رغم أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مازال يحمل لقب رئيس الحكومة المعين، وأن عباس الفاسي هو الذي يقود الحكومة، فإن الأول حظي بثناء مواطن على عمل، لم يقم به، بل لم يعرف الحادث، ليتدخل لإنهاء معاناة المعني به. اختنقت زنقة سعد بن أبي وقاص، في عمالة أنفا، بولاية الدار البيضاء، بعد ظهر الخميس الماضي، ولم يكن بالإمكان اختراقها، إذ كانت سيارة لرجال الأمن وشاحنة لرجال المطافئ وسيارة إسعاف تقبع قرب إحدى العمارات بالزنقة المذكورة، المتفرعة عن زنقة أكادير، وسط مدينة الدارالبيضاء. وكان الحدث والمشهد غير المألوف وراء تناسل التأويلات والتعليقات. حملق البعض في واجهة العمارة باحثا عن دخان حريق، أو رؤية ما يساعده على معرفة سبب حضور رجال المطافئ، نسج أحد المارة حكاية محاولة انتحار فتاة، وصدقها، وأخذ يروجها، فيما حاول آخرون استقاء الخبر عبر السؤال هنا وهناك، وفضل البعض عدم مبارحة المكان قبل معرفة سبب وجود سيارتي رجال الإطفاء والشرطة بهذا الزقاق. وهما يهمان بصعود أدراج العمارة، سأل أحد الشرطيين صاحبة الشقة، التي اتصلت طلبا للمساعدة، "هل الأخت مغربية؟"، مستغربا أن يكون طلب الاستغاثة من طرف مواطنة مغربية. ودون تردد أو تفحص للسؤال، ردت "نعم، أنا مغربية"، ثم دلف الشرطيان إلى الشقة بهبة تسبغها على رجال الأمن مهامهم النبيلة والمحفوفة بالمخاطر. لحظات بعد وصول رجال الأمن، حلت شاحنة رجال المطافئ، متبوعة بسيارة إسعاف، ودلف رجال المطافئ، بدورهم، إلى داخل العمارة، بينما استمر الترقب والتساؤل يعلوان وجوه المتجمهرين في ذاك الفضاء. احتل رجال الأمن والمطافئ باحة المنزل، وتسلق أحد الإطفائيين السور الفاصل بين الشقتين، حملق مليا ثم ردد "إنها هناك"، ثم نط من فوق السور إلى باحة الشقة الأخرى، وطلب أحدهم إحضار قفة أو كيس، وما هي إلا لحظات، حتى رفع أحد رجال المطافئ حقيبة، سلمتها له صاحبة الشقة، ومدها لزميله. حمل أحدهم الحقيبة، وهم الجميع صوب باب الشقة بعد إنهاء المهمة. وفي باب العمارة، وضع الإطفائي الحقيبة أرضا، ثم فتحها أمام أنظار المتجمهرين، فخرجت قطة وقد خارت قواها، ومع ذلك دفعها الفزع لتهرع وتختفي تحت إحدى السيارات. تناسلت التعليقات مرة أخرى، ولم يخف بعض المتحلقين بالفضاء اندهاشهم، "هذا كله من أجل قطة؟"، "إن الأمر يتعلق فقط بقطة". ورفض صاحب حكاية "محاولة انتحار فتاة"، قبول تفنيد الواقع لادعائه، فعلق "هذه القطة هي التي حاولت الانتحار"، لكن أحد الظرفاء فضل ربط الحادث بالمجريات السياسية في المغرب، وقال "بنكيران راه خدام"، في إشارة إلى سطوع نجم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وتوليه تدبير الشأن الحكومي. وإذا كانت بعض هذه التعليقات تميل قليلا إلى السخرية، فإن عددا من المتتبعين استحسنوا تدخل رجال الشرطة والوقاية المدنية من أجل إنقاذ قطة، وحرصوا على تسميتها ب"البكمة"، في إشارة إلى المرجعية الدينية، ومبدأ الرفق بالحيوان، المنصوص عليه في التعاليم الإسلامية، وتعاليم الديانات السماوية عموما، بل اعتبر أحدهم أن المشهد جعله فخورا بمغربيته، ورد على أحد الذين قالوا "أصبحنا مثل كندا"، بانفعال شديد متسائلا: "ما الفرق بيننا وبينهم؟ نحن أيضا نبر بالحيوانات، ونعتني بها". وقال أحدهم، بكثير من الجدية، مثمنا هذا التدخل لإنقاذ قطة "لولا القطط، لكانت الفئران احتلت منازلنا وغرف نومنا ومطابخنا، والقطط لم تخلق عبثا"، وأضاف بحزم كبير أن "حماية القطط تدخل في إطار حماية التنوع الطبيعي". وجمعت صاحبة الشقة، التي طلبت تدخل السلطات لإنقاذ القطة، وهي صحافية، فضلت عدم ذكر اسمها، بين البر بالحيوان والبر بالإنسان، وقالت ل"المغربية"، إن اتصالها بالوقاية المدنية جاء بعد أن تعذر عليها إنقاذ القطة، موضحة "قضت هذه القطة ثلاثة أيام في الباحة دون أكل أو شرب، وظلت تموء، حتى تغير صوتها، من شدة العياء، إلى بحة غريبة، وطبعا كان "صراخها" يزعج الجميع، ويحزن في الوقت ذاته، ذوي القلوب الرحيمة".