رغم الرداءة والابتذال، التي طبعت مجموعة من الأعمال التلفزيونية المغربية المعروضة خلال هذا الشهر الفضيل، وتكرار الوجوه نفسها سواء في القناة الأولى أو الثانية، تظل من بين بعض نقط الضوء، التي قدمتها القناة الثانية هذا العام جمال بودومة معد ومقدم البرنامج (خاص) والتي يجب التنويه بها وتشجيعها، برنامج "الأخبار يجيبوها التاليين"، الذي يعده ويقدمه الكاتب والإعلامي جمال بودومة، وتعرضه القناة الثانية على العاشرة من أيام الجمعة، والسبت، والأحد، والذي أعدت منه ثلاثين حلقة من أجل تقديمه للمشاهد في وقت الذروة في رمضان، لكن المكلفين بالبرمجة، لم يرقهم البرنامج على ما يبدو، فاقتصروا على عرض ثلاث حلقات منه في الأسبوع. "الأخبار يجيبوها التاليين" برنامج كوميدي يقدم الأخبار بطريقة ساخرة، وينقل ربورتاجات ذكية حول مواضيع اجتماعية، وثقافية، وسياسية، بطريقة مقلوبة، يعتمد فيها الفريق المختص في قلب الحدث بمعناه الحرفي، على نقل الوقائع والأحداث بشكل مقلوب لغاية فنية، لا تبدو للمشاهد من أول وهلة، وقد لا يستسيغها المشاهد العادي، الذي ألف الفكاهة المباشرة، لكنها مع ذلك تظل تجربة فنية جديدة، تخرج بالمشاهد من دائرة الفرقعات والتشويهات و"الكلام المعوج"، الذي دأب محمد الخياري، وعبد الخالق فهيد، على قصف المشاهدين بها خلال شهر رمضان. قد يكون توقيت عرض البرنامج الفكاهي غير مناسب، لكنه حقق خلال الأيام الأولى من عرضه نسبة لا بأس بها من المشاهدة، وكان حديث متتبعي الأعمال التلفزيونية الرمضانية، لكونه تناول قضايا حساسة مثل الهجرة والقراءة، والرياضة، واللصوصية، وغيرها من المواضيع، التي قدمها بالاعتماد على روبورتاجات زائفة، وميكروطرطوارات متجاوزة، ونشرات ومقتطفات إخبارية تحتفي بالشيء ونقيضه في آن معا، حيث يلتبس الزيف بالحقيقة، لكن كل شيء يبقى جائزا لإتحاف الجمهور بلحظات ممتعة ملؤها الضحك والفكاهة. أولى الحلقات التي قدمتها القناة الثانية من برنامج "الأخبار يجيبوها التاليين" كانت حول موضوع الهجرة، وحملت عنوان "ملقاك مع الروكان ولا ماروكان"، قدمت مجموعة من الفرنسيين العاطلين عن العمل، يتهافتون على السفارة المغربية من أجل الهجرة، بحثا عن فرص للشغل وعن مجال أوسع للحرية. إنها قمة الكوميديا والسخرية السوداء، التي ترثي لحال المغاربة، الذين ينتظرون أمام السفارات الأوروبية، أملا في الحصول على تأشيرة للهجرة إلى أوروبا، والبحث عن العمل. أما الحلقات الأخرى، التي جرت مشاهدتها لحد الآن فتناولت مواضيع لا تقل أهمية، توغل فيها معد ومقدم البرنامج في السخرية السوداء، والاحتفاء بالشيء ونقيضه، منها حلقة اللصوص، الذين يقررون تأسيس جمعية، وتنظيم وقفة للدفاع عن مصالحهم، وهو ما قدمت له العديد من القراءات عبر الفايسبوك، حيث اعتبره بعض المشاهدين كناية عن الاحتجاجات والتظاهرات الواسعة التي يعرفها المغرب، والتي يندد فيها شباب 20 فبراير بالنهب المستمر للمال العام. إضافة إلى حلقة ظاهرة القراءة، التي يشهدها المغرب بكثرة، والتي قدمت فيها روبورتاجات مثيرة، ظهر فيها المواطنون وهم متمسكون بالكتب، لا يحيدون بأبصارهم عنها، إذ بلغ الأمر بسائقي سيارة أجرة صغيرة إلى تخصيص المقعد الأمامي لكتبه، بدلا من فسحه للزبائن، لأن الكتب أغلى عنده من اكتساب الرزق، والسيدة، التي تقرأ باستمرار، وتناقش مع رفيقاتها في الحمام فحوى الكتب ومضامينها. في حلقات "الأخبار يجيبوها التاليين" ذكاء كبير، ورسائل مشفرة، استطاع جمال بودومة تقديمها للمشاهد بطريقة لا تستخف بذكائه، ولا تخدش مشاعره ولا حياءه، مثلما تفعل بعض السلسلات الفكاهية الأخرى، التي تستبلد المشاهد.