعة التقليدية.