بحكم التحولات المتعددة التي همت بنية النسيج السوسيو- اقتصادي على مستوى جهة الدارالبيضاء الكبرى٬ وعلى ضوء التوجهات الوطنية الكبرى في مجال التعمير والتنمية المجالية٬ انخرطت العاصمة الاقتصادية للمملكة في إنجاز مجموعة من المشاريع النموذجية المندرجة في إطار برنامج السكن الاجتماعي (250 ألف درهم للوحدة)، والسكن الاجتماعي منخفض التكلفة (140 ألف درهم للوحدة)٬ الرامي بالأساس٬ إلى توفير سكن في متناول الفئات ذات الدخل المحدود٬ سعيا إلى جعلها تنعم بإطار عيش كريم ومستقر. وتشهد المنجزات التي جرى تحقيقها على مستوى الجهة في إطار تفعيل هذا البرنامج الطموح٬ الذي كان آخر ثماره المشروعان السكنيان "رياض الرحمة" و"النخيل"٬ اللذان أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ أول أمس السبت، بإقليم النواصر٬ انطلاقة أشغال إنجازهما٬ على الرغبة الأكيدة في تعزيز العرض السكني الموجه للفئات ذات الدخل المحدود واجتثاث مظاهر التهميش والهشاشة الاجتماعية٬ والقضاء على دور الصفيح، وبالتالي الرقي بالمشهد العمراني لكبرى مدن المملكة. ويعكس الاهتمام الخاص الذي يوليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ لهذا البرنامج الطموح، وتتبع جلالته ميدانيا لتطبيق هذه الاستراتيجية بمختلف ربوع المملكة٬ العناية الموصولة التي يحيط بها جلالة الملك هذه الفئة من المواطنين التي تسعى إلى الحصول على إطار عيش كريم٬ سعيا إلى تكريس العدالة الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى السكن. الواضح أن هذا البرنامج الضخم٬ الذي أعطيت انطلاقته سنة 2010، من خلال 85 عملية مندمجة كفيلة بإحداث 127 ألفا و863 سكنا من مختلف الأصناف٬ منها 76 في المائة من السكن الاجتماعي٬ على مساحة إجمالية تبلغ 665 هكتارا٬ يتوفر على جميع مقومات النجاح التي ستمكنه٬ لا محالة٬ من بلوغ أهدافه الطموحة. الأكيد أن نمو سكان جهة الدارالبيضاء الكبرى ب 1،5 مليون نسمة٬ خلال الفترة مابين 2010 و2020، يحتم إنجاز 30 ألف سكن في المتوسط سنويا إلى جانب كل التجهيزات الأساسية ومرافق القرب الجماعية الضرورية لمصاحبة هذه الأسر التي تعيش صعوبات اجتماعية مختلفة٬ ومن ثم جعلها تستفيد من خدمات ذات جودة في التعليم والصحة والسكن. ومن أجل بلوغ هذه الغايات٬ مكنت الإجراءات الضريبية الجديدة في هذا المجال والاتفاقيات الموقعة بين المنعشين العقاريين والدولة٬ من إحداث دينامية قوية في هذا القطاع٬ حيث مكنت هذه التدابير المحفزة من تيسير الولوج إلى سكن بتكلفة منخفضة٬ ومن ثم المساهمة في امتصاص جزء كبير من العجز الحاصل في هذا المجال الحيوي. وفي هذا السياق٬ تمنح ترسانة الإجراءات المشجعة للمنعشين العقاريين على الاستثمار في السكن الاجتماعي٬ الكثير من الامتيازات الضريبية٬ بما في ذلك الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات٬ إلى جانب خفض واجبات التسجيل والضريبة الخاصة بالإسمنت٬ ما ساهم في إحداث طفرة حقيقية وعودة المنعشين للاستثمار في قطاع العقار. كما مكن هذا البرنامج من دعم الرقي الاجتماعي الذي يتيحه الولوج إلى الملكية٬ إلى جانب "دمقرطة" الحصول على السكن لفائدة جميع المواطنين٬ ذلك أنه أمام الصعوبات التي يطرحها الحصول على سكن في ظل سوق مفتوحة٬ فإن السكن الاجتماعي يأتي للاستجابة لحاجيات فئة عريضة من الأسر، وفتح آفاق جديدة أمام الفئات المعوزة للحصول على سكن لائق. ولا تقتصر هذه المشاريع على المساكن ذات التكلفة المنخفضة وحسب٬ على اعتبار أنها عمليات مندمجة تتألف في غالبيتها من سكن اجتماعي يصاحبه سكن من الصنف المتوسط (السكن الاقتصادي) ثم الفيلات٬ مما يتيح إحداث نوع من التآلف الاجتماعي وتجاوز الفوارق الطبقية في الأحياء السكنية. من جهة أخرى٬ جرى اتخاذ مجموعة من التدابير الرامية لمواكبة ومراقبة جودة إنجاز المشاريع المندرجة في إطار هذا البرنامج٬ تماشيا مع أهداف هذه الاستراتيجية الجديدة لإنعاش السكن الاجتماعي٬ والتي من شأنها مساعدة مليون ونصف من الأشخاص ذوي الدخل المحدود على العيش في شقق لائقة والرفع من وتيرة امتصاص الخصاص الحاصل في السكن بجهة الدار البيضاء الكبرى. وفي هذا الصدد٬ مكن الشباك الوحيد الذي جرى إحداثه بالوكالة الحضرية للدارالبيضاء٬ بغية معالجة ملفات السكن الاجتماعي٬ من تقليص آجال مساطر الحصول على الترخيصات وضمان سرعة أكبر بالمقارنة مع المشاريع العادية. ولعل أهمية هذا البرنامج الطموح تتجلى٬ كذلك٬ في كون المشاريع المبرمجة على مستوى جهة الدار البيضاء الكبرى باستثمار إجمالي يقدر ب 35،4 مليار درهم٬ كفيلة بإحداث 104 آلاف منصب شغل. ويحرص القائمون على إنجاز مجموع هذه المشاريع السكنية ذات الطابع الاجتماعي على ضمان تحقيق شروط الجودة ومتانة البناء وراحة السكان٬ سيما من خلال توفير منتوج سكني وفق بناء معماري حديث يحترم الاندماج الجيد مع الموقع والتدبير الأمثل للمساحات وتوفير مساحات خضراء. والواقع٬ أن مشاريع السكن الاجتماعي التي يصاحبها تفعيل برنامج "مدن بدون صفيح" وتنزيل سياسة التنمية المجالية٬ تصب في اتجاه تحقيق هدف أساسي ألا وهو جعل العاصمة الاقتصادية للمملكة قطبا حضريا نموذجيا يوفر السكن الكريم واللائق لمختلف شرائح المجتمع٬ مع المحافظة في الوقت نفسه على تناغم وجمالية المشهد العمراني.