تحول عدد من المشاهير، سواء في عوالم السينما والغناء والرياضية، إلى قدوة لفئات عريضة من الشباب، الذين يعمدون إلى تقليدهم في ألفاظهم، وحركاتهم، ولباسهم، وحتى قصاتهم. ويبقى نجوم الكرة الأكثر استثارا بالاهتمام في المغرب، حيث يقلد الشباب هذا النجم أو ذاك ويرتدون قمصانا تحمل أسماءهم وأرقامهم، ويعلقون صورهم في كل مكان. وفي عالم المستديرة، هناك عدد لا بأس به من النجوم، الذين استطاعوا أن يكسبوا احترام الجمهور ومحبته لما عرف عنهم من خلق حسن وتواضع، فضلا عما قدموه ويقدموه من أداء عالي المستوى، ولا يخلطون بين المسائل الشخصية والأداء في الملعب. إشكاليات التقليد الأعمى لأفعال المشاهير أو للأفعال التي تعطي الشهرة لغيرهم، كثيرة اليوم. وهناك أبحاث طبية نفسية في هذه الجوانب بالذات حاولت بنتائجها وضع مجموعة من الضوابط، التي يمكن بها تقليل إقدام الغير على محاكاتهم، وتقليدهم في سلوكياتهم النفسية الخطرة تلك، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلات من قبيل هل يؤيد الشباب ظاهرة التقليد هذه، وهل يجدونها إيجابية أحيانا، وما الأسباب التي تدفع الشباب لمحاكاة المشاهير؟ ورغم أن الإجابات كانت مختلفة، إلا أنها صبت جميعها في خانة التأكيد على "عدم اتخاذ النجوم والمشاهير قدوة في كل شيء". وفي هذا الإطار، قال رشيد تاج الدين، طالب، "أنا معجب بعدد من نجوم الكرة، ولا أخفي أنني حاولت محاكاة بعضهم في مجموعة من الأمور، وحتى في اللباس، وطريقة الكلام، لكنني لا يمكن أن أتخذ أحدهم قدوة، لأنني أريد بناء شخصيتي وفق تصوري الخاص". وأضح رشيد تاج الدين أن "هناك مجموعة من الأمور، التي تؤثر في الشباب، الذين يريدون لفت النظر والشعور بالتميز كتميز المشاهير، لكن ذلك غير صحيح، إذ تكون له انعكاسات كبيرة على مسار حياة ذلك الشخص المقلد". من جانبها، أكدت إيناس الإدريسي، جامعية، أن "كل واحد منا مسؤول على صناعة نفسه، وإذا كانت هذه الصناعة مبنية على التقليد، فمن الطبيعي أنها لن تنجح". وذكرت إيناس أن "الفتيات يقلدن النجمات الشهيرات في كل شيء، وهذا خطير لأنه يلغي شخصياتهن، ويجعلهن مرتبطات فقط بالآخر، الذي يعيش حياته وفق الطريقة التي يراها مناسبة له". من جهته، قال علي الشعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع، إن "التقليد شيء طبيعي في كل المجتمعات. إذ أن جميع الدراسات النفسية والاجتماعية تشير إلى أن التقليد، سواء في المجال الفني أو الرياضي أو الفكري، هو محاولة ذلك الشاب الوصول إلى ما وصل إليه ذلك النجم الذي يحتذي به ويعتبره مثالا للنجاح". وأوضح الشعابي، في تصريح ل "المغربية"، أن "من يقوم بالتقليد يسقط فشله على الآخر، ونجاحه هو نجاح الآخر"، مشيرا إلى أن "عدم تمكن ذلك الشاب من النجاح فإنه يصل إلى ذلك الأمر من خلال الفنان، أو الرياضي، أو غيره". وأبرز الباحث في علم الاجتماع أن "هذا السلوك مرتبط بمرحلة عمرية معينة، إذ أن المراهقين غالبا ما تكون لديهم الرغبة في التقليد والاقتداء بسلوك المشاهير". واعتبر أن "التقليد دائما سيء ومضر"، مشددا على ضرورة "المنافسة، أي أن أعمل أو أجتهد لأصل إلى ما وصل إليه الشخص الذي أنا معجب به". يشار إلى أن هناك واقعا يفرض نفسه، وهذا الواقع يقول إن هناك الكثير من المجتمعات التي تعاني من هذه الظاهرة، فهي ليست "مؤامرة" ولا نتاجا ما فوق واقعي، بقدر ما هي نتاج الحياة الاجتماعية، والفكرية، والاقتصادية لأفراد يبحثون عن مثل أو قيم أو مشاهير يكونون نموذجاً بالنسبة لهم. فمثل هذه الظاهرة تعني الجميع، لأن فقدان الشعور بفرادة الذات وقدرتها يعطل الكثير من قدرات الأفراد وينعكس على المجتمع، وبالتالي فهي قضية ينبغي أن تكون مثار اهتمام الجميع وعلى مختلف المستويات.