في سياق إقليمي تطبعه تقلبات كبرى، انبثق المغرب من خريطة الأحداث الجارية، كمهندس لحركة وعي جماعية تلتف حول قيم التجديد والسلام والحرية والديموقراطية التي تعززت بإرساء آليات ونماذج جديدة غير مسبوقة تتطلع إلى تشكيل وهيكلة المشهد المؤسساتي والسياسي المغربي في إطار نسق يحتل فيه الدفاع عن حقوق الإنسان موقعا طليعيا. اكتست مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ومن بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عقد أول أمس الأربعاء دورته العادية الأولى، استقلالية متنامية، وأصبحت ذات صلاحيات موسعة، وتجدد فاعلوها في إطار روح التعددية والمزيد من التمثيلية انسجاما مع المعايير الدولية ذات الصلة. وفي هذا السياق، تعززت المنظومة المؤسساتية الوطنية بهيئات جديدة لحماية حقوق الإنسان: مؤسسة الوسيط، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وهما مؤسستان تشكلان آلية وطنية متماسكة وحديثة وفعالة لحفظ كرامة المواطن. فمؤسسة الوسيط، الهيئة الوطنية المستقلة، التي عوضت ديوان المظالم، تتولى، ضمن منهجية القرب، مهمة حماية حقوق مستعملي الخدمات العمومية، من خلال إنصاف المشتكين المتضررين بشأن كل قرار إداري مشوب بالتعسف، أو الشطط في استعمال السلطة، وضمان احترام سيادة القانون ومبادئ العدالة والإنصاف. ولهذا الغرض، فإن المؤسسة تملك صلاحية إجراء تحقيقات وتحريات، والقيام بعمليات الوساطة والتوفيق والمتابعات التأديبية أو إحالة الملفات على النيابة العامة طبقا لمقتضيات القانون. كما تضطلع بدور قوة اقتراحية لتوطيد مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العامة، وتعزيز قيم الشفافية والتخليق والفعالية الإدارية. أما بالنسبة للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، فإنها تعمل على تعزيز الحوار وتطوير مختلف أشكال التعاون والشراكة في هذا القطاع مع السلطات والجمعيات الوطنية، وكذا المؤسسات الأممية ومجموع المنظمات الحكومية وغير الحكومية. المجلس الوطني لحقوق الإنسان: هيئة لمواكبة مستجدات الدستور الجديد أصبح المجلس الاستشاري السابق لحقوق الإنسان، الذي تحول منذ مارس المنصرم إلى مجلس وطني، يتوفر على آليات للقرب من أجل حماية حقوق المواطنين في جميع الجهات. ويتوفر المجلس الجديد على صلاحيات موسعة في ما يتعلق بالإحالة الذاتية والتحريات والتحقيقات في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان. إذ على سبيل المثال قدم المجلس عند إحداثه مذكرة لإطلاق سراح 190 معتقلا استفادوا من العفو الملكي. وتتميز التركيبة الجديدة للمجلس بمستجدات مهمة، تماشيا مع الرغبة في مواكبة مستجدات الدستور الجديد في مجال تعددية وتمثيلية المجتمع المدني والنساء، وكذا القرب وتنوع المؤهلات البشرية ومشاركة مغاربة العالم. وتهم إحدى الخاصيات ذات الدلالة لهذه الهيكلة، التي تتكون من 44 عضوا، المسلسل الذي حكم إنشاءه، والذي تميز باستشارة واسعة للمجتمع المدني. وبالفعل، شاركت أزيد من 250 جمعية في هذا المسلسل، الذي تمخضت عنه عشرات اللقاءات التشاورية للوصول إلى خيار يبدو أنه لم يكن سهلا. وتعتبر التعددية علامة مميزة أخرى لهذه التركيبة، حيث تجري التعيينات من طرف جلالة الملك (ثمانية أعضاء)، ومن طرف العديد من المؤسسات الأخرى، خاصة رئيسا مجلسي النواب، والمجتمع المدني، والهيئات الدينية العليا، ومؤسسة الوسيط. كما يتعلق الأمر بتركيبة مطابقة للآليات الدستورية الجديدة التي تكرس التكافؤ، من خلال ضمان حضور النساء داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بنسبة 40 في المائة. وشهد المجلس الوطني لحقوق الإنسان تجديدا واسعا من خلال ضمه لأربعة أعضاء فقط من المجلس السابق، مما يشكل دعما جديدا لتكريس تنوع سوسيو - مهني (برلمانيون وجامعيون ومسؤولون جمعويون أو نقابيون وصحافيون وخبراء وغيرهم). وبالإضافة إلى ذلك، يضم المجلس مغربيين مقيمين بالخارج، يقطنان في سويسرا وفرنسا. وكل هذه مؤهلات تكشف دينامية المجتمع ونموذج الإصلاح المغربيين، وهو تجديد إصلاحي لم يكن ليرى النور لولا العمل الأساسي للمصالحة والذاكرة.